الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب :بركة الأولياء بحث في المقدس الضرائحي للدكتور عبد الرحيم العطري

محمد البوزيدي

2014 / 2 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عن دار النشر والتوزيع المدارس بالدار البيضاء ، صدر مؤخرا كتاب جديد للباحث السوسيولوجي الدكتور عبد الرحيم العطري تحت عنوان:بركة الاولياء بحث في المقدس الضرائحي.
وتكمن قيمة الإصدار في الموضوع الذي لم يتطرق له المتن السوسيولوجي المغربي من قبل بشكل مفصل،لذلك أبرز الكاتب أن البحث في هذه الظاهرة يندرج ضمن مطمح فكري منفتح، يمتح من نمط تفكير علائقي هدفه الرئيس إنجاز قراءة ممكنة للزمن الضرائحي، كتاريخ و جغرافيا و ثقافة متجذرة، ليس بهدف إعادة إنتاج إجابات جاهزة و نمطية، و إنما من أجل توسيع دوائر النقاش حول المقدس، و الحفر العميق في امتداداته و ممارساته، بعيدا عن أي نظرة تحقيرية أو احتفائية للتدين الشعبي.
لذلك كان طبيعيا أن يعتمد الكاتب على منهجية احترافية متنوعة تجمع بين تقنيات متعددة أهمها:المقابلة و الملاحظة و سيرة الحياة.
ولمقاربة الموضوع حلق الكاتب بالمتلقي بداية في التأطير النظري من خلال تحديد المفاهيم المرتبطة بالأولياء كالمقدس والرمز والطقس وذلك انطلاقامن مدارس عربية وغربية .
ومن خلال مختلف فصول الكتاب استطاع د العطري أن يحلل ويفكك أسئلة ظلت تنطرح دوما في المجتمع المغربي ومن أهمها :من ينتج ظاهرة الصلاح؟ هل تنتج من داخل المدينة أو من خارجها؟ و ما ضرورتها؟ و ما آليات اشتغالها؟ وكيف يولد الولي ؟ كيف تنتج بركة الولاية؟ و كيف تتوطد في سياق اجتماعي و ثقافي معين؟ بأي سند تحافظ على استمراريتها و "وجاهتها" الدينية، ؟ وهل يمكن القول بأن الزاوية هي استثمار سياسي لبركة الأولياء؟ و كيف يتأتى لها هذا الاستثمار؟
وسعيا لربط النظري بالواقعي قام د العطري ببحث ميداني رصد من خلاله جغرافية المقدس الولوي بمدينة سلا من انطلاقا من أن هذه المدينة عرفت تاريخيا بتجذر الصلاح وبكونها قبلة لهم منذ زمن بعيد ، إلى الدرجة التي جعلت توصيفها يلوح في كثير من المصادر باعتبارها "قبلة الصالحين و خلوة الأولياء.
لذلك ّأحصى د العطري في الرقعة الجغرافية التي لا تتجاوز مساحتها نحو 50 هكتارا نحو 49 وليا و 10 وليات و 15 زاوية تضم بدورها عشرات القبور و المزارات، و كذا الأحواش الخاصة بعلماء و صلحاء آخرين، وأولياء من مجهولي النسب و السيرة.ضمنهم في ملحق من خمسة جداول عبارة عن جرد لحوالي 120 فضاء مكاني موزعة على أضرحة أولياء ووليات مدينة سلا وأحوازها اضافة الى مختلف الزوايا والحرفيون المشتغلون بها.
ولأن جوانب مهمة من تاريخ الصلاح بمدينة سلا ما زال مغمورا وسعيا منه للبحث عن المثغور في المنشور ،وتصديا للفراغ الشديد في ترجمة و توثيق حيوات الصلحاء الذين يندرجون ضمن خانة "مجهولي النسب و السيرة"، فقد حرص الباحث على التعريف بهم اعتمادا على مختلف المصادر التاريخية، و على الرواية الشفوية التي تلعب دورا كبيرا في البحث الميداني .
وفي فصل آخر توقف الباحث عند مختلف وظائف الضريح التي لا تختلف عن باقي وظائف المزارات التي تتوزع على الكراكير و المغارات و غيرها من الأماكن المعتقد في بركتها، فإضافة إلى أنه يعد المكان الفضيل للاستخارة و طلب المشورة و تأمين قضاء الحوائج وربط العهود و المواثيق، فضلا عن كونه مؤسسة علاجية يتردد عليها الأفراد من أجل تجاوز المتاعب الصحية، فقد أدى وظائف أخرى ارتبطت بالسياحة الدينية و الخدمات النفسية. كما تطرق لطقوس الزيارة وكيف يتم توظيفها سياسيا من طرف الأعيان انطلاقا من التعالق بين الروحي و السياسي بالنظر إلى الحاجة الزاوياتية إلى سند إيديولوجي بركاوي متمثل في الخيرات الرمزية/المادية للجد/الولي، الذي يمنح الحضور و الاعتراف، و يقوي من حضورها في المشهد العام اتساعا أو محدودية تبعا لما راكمه المؤسس من حضور و سلطات.
كما تطرق الباحث عند سوسيوللوجيا الموسم الذي ارتبط تاريخيا بولي صالح أو جد قبلي، و الذي يقام في حرم مجال ضريحه، باعتبار الضريح مجالا محايدا و مقدسا، ولا يمكن انتهاكه، كما تعمه البركة التي تعم بدورها على كل العهود و المواثيق و الأحلاف التي تعقد خلاله، و كذا على كل الفعاليات و العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية التي تتم فيه.
كما أبرز أن الموسم يضمن استمرارية المقدس الأوليائي، و يجدد اللقاء به، ويمنحه للمعتقدين في بركة الأولياء، من فرص لطلب الحماية و الإبراء و الترفيه أيضا، فالموسم لا يقدم خيارات و ممكنات اللجوء الاجتماعي و الديني، و لكنه يعد من صيغ السياحة الدينية.
ليخلص الى ان الموسم بمختلف أشكاله و ممارساته يعمل على إعادة تشكيل و بناء "المفكك اجتماعيا"، إنه يعيد تلحيم القرابات و المصاهرات، و يعزز القبلية من جديد، فبالرغم من تدخل الدولة في تدبيره زمنيا و ماديا، فإن القبيلة تظل هي المحرك و المؤسس لوجوده، و بذلك فهو يعيد إنتاج القبلية، و لو على المستوى الرمزي،ناهيك أن المواسم تحولمن شأن داخلي صرف، ينظم بدون "شعارات" أو "رهانات سياسية وطنية"، إلى ممارسة سياسية بامتياز حيث أصبح يخضع لـ"وصاية" الدولة، و ينظم تحت مسمى المهرجان، وتحت شعارات لا علاقة لها بمتنه الأصلي، تمتح أساسا من السياق التداولي العام .
وختاما فإن كتاب بركة الاولياء الذي يتوزع على 260صفحة يعد إضافة متميزة للمتن السوسيولوجي المغربي والعربي، فقد جمع بين التقعيد النظري والعلمي للمفاهيم و البحث الميداني ،كما مزج بين المصادر التاريخية الرصينة بالرواية الشفوية التي تعضدها ،ناهيك عن توظيف الثقافة الشعبية من خلال الاشعار المحلية لإثبات خلاصاته العلمية .
كيف لا يمتعنا بهذا المؤلف الجديد و الدكتور عبد الرحيم العطري استاذ لعلم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس و سبق له أن اصدر مؤلفات رصينة في البحث السوسيولوجي المغربي أهمها :صناعة النخبة بالمغرب، الحركات الاحتجاجية بالمغرب ،تحولات المغرب القروي ،الرحامنة: القبيلة بين المخزن و الزاوية، سوسيولوجيا الأعيان: آليات إنتاج الوجاهة السياسية، ومدرسة القلق الفكري: بورتريهات السوسيولوجيا المغربية,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا


.. طالبة تلاحق رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق وتطالبها بالاستقا




.. بايدن يقول إنه لن يزود إسرائيل بأسلحة لاجتياح رفح.. ما دلالة


.. الشرطة الفرنسية تحاصر مؤيدين لفلسطين في جامعة السوربون




.. الخارجية الروسية: أي جنود فرنسيين يتم إرسالهم لأوكرانيا سنعت