الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرجعية البُنى الفوقية

حسن الصفدي

2014 / 2 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كما في كل شؤون الحياة يتلبس المرء الصفات التي تسم حرفته ومهنته، كذلك الأمر في شؤون الثقافة والسياسة. غير أن المسألة هنا تكتسي طابعاً مختلفاً. ففي المهن والحرف تتراكم المعارف والخبرات مع مرور الزمن حتى يغدو المرء ماهراً في مجاله ويُشهّد له. والمهرة البارعون في المهن التقليدية والحرة يغدون مستشارين لزملائهم ونظرائهم. أما في الحالة الثقافية والسياسية، فعلى الرغم من أن الخبرة فيها كغيرها تراكمية، إلا أنها لا تسم أصحابها بالبراعة بالضرورة، إذ هنا يختلف الأمر، فلابد من لمحة أو حركة أو قولة أو فعل تفصح عن جوهر المرء، أو فلتكن "اتخاذ موقف".
وهذا ما يدعو، عبر توارد الخواطر، إلى تمني أن يعفّ الجنرال السيسي عن كرسي رئاسة مصر العظيمة، ليرسخ اسمه في الذاكرة الجمعية على أنه منجد ثورة الشعب المصري والمدافع النبيل عن أهدافها. أما إذا استكان إلى دغدغة المُعجبين والمحفّزين وغدا رئيساً للدولة فهذا لا يحبط وإنما يدفع إلى مراجعة ما قيل عن دور الفرد في المجتمع. ويقرأ المرء، فيما بعد، اسما في سجل رؤساء مروا....
كثيراً ما دار سؤال: هل الهند هي التي صنعت غاندي أم غاندي هو الذي صنع الهند؟! وبعيداً عن الحديث في العلاقة الجدلية، يكفي استعراض أمثلة من التاريخ.
هل نبقت فكرة النازية في ذهن هتلر وحده منفرداً، ومن ثم فرضها بالقوة على الشعب الألماني، وهل كانت الحشود في ساحة مغديبورغ في برلين لتستمع إلى خطاب هتلر وتهلل له، غير آبهة بالنزعة التي يدعو إليها، ولا تحوم في لاوعي معظم المحتشدين؟! لقد نجح التنظيم الإيماني بهتلر ونزعته في انتخابات ديمقراطية، وكان ما كان مما هو معلوم.
إنما في النهاية ليس من الواقعي ولا البراغماتي لوم جماعات على أحلامها وثقتها بزعمائها، فلتُحّلّ المسألة بالطريقة الهينة بتلبيس التهمة لواحد أو حزب أو فلسفة أو إيديولوجيا (وكُفي المتلاومون شرّ الجدال). غير أن الشعب الألماني دفع الكثير.. الكثير من دماء أبنائه ونتاج منجزاته ودمار مدنه وأريافه، غير أنه سبر ماهية غواية الإيديولوجيا، ووعى أنها مُضَلّلة (على حد قول ماركس) فاكتفى بالديمقراطية منهجاً، وبالإنسانية أفقاً.
وعندما تداعى الشعب الروسي خلف ستالين للدفاع عن موسكو والروسيا، هل فعل ذلك لولعه بالبلشفية، ومعاداته النازية؟ أم لأن ستالين ناداه مناشداً: فلندافع جميعاً عن أمنا الروسيا المقدسة.
أمثلة تبيّن أن الفرد الموقف، وإن شئت الفرد الزعيم، ما هو إلا تكثيف ما يخامر جموعاً من ناسه، إذا لم نقل معظمهم، ما أسرع أن تغدو حشوداً قابلة للتنظيم الصارم. وبالاستناد إلى هذا يتعذر تصوّر أن يتسنّم منصب الرئاسة أو القيادة أو الزعامة امرؤ لا تتجسد في دواخل أفكاره النزعات العميقة في البنية الفكرية لتشكيلته الاجتماعية، مهما كان حولها من خلافات واختلافات يُخال أنها جوهرية.
وعليه، إذا نظر أحدنا في المرآة ولم يعجبه ما يراه، فلا يلومنّ المرآة، والأمر نفسه في النظر إلى البُنى الفوقية، أرضانا ذلك أم لم يُرضِنا.......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال