الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصلات من جلود الديناصورات

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2014 / 2 / 12
كتابات ساخرة


يقول علماء النفس إن الأنسان يعشق ذكرياته في كل الأحوال ومهما كانت , مؤلمة , عادية , سعيدة , تستهويه العودة أليها , يسبرها ويدققها ويعيشها وهو مطمئن يسوقه يقينه بأنها لن تعود بعد أن صارت من الماضي .
قبل يومين ساقني فضولي لأطّلع على موقع (جامعة بغداد) أردت أن أستعرض الزملاء من دفعتي , البعض أعرفهم والبعض أستذكرتهم بالدلالة , أجمل مافي تلك القوائم أنها خليط نقي متآلف , من الشمال والجنوب و كل المناطق , أجتماعهم بهكذا تشكيلة هو الآن من الأمور المستحيلة فنحن في زمن اللا ثقة مع الأنقسام والمناطقية تفضي جميعها الى التداعي , كانوا شباباً تملأهم الأماني يطلقونها بحماسة , كأني أراهم الآن أمامي ولكل أسم قصص و حكايا بيضاء مثل المرايا , داعبني الحنين لزمن أنتهى لا نتذكر منه الا جماله ليطابق شعوري تلك النتيجة التي قالها علماء النفس في بحوثهم عن الذاكرة الأنسانية بصيغة الماضي . رغم سقوط تلك النظرية عملياً نبقى نتمسك بها فنحن خارج معادلات الزمن بعد أختراعنا لسهمه المتراجع أو الواقف .
أستوقفني في أحد القوائم أسم رأيته في الأخبار وعلى اليوتيوب وكل الفضائيات , هالني الأسم دون البقية من المبدعين والعاديين و الشخصيات التي أصبحت عامة , فلم أتصوّر أن يكون (شاكر وهيّب) من بين تلك القوائم , هل هو نفسه المتطرف الذي يذبح ضحاياه دون رحمة تحت شعارات وحشية فضفاضة , حاولت بشتى السبل أن أستوعب الأسم , أيعقل أن يكون بيننا شخص مثله لأربع سنوات كاملة , عدت بالذاكرة فلم أحصل على نتيجة , فبدأت بتحليل الحالة , ربما كان فقيراً منزوياً عن زملائه , أو أنه تلقى صفعة من زميلة بعد أن صارحها بأعجابه جعلته يمقت الدنيا ومافيها , أو أنه ضحية للعابثين بالعقول غسلوا دماغه ليجعلوه روبوت ينفذ أوامرهم دون شعور أو واعز أخلاقي , الأحتمالات كثيرة خصوصاً في مجتمعنا المفتَرس بمخالب الوحوش والسعالي , نقلني المشهد الى ذاكرة أخرى أستعين بها لتفكيك الألتباس وكشف بواطن الحالة , كنت قد عملت في مدرسة لفترة قليلة , الزمان في بداية التسعينات والمكان في حافّات المياه في بلدة كالحة بعيدة , أعترضت لدى صاحب الأمر بأن أعمل في المدرسة الغربية أو الشرقية , أجابني بأن الأمر رحلة مجانية ستزيدك معرفة و رصانة ... وكان صادقاً في ذلك .
فقد لامست القهر في المدرسة البدوية حتى أنني رأيته يمشي على الأرض في تصرفات الطلاب , تحسسته في أرواح الفقراء وأستطلعته في عيونهم الملئى بالبكاء بسبب الظلم الجائر وسأوجز المشهد بألتقاطتين لا أكثر لوصف المجتمع البائس المتهالك , سألت صفاً كاملاً من طلّاب الرابع الأعدادي وبالتتابع , وقبلها كنت أشجعهم على الصراحة وقول الحقائق , ماكان فطوركم صباح اليوم:
أجابني أثنان بفخر أنهم أفطروا فعلاً , الأول بالخبز مع البيض ,والثاني بالخبز مع الزبدة , خمسة وعشرون منهم أجابوا أنهم أفطروا بالخبز مع الشاي , وعشرة أجابوا أنهم لم يفطروا أطلاقاً !
الألتقاطة الثانية أبطالها شقيقان , كانا يغيبان عن المدرسة بالتبادل , مثل نظام الزوجي والفردي الذي تطبقه السلطات أحياناً , حاولت أن أعرف السر , أطبقت على أحدهم ليخبرني سبب الغياب المستمر , فطلب أن ننفرد بعيداً عن الطلاب وأجاب :
أستاذ أنا أحب المدرسة وكذلك شقيقي , لكننا الأثنان لانملك سوى حذاء واحد , من يستيقظ أولاً يرتديه ويأتي الى المدرسة فأنتم تمعنون دخول الطالب الحافي !
أكتفيت من الفضول القسري بسبب المسؤولية المتواضعة التي لا تغيّر شيئاً من هذا الكم من التخريب الممنهج البائس , حتى أني تركت ميدان التعليم لأبتعد عن الناس في مؤسسة منزوية بعد أن عجزت عن الفعل محاولاً نسيان الواقع
ولم أتفاجيء حين وجدت زميلاً عتيقاً من نفس المدرسة البدوية يخبرني أن أحد الشقيقين صار مسؤولاً كبيراً في السلطة تتتناوله الفضائيات بالسوء طول الوقت وتتهمه (هيومن رايتس ووتش) بممارسة الظلم الفاحش
دعونا نعود للحاضر , ندقق بما لدينا من أدوات ربما تسعفنا أحداها , أجد في واحدة بوادر أصلاح , رغم تأخرها لكنني أحسبها مؤثرة ملئى بالعلاج الجاهز , لا تسرحوا بعيداً أحبتي ولاتنسوا أننا بدائيين أمام دول الخليج وكل أصقاع الخارج
لدينا فعل بفائدة عملية مجدية , رغم تواضعها تؤثر في الجيل الواعد , أقصد المنحة التي خصصتها وزارة التعليم لطلّاب الجامعات والمدارس , حين وردتنا في البريد قبل سنتين قمت بتصوير القرار لأبشّر به الناس , وهاهو الآن ينفذ , سيجعل الجيل الجديد يشعر بالأنتماء ويقلل البون الشاسع بين الطبقات التي لا تختلف في مستواها الا في القدر البسيط التافه , نتمنى أن تشمل المنحة جميع الطلاب دون تفرقة , فالكل بحاجة , ومن كان مكتفياً من المال ستدعمه في رصيده المعنوي , تجعل الطلاب يشعرون بالمساواة ليحبطوا أي بوادر في النقمة أو الأجرام ثأراً من المجتمع الذي نتمناه منصفاً غير جائر , أصحاب الأقلام الحمراء هم المسؤولون أولاً وكل الناس من بعدهم يتحملون الوزر في جعل المستقبل وديعاً هادئاً , أشملوهم لتحموهم فالظلم ولود ينجب السعالي والطناطل , نسألكم الأنصاف أبداً , أجعلوه شعاركم سادتي الأكارم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس