الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية أور .. ما أشبه اليوم بالبارحة

عامر الأمير

2005 / 6 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


لقد تعرضت مدينة ( أور ) السومرية الى غزو العيلاميين الذين غزوا المدينة أيام ملكها ( أبي - سين *) .. و قد دافعت المدينة السومرية دفاعا مستميتا يتقدمهم الملك الذي أصطف حوله كل شعب أور من الكهنة و التجار و الشعراء و الفنانين .. فكبدوا العيلاميين خسائر كبيرة مما جعلهم " ... يوغلون في حقدهم على المدينة وعلى سكانها .. و كلما ازداد حقدهم تلاحم سكانها ووحدتهم واحتضنوا مليكهم ( أبي – سين ) وهو يقاتل امامهم ببطولة وهو يدعمونه بكل ما يملكون وهذا ما تؤكده النصوص المسمارية التي تحكي عن هذه الظاهرة ، ولا تشير الى أي صوت يعارض ذلك ، وهذا ما عزز وحدة الموقف ودفع المقاومة الشرسة ضد العيلاميين الى حد الفناء دفاعاً عن مدينتهم أور و ( أبي – سين الملك ) بقي بطلاً في مقدمة الأبطال المدافعين عنها لا يخشى أي شيء رغم علمه بمصيره ومصر المدينة ، لذا نرى اسمه قد حفر في قلوب ابناء شعبه وكتب عنه مرثية ، لم يحظ أي ملك من ملوك سومر بمثلها .
لقد دمر العيلاميون كل شيء في المدينة وحتى المدن الأخرى الموالية الى اور دمروها ولم يكتفوا عند اجتياحهم المدينة بقتل الرجال والنساء ، بل جمعوا الجثث في ساحة افراح المدينة امام المعبد حتى سالت وتبددت كما يتبدد دهن الخروف تحت اشعة الشمس .. وهذا المقطع من مرثية أور لشاعر سومري خير دليل يجسد هول المأساة :" :
( ازقة مدينة أور أصبحت مليئة بجثث القتلى
في الأماكن التي تقام فيها الأعياد كرست جثث القتلى
والدماء قد اريقت مثلما ينصب النحاس المنصهر
والجثث قد تبددت كما يتبدد
دهن الخروف تحت اشعة الشمس
والرجال الذين قتلوا بالفؤوس
رفعت عنهم خوذهم رمز البلاد
والجرى كانوا مثل الغزالة المصادة بالشبكة وراسها في التراب
والرجال المصابون بالنبال
وكأنهم ساعة ولادتهم ممرغين بالدماء
ومن بشاعة التخريب صار
اناس سكارى من دون خمر ...)
" ان الأعمال الوحشية غير الإنسانية جعلت النصوص المسمارية تصفهم بالمخربين حيث تقول المرثية : "
( ... السوئيون والعيلاميون المخربون
الذين لا يعيرون أهمية لأي شيء
كانوا قد جعلوا المدينة كتلاً من الأنقاض ...)
" لكن ( أور ) بقيت وبقت حضارتها وبقى معبدها شاخصا ًوشاهداً على هذه الحضارة ولم تسقط ، وهذه مرثية أبي – سين لشاعر سومري بعد أن تحررت المدينة ورحل الغزاة على ايدي الملك ( شبي ايرا ) ملك سلالة ( آيسن ) وضم المدينة الى سلالته وأعاد الطمأنينة الى سكان اور ، وملك آخر بعد هذا الملك ( شوايليشوا ) 1984 – 1975 ق.م اعاد الثقة كثيراً الى النفوس لذلك نرى الشعراء بداوا يعبرون عن مشاعرهم الحقيقية تجاه مليكهم ( آبي – سين ) ومدينتهم اور الخالدة فكتبوا ( مرثية اور ومرثية آبي – سين ) وبدا المنشدون يغنون بهاتين المرثيتين تعبيراً عن مشاعرهم تجاه مليكهم ومدينتهم .
ومرثية – ابي التي كتبها شاعر سومري في تلك الفترة تقول :"
(... كل أنظمة بلاد سومر قد الغيت
فتهدمت المدن والبيوت وحظائر الحيوانات
والأغنام والأبقار قد اخذت من حظائرها
والقنوات بدات تجلب ماء عسرا
وحقول الحبوب الجيدة لم يعد ينبت فيها سوى الحشيش
والأم لم يعد باستطاعتها العناية بطفلها
والزوج لم يعد يعرف زوجته
عرش الملوكية قد تغير
والقرارات الصائبة انتهت
والملوكية قد ابعدت عن بلاد سومر
كل ذلك قد حدث بسبب غضب الاله ( آنو ) والإله ( انليل )
ولهذا اوقفت الالهة ( نتو ) خلق الإنسان
حتى دجلة والفرات قد تغير مجراهما
وليس بامكان الناس ان يسكنوا بيوتهم
وعلى ضفاف النهر لم يعد ينبت سوى الأعشاب الضارة
آبي – سين قد أخذ الى عيلام
وأصبح كالطائر الذي هدم عشه
وكالغريب الذي لايستطيع العودة الى وطنه
والناس لم تعد تستطيع السفر عن طريق الأنهار
والمدن جميعاً قد تحولت الى أنقاض
وشعب ذوي الرؤوس السود قد قتل داخل المنازل
والأبقار لم تعد تعطي الحليب والزبد
والإله ( شكان ) إله الحيوانات بدأ لا يجد الراحة
وهو القصب بدأ ينبت قصباً برؤوس مؤذية
واشجار الفواكه والحدائق لم تعد تعط براعم ...)
.... ما أشبه اليوم بالبارحة ...
فبلاد الرافدين اليوم تتعرض الى أبشع حقد ( عربي - أسلامي ) أجرامي .. تعيث فيها عصابات ( السلفبعثيين ) الأرهابية فسادا و تبث في قلوب الناس رعبا .. تنشر الموت في كل مكان .. و تقتل المدنيين العزل بسلاح الجبناء ( السيارات المفخخة المفجرة عن بعد ) ... أو ( الأجساد الناسفة التي هربت من مواجهة تحديات الحياة و الحضارة الى أحلام و أوهام حور العين و الغلمان المخلدين عسى أن يجدوا هناك نكاحا و خمرا و عسلا .. و عسى ألا يجدوا أمما متفوقة و متحضرة تشعرهم بالعجز و الدونية ) ...
لكن : ستبقى أرض الرافدين مهما فعل الأغراب .. و سيقبرون هؤلاء الأوباش في أرضها حتما ...
* سين : اله القمر السومري .. و نجد له في الموروث الأسلامي ( ي س ) أو ( يسين ) أو ( يا سين ) ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي