الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع والنظام

محمد ليلو كريم

2014 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


في كل شؤون حياتنا , وأعمالنا , وأفعالنا , وتوجهاتنا , يُفضل أن يكون هناك قصد ومبتغى , أي أننا إذا باشرنا بفعل ما , توجب أن يُطلق عن قصد , ونطمح من ورائه إلى مبتغى , وإلا لماذا نضع الإستراتيجيات والخطط والمشاريع والاستباقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية , ولماذا امتزنا بالعقل الذي نستطيع به التصور والتفكر والتفكير بما هو آت , بالقرن القادم , بالقرنين القادمين , بالألفية القادمة , وما بعدها, فالإنسان , ولأنه إنسان , يستطيع البدء بعمل من قصد , ويسعى إلى هدف يحث الخطى اليه عبر وسائل وسُبل وخطط ومنهجيات وبرمجيات التزم بآلياتها وخارطتها التي وضعها هو.
الإنسان ؛ ذلك الكائن العاقل , القادر على تعقل الأشياء , الماديات والمعنويات , فهذا المخلوق قد تجاوز مراحل الإحساس والتخيل والتوهم ليطأ قوة التعقل ويمتلك إرادة سن منطقه من منابع ذاته الخلاقة , انها قوة اكتسبها العقل لكي لا يبقى رهين النزعة الغريزية المنقادة , والحياة البرية البدائية , والسعي للطعام والجنس والافتراس حصرا, ان قوة التعقل وفرت له أن يُضيف أشياء - مكتشفات - إلى مفردات حياته فانتقل إلى أطوار متقدمة ارتقى بها عن سائر الكائنات الأخرى , فتنوعت ألفاظ وأصوات ومقاطع اللغة عنده , وتعددت لغاته , واستعمل الجلد للتدفئة , وكذلك الطاقة النفطية , والنووية , واستخدم الخشب للاحراق وصناعة القلم , وتنوعت مصادر الطاقة والصناعة ونحن ننتظر بركة عصر الاندماج النووي والنانو تكنولوجي أن تحل علينا لننعم بوفرة تسد احتياجاتنا بما يقترب من الاقتناء المجاني , والإنسان تطور فصار يطير في الأجواء , وفي الفضاء , وضلت البلابل والعصافير رهينة نفس الأجنحة المغطاة بالريش , ولم يزد عليها شيء , بينما نرى الإنسان يُخطط للانتقال والسكن على كواكب أخرى , بعد أن حول هذا الكوكب لقرية صغيرة .. هذا ما جناه من قوة التعقل, فهي قوة عقلية , تعقل ذو امكانية للتطور.
لولا القصد والمبتغى لضل الإنسان كلعبة تافهة يتقاذفها المكان , ويلهو بها الزمان , وهو لا يشعر بحاله ومآله , لا يحس بوضعه , ولا يتصور مستقبله , ولا يشارك موضوعه بصنع مصيره , فيخلد رازحا تحت نير الظروف والتغيرات الطبيعية , ولعاش دون أن يعي مستويات إضافية من العيش , ولكن قوة التعقل صيرته إلى أنماط معيشية – اكتشفها هو - لا توفرها الطبيعة كتنظيم يكافئ التنظيم العقلي , فالطبيعة لا تنتج دولة تجري فيها الانتخابات عبر التصويت الالكتروني , ولم نتعرف على هكذا تطور ذكي عند الطيور والزواحف والثديات والحشرات والمجهريات , وليس بين نظرياتنا العلمية شيء يتعلق بمجتمعات من الأشباح والجن .
لأننا بشر ؛ فاننا نذهب إلى توضيح وتفسير سلوكياتنا وأقوالنا , وخاصة إذا كانت تتعلق بأنماط رفيعة من الذكاء , من الجائز أن نتجاهل نمطا حياتيا لإنسان عاش حياته في غابة بجزيرة بوسط البحر ولم يتعرف قط على أي تقدم وتطور ومكتشفات , وظل ابن يقضان خاضعا لتربية نوع من الحيوانات جاعلة منه فردا منها , نحن لسنا معنيين في سطورنا هذه بهكذا إنسان.
ان المجتمع الذي يعجز عن تجاوز حلقة من التطور إلى أخرى تفوقها يُعبر عن إعاقة مؤكدة في الذكاء لديه , على عكس غيره ممن تمكن - عبر الإبداع - أن ينتقل إلى حلقة أكثر تطورا, وأنا أقارن بين مجتمعين يستعملان المكتشفات , والعناصر التي تم تطويرها , ولكن أحد المجتمعين اكتفى بالاستعمال , وعجز عن الاكتشاف , والإبداع , ومن المحتمل أن العاجز عن الاكتشاف والإبداع سيتلكأ في استعمال إبداعات ومكتشفات غيره , وسيسيء استخدامها .
كتبنا في الديمقراطية , وقصدنا أن نشير إلى ضرورة تحولها من نظام صراع إلى نظام منافسة , ولدينا رؤية تقول أن نفس - قوة التعقل - لها تدرجات , وغيرنا استطاع أن ينتقل لدرجات عجزنا عن بلوغها .. فلماذا عجزنا ؟؟ . هل وصلنا للحد الأدنى من قوة التعقل , وتوقفنا عن الارتقاء ؟. هل هناك تقسيم يصنف هذا التفاوت بين المجتمعات ؟؟. سأتساءل بكل صراحة : هل - استعملنا - الديمقراطية عن قصد , ولأجل مبتغى .. قاصدين استبدال النظام اللاديمقراطي , ونبغي مواكبة التطور السياسي الماثل في أنظمة عالمية حكمت مجتمعات ؟؟.
إلى هذه اللحظة والديمقراطية تُعبر في واقعنا عن صراع , لا منافسة , لقد عجزنا كل هذه السنين عن تعقل الديمقراطية , ولم نصل بنظامنا السياسي إلى حلقة جديدة , في حين أن هناك مجتمعات بشرية تجاوزت الحلقات الشمولية , وانتقلت للحلقة الديمقراطية , وهي تستعد لمغادرة شكل النظام الديمقراطي الحالي , إذ ستدخل لعصر جديد - حلقة جديدة - من الديمقراطية , بينما ما زلنا نحن نراوح في نزعات - بدائية – صراعية - والصراع جهد يبذله الكائن للانتصار على الآخر وهزيمته بقوة مهلكة , بينما المنافسة تعني سباقا للفوز على الخصم وترك المركز الثاني له , وهذا ما تفعله الديمقراطية كنظام , فهي توصل الفائز إلى المركز الأول - مركز الحكومة - وتضع الخاسر في المركز الثاني - موفرة له فرصة المعارضة - في حين أن الصراع لا يوفر إلا مركزا أول , وليس هناك من مركز ثان , الأول فقط , وأن من يخسر سيواجه الموت , الاختفاء , الطرد , ولا توجد أي فرصة لأي اعتراض ومعارضة , فليس هناك من مساحة متبقية , ولهذا سُميت الأنظمة اللاديمقراطية بالشمولية , فنظامها يشمل كل جانب من الدولة , فتغدو السلطة - شمولية - كأنها احتلال توسع منطلقا من المركز واحتل الأرض والشعب , مع أن هذا المحتل ليس أجنبيا, لكنه يعمل كمحتل , فتوسع بقوة , وتسلط عبر القهر , وهو غريب عن المجتمع سياسيا, وهنا الغربة تعني - الانفصال - عن الشعب , وليس أصدق مثالا من القصور المطوقة عسكريا, والمقرات المحوطة أمنيا, والدهاليز السرية , والقرارات المفروضة ضد مصلحة المواطنين , وهنا لا يتحقق الاعتراض والعمل المعارض إلا بثورة أو انقلاب أو اغتيال , وتغدو المعارضة تنظيما سريا مدججا بالسلاح والخطط الهجومية والفكر التصارعي .. وعلى حين غرة يسقط النظام , وحين سقوطه تسقط كل المساحة الخاضعة للسلطة الشمولية , ولا يقتصر السقوط على مؤسسات بعينها , أو على فترة رئاسية وملاكها السياسي , ويأتي البديل , منتصرا, مطلبه الأول أن يقضي على - كل - تواجد للنظام المنهار , وهذا يعني إبادة - شمولية - للخصم المتواجد شموليا في البلاد , والإبادة الشمولية لا تعني إلا بدء احتلال محلي آخر .. إن النظام الديمقراطي ينبع من ثقافة سياسية – اجتماعية .. ونتساءل بجرأة : من الأكثر حضورا, الصراع أم المنافسة , النظام الديمقراطي أم الصراع الطائفي ؟؟.
تأتي السلطة الطائفية إلى المركز , العاصمة , وتستولي على السلطة , وتشرع باحتلال البلاد وتغيير الملامح الثقافية – القانونية – الاجتماعية – الاقتصادية – الفنية – وكأننا أمام امبريالية , محلية , وكأننا نتطور رجوعا, لا تقدما, وكأننا مستعدون لتحمل كل خسارة وتقهقر من أجل التطور الانسحابي , ولا نسعى للربح عبر التطور إلى حلقة متقدمة , وأن ادعينا أننا لا نتمسك بالماضي , فإن من الواضح أن الماضي يتمسك بنا , وبإرادتنا.
كيف لنا أن نغادر فكرة الدولة الطائفية, ونحن حين نغادرها سنغادر أهم ركن في نزعة الصراع, وستسهل علينا فكرة النظام الديمقراطي, التنافسي, وكيف ندخل لعهد الديمقراطية التنافسية ؟؟ . ان الديمقراطية التنافسية تحتكم إلى صوت الناخب, وإن اعترض البعض على ما سقناه من مقارنات متذرعا بأن حتى النظام الديمقراطي الأمريكي يستبطن دوافع دينية, فلسوف نؤشر على الطابع السياسي المعتبر للحزبين -الجمهوري – الديمقراطي - وعدم حملهما لعناوين دينية , ولم نشهد تنكيلا طائفيا - مثلا تنكيل يطال مواطنين من قبل حكومة بروتستانتية -, وإن أدخلنا اللوبي وأيباك في المشهد الامريكي فالملاحظ أن المنظمتين تعملان لصالح إسرائيل المتواجدة في الشرق الأوسط ولكن وفق حدود وقواعد ناضجة , فالإسرائيلي غرب المحيط الأطلسي أمريكي بعمق , أمريكي يحافظ على مكانته الاقتصادية في وطنه , وتمسك بعقيدة الوصايا العشر التي يجلها أغلب المواطنين الأمريكيين من الديانة المسيحية , ورغم كل مايقال عن هيمنة عظيمة لليهود على أمريكا , إلا أننا لم نشهد رئيسا يهوديا يعمل وفق مشروع طائفي , ولم نسمع عن هجمة عنيفة من قبل دولة قومية على مواطنين, أو اصطفاف طائفي حاد الملامح يفتك بالشعب . . فهل نغض الطرف عن هكذا نضوج سياسي – اجتماعي ؟؟ .
إذا كنا اعترفنا بعملية سياسية طائفية , وقبلها بنظام حكم طائفي , فمنطق التجربة يحتم علينا عدم الاعتراف - باحتمالية - قيام دولة طائفية في بلادنا , فالاعتراف تماهٍ مع انسيابية العملية السياسية نحو نتيجتها الحتمية , النتيجة التي ستتحقق جراء غياب إرادة التطور والتقدم والارتقاء , فاندحر الشعب عبر تخريب عملية تطوره , أما السياسيون ؛ فهم استوفوا شروط اكتمال عناصر الحيوان السياسي , الأرسطي , وتحت سيطرة وتوجيه شهوة التسيد والنهش اندثرت غالبية معالم الإرادة الفكرية – الثقافية – الفنية – الاجتماعية – الأكاديمية – العلمية – السياسية , ولهذا يُقال إن المشهد العراقي مشوه .
إن القصد من السعي لتبديل النظام الحاكم كان يُعبر عن نزعة ثأرية , والمبتغى السياسي المستقبلي يفصح عن استمرار الصراع , فمن نظام الطائفية تحولنا إلى نظام الطوائف عبر سلسلة حلقات صراعية آخرها هي حلقة الديمقراطية الغالبة , وليس ديمقراطية الغالبية , أي أن التحول جرى من الأقلية الطائفية إلى الأكثرية الطائفية , فانتكس معنى الأكثرية الذي هو من صلب المبادئ الديمقراطية , واليوم صرنا أمام وقائع صراع طائفي في العراق وسوريا ومصر واليمن والبحرين .... , وبالإضافة للإرادة السياسية لاستمرار الصراع , فإن جموعا غفيرة من مجتمعات هذه الدول تنساق مع السياسات الهوجاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حجاج بيت الله الحرام يواصلون رمي الجمرات وسط تحذيرات من ارتف


.. حملة انتخابية خاطفة في فرنسا.. وأقصى اليمين في موقع قوة




.. استمرار جهود وحملات الإعمار في الموصل بعد 7 سنوات من القضاء


.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد مع لبنان




.. أطفال غزة يحتفلون بثاني أيام العيد مستذكرين شهداءهم