الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنزكري مول

كريم اعا

2014 / 2 / 10
الادب والفن


موعد له متيموه، مناصروه، رواده ومتطفلون تعرفهم من مشيتهم ونظراتهم.
الجميع يعرف أن موسم الحج يبدأ في صباح كل يوم أحد، وينتهي مع اقتراب شمسه من الانكفاء.
محطات السيارات الكبيرة تعج بالمريدين.
يأتون من كل أنحاء المدينة فرادى وجماعات.
يشدون الرحال من المدن والدواوير المجاورة.
جميع الساحات المحيطة بالمول تنبت شبانا وشيوخا بواقيات برتقالية، صفراء وزرقاء، أو بصفارات بلاستيكية تصدر صريرا مزعجا.
جلبة تغطي المكان، وتجعل الداخل إليه يحس أنه ولج عالما فريدا وعجائبيا.
سلع مهربة تجاور مواد أتعبت أصحابها قبل أن تأخذ مكانها على أفرشة مترهلة أو قطع بلاستيكية خاضت حروبا ضروسا مع الأتربة والأوحال وأشعة الشمس الحارقة.
نساء بسحنات متنوعة.
نحيفات ومكتنزات.
طويلات وقصيرات.
بعضهن يدفع عربة يدوية يختفي داخلها طفل صغير، يلهو بلعبة مطاطية رديئة.
أخريات يصارعن التيار البشري الجارف حفاظا على صغار أصروا على التنسك بالمكان.
أمهات يصرخن في وجه صبية يتشبثون بعربة بائع حلويات يتفنن بسقيها بماء محلى يتدفق من قنينة ماء معدني مستعملة.
رجال ونساء بأجسام ممتلئة يتمايلون كدببة برية.
زوار تعلو محياهم علامات البؤس والتوتر والغليان وقلة ساعات النوم.
بعضهم ينفث دخان سيجارة رخيصة في أقفية من يسيرون أمامه.
بعضهم لا يفارق يد زوجة لا تتوقف عن الكلام وعن الحركة بيد تحمل محفظة نقود رخيصة.
بعضهم يمعن في التعبير عن فحولته أمام أنثى مغلوبة على أمرها.
أب يصرخ في وجه أبنائه: "حذار من إفلات بعضكم البعض. فلا وقت أضيعه للبحث عن من يتيه منكم".
عجيب كيف يتحول العطف الأبوي جسرا سالكا لممارسة العنف بأبهى صوره.
وأنا أتجول في هذا المول المفتوح، الذي يصحو كل صباح أحد، أذهلتني كمية المواد المستعملة التي يستهلكها المغاربة.
ملابس، أحذية، لعب أطفال، أدوات منزلية، كتب، دراجات، حواسيب، أقراص مضغوطة، هواتف، قطع غيار ...الخ.
لقد استطاع الحكام أن يجعلوا مغاربة بوزكري مول يعيشون العولمة بكل قذارتها، ويلتمسون العذر لصناعة وطنية متعثرة.
لا أحد يتساءل عن جودة وسلامة ما يعرضه مغاربة العالم لرواد بوزكري مول.
طاولات تعرض رؤوس أبقار وأغنام.
مغاربة بوزكري مول يتلذذون في اقتناء الألسن والأمخاخ والقوائم.
ديكة رومية، كاملة أو مجزأة، تتناثر على قطع خشب منتفخة.
في أحد أطرافها طفل يصارع مطحنة يدوية ترمي لحما مفروما في إناء بلاستيكي، وبجانبه كهل يزيل بسكين ما علق من لحم بكومة العظام المتراكمة بين يديه.
في إحدى زوايا المول تدغدغ رائحة الدجاج، التي تملأ المكان، حواس كل مار من هنا .
دجاج يذبح ويرمى في براميل بلاسيكية، قبل أن يغطس في مياه لا تتوقف عن الغليان وعن تركيز لونها المشبع بالدم وما علق بريش الطيور من قاذورات.
امرأة تصرخ في وجه طفل ذا عينين غائرتين وتستعجله بنزع ريش دجاجتها.
كان المسكين يكابد المياه الساخنة التي بللت كسوته المتواضعة، ويرمي أحشاء الدجاج في عربة يدوية تحتفظ ببعضها وتسقط الباقي على الأرض الموحلة.
قطط سمينة تحوم حول العربة بعيون نصف مفتوحة.
ما يميز بوزكري مول عن غيره من المولات هو الشفافية في عرض ما يزخر به من معروضات. فلا مكان لسراديب تخفي البضائع الفاسدة، ولا مكان لشركات نظافة خاصة لتلميع المكان.
إذا كانت المدن تفتخر بمعارضها ومولاتها، فإن مغاربة بوزكري يتباهون بمولهم صاحب الشهرة الواسعة والحجيج الأوفياء.
قد تمطر السماء، أو تعصف الرياح، أو تطلق الشمس ترسانتها، لكن المريدين والمتطفلين دائما في الموعد.
قد تشتري مؤونتك الأسبوعية من وسط بركة موحلة.
قد تشتري مواد منظفة بمقربة حاوية نفايات.
قد تضطر لشراء قطعة خبز من فوق عربة عكراشية.
المهم أن الجميع يغادرون وهم يجرون عربات يدوية، أو يحملون أكياسا بلاستيكية مليئة بما غنموه.
بعضهم يتخلص من مقتنياته في صندوق سيارة خاصة أو سيارة أجرة.
وبعضهم يجتهد ليحقق توازنا يسمح له بإيصال حمولته بأمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??