الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمازالَ أسودَ هذا الشِباطُ؟

مديح الصادق

2014 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


أمازال أسود هذا الشباط؟


استفاق العراقيون صبيحة يوم مثل هذا، في الثامن من شباط 1963 على فاجعة لم تكن في الحسبان؛ إذ غدر الأنذال من البعثيين ومن شاكلهم من القوميين والرجعييين ومن ضربت مصالحهم ثورة الرابع عشر من تموز 1958، التي دكت معاقل الاستعمار البريطاني، وألغت نظام الملكية التابعة له، فأقامت النظام الجمهوري، وأصدرت قانون الإصلاح الزراعي، وأنصفت الفقراء والمعدمين، ووضعت قاعدة لصناعة وطنية متطورة، وفجرت طاقات الجماهير المكبوتة من خلال منظماتها السياسية والمهنية، ووضعت الخطط الكفيلة بتحرير واستغلال الثروات الطبيعية استغلالا وطنيا، واتبعت سياسة خارجية مستقلة من خلال مجموعة دول عدم الانحياز، مع التضامن مع حركات التحرر الوطني، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
لقد مهد الأوباش لانقلابهم المشؤوم بممارسات مدعومة من قبل بعض الأنظمة العربية الحاقدة على توجهات الثورة الوطنية، وبعض المراجع الدينية التي غاضها توجه الثورة العلماني الذي لم يتعرض للشعائر والطقوس الدينية، وبعض القيادات الكردية الإقطاعية؛ وذلك باختلاق خلافات وصراعات بين الأحزاب والقوى التي تحالفت وخططت للثورة، وانشقاقات على مستوى القيادات المتشاركة في حكومتها التي وصلت حد محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم قائد الثورة من قبل زميله عبد السلام عارف، ومثلها محاولات حزب البعث الفاشلة لاغتياله، وتسلل القوى المضادة للثورة إلى مواقع حساسة في أجهزة أمن الدولة التي وجدت فرصتها لزج الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين في المعتقلات، واتباع سياسة كبت الحريات، وتشجيع الفوضى، ورفع شعارات غير مقبولة جماهيريا منسوبة للشيوعيين بهدف إثارة الراي العام من البسطاء ضدهم.
لقد ارتكب الفاشيون يومها جرائم فضيعة راح ضحيتها المئات من أبناء شعبنا العراقي الشرفاء، أغلبهم من الشيوعيين الذين هبوا للدفاع عن ثورة الرابع عشر من تموز وقيادتها المتمثلة في الزعيم عبد الكريم؛ فقد قتل منهم من قتل وهو يقاتل، أو تحت التعذيب، ومنهم من نفذ بجلده إلى دول الجوار، ولا ننسى بيان الحاكم العسكري سيء الصيت رقم 13 القاضي بإبادةالشيوعيين، وهتكت الأعراض، وديس على أبسط المعايير الأخلاقية؛ على يد فرق الحرس القومي التي تشكلت من المجرمين وقطاع الطرق والمنحرفين، وتحول البلد إلى ثكنة عسكرية تمارس القتل والرعب والاستفزاز، وقد كان ضحيتهم كثير من الأبرياء الذين لا ذنوب لهم سوى تعاطفهم مع الثورة والحفاظ على مكاسبها ومستقبلها.

أما الزعيم عبد الكريم قاسم فلم يكن مُصدِّقا أن شعبا أحبه وأخلص له يمكن ان ينقلب عليه؛ فحضر إلى وزارة الدفاع بكل ثقة بالنفس، والجماهير احتشدت في محيطها تطالب بتسليمها السلاح للدفاع عن الثورة وقائدها، واستطاع المتآمرون بخداعهم شق صفوف المحتشدين من خلال خداعهم بترديد شعارات تمجد الثورة والزعيم، وقصفت وزارة الدفاع ليُلقي القبض على الزعيم ورفاقه، وتم اقتيادهم إلى مبنى الإذاعة لتنفذ بحقهم أبشع جريمة إذ قتلوا رميا بالرصاص وهم مُقيَّدون، وأخفيت جثة الزعيم عبد الكريم في مكان مجهول.

لقد تركت تلك المؤامرة آثارها على مستقبل العراق حتى يومنا الحاضر، ولعل فترة البعث الصدامي البغيض غير غائبة عن الأذهان؛ حيث أغرق البلد بجرائم القتل الجماعي لكل قوى المعارضة، والشعب الكردي، وقيدت الحريات، ودمر الاقتصاد الوطني، ناهيك عن العزلة عن العالم الخارجي ثقافيا واقتصاديا وسياسيا؛ جراء تورطه في حروب فاشلة غير مبررة، ومواقف غير مدروسة في العلاقات الخارجية بعيدا عن إرادة الجماهير، ودورها في تدبير شؤون الدولة، والانفراد باتخاذ القرارات من قبل من سمي بالقائد الضرورة والرمز

لقد مهدت الفترة الصدامية البغيضة لأسوأ فترة في تأريخ العراق الحديث بعد سقوط النظام الصدامي على يد المحتل الامريكي جراء مساومته للقوى والأحزاب والشخصيات التي مهدت له طريق الاحتلال مقابل احتفاظها بالحكم، وحيازته على النصيب الأكبر من الثروات، والقواعد العسكرية التي تدعم سيطرته قطبا وحيدا في العالم، غير آبهين بأنهم استقدموا معهم شباطا أسود جديدا لشعب العراق؛ ففتحت الحدود على مصاريعها للإرهاب، وعناصر مخابرات دول الجوار، والمخابرات الصهيونية، فأغرقت البلاد في بحار الدم والضحايا هم الفقراء الأبرياء، وقيدت الحريات، ونهبت الآثار والثروات، وأهملت كل مفاصل الدولة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وخدميا، وتحول الوطن الواحد إلى ما يشبه الولايات غير المؤتلفة، وهمشت الطاقات من كل الاختصاصات؛ بل هُجر أغلبها، واحتلت العناصر الهزيلة الفاسدة غير المؤهلة أغلب المفاصل الحيوية، ليشاع الخراب والدمار والفوضى، والأبغض من ذلك تمسك تلك الأحزاب والشخصيات بزمام الحكم رغم فشلها الذريع المخزي؛ فهل من صحوة لشعبنا العراقي تقاوم هذا الشباط الأسود الجديد؟

الثامن من شباط - 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح