الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتب والسلطان

فريدة النقاش

2014 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


اختار المفكر السفير «خالد زيادة» عنوانا راصنا لكتابه «الكاتب والسلطان» «من الفقيه إلى المثقف» إذ يثور الآن وفى كل بلدان الثورات العربية سؤال كبير عن الفقيه والمثقف ، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار الحقيقة الماثلة أمامنا وهى الدور الأساسى الذى يلعبه اليمين الدينى فى هذه الثورات وسعيه للاستيلاء عليها، وإخضاعها – ولو قسرا – لمشروع دولة الخلافة الإسلامية الوهمي، وهو المشروع الذى لفظته الجماهير فى كل مكان، واستعصت هذه الجماهير على الإخضاع، والمدهش أن مثل هذا الاستعصاء لم يؤد إلى توقف ظاهرة تحولات المثقفين من خندق لخندق، فبعض الذين أيدوا اليمين الدينى إبان سطوته فى مصر على سبيل المثال عادوا وهاجموه بعد سقوطه.

وسبق لمجلة «أدب ونقد» أن نظمت ندوة مهمة عن مثل هذه التحولات استضافت فيها ماركسيا تحول إلى النضال تحت راية الدين وإسلاميا انتقل إلى الماركسية، وماركسية تحولت إلى النسوية واستمعت الندوة حينها إلى عشرات الشهادات عن القلق الفكرى والوجودى الذى دفع إلى هذه التحولات لأننا رفضنا منذ البداية اختزال أسباب التحول فى سبب واحد شائع وتبسيطى هو المصالح الاقتصادية وإن لم ننف هذا السبب أو نغيبه بل اعتبرناه أيضا سببا محوريا.

ويندهش قارئ هذا الكتاب للتلخيص البليغ الذى صاغه «زيادة» لإحدى قضايا الكتاب المهمة فكريا ووجوديا عن الكاتب الذى يكف عن أن يكون نفسه حين يخرج من العمل الديوانى أى العمل مع السلطة، وهو الوضع الذى يعاكس حالة المثقف الذى يكف عن أن يكون نفسه حين يندرج فى أجهزة الدولة ودواوينها، أى أن الارتباط غير المشروط بأى سلطة لابد أن يفرض قيودا على المثقف.

مع إشارة مهمة إلى حقيقة أنه كانت هناك عائلات بعينها – غنية بالأساس – ينحدر منها رجال الدين أى الفقهاء والأشراف والتجار.

كذلك ارتبط دور الفقيه بعصور ما قبل الحداثة، بينما ولد المثقف فى ظل تجربة التحديث فى عصر النهضة حيث أصبح وضعه بإزاء السلطة أشد تعقيدا.

وتاريخيا تكونت طبقة الكتاب «الموظفين» من أفراد غير عرب و»ابن المقفع» هو أبرز هذه النماذج وهو ما يطرح على أصحاب الخصوصية فى أوساط اليمين الدينى أسئلة مربكة تطول الافتراضات والنتائج وبخاصة حول ما يسمى بنقاء الثقافة الإسلامية، لأن مثل هذا النقاء لا وجود له فى الواقع بالنسبة لأى ثقافة.

ومن الأسئلة التى طرحها الكتاب ولم أجد إجابة كافية عليها يأتى دور الأساس الاجتماعى والاقتصادى للتحولات المشار إليها، وهو الأساس الذى كان يمكن أن يضيئ لنا بعض الجوانب الخفية، فمثلا عند الحديث عن الفقهاء والمتصوفة لفتت نظرى علاقة المتصوفة بالفقراء والطبقات الشعبية، وعلاقة الكتاب والفقهاء بالسلطة.

وكان اتصال العلماء بالحكام والخضوع لهم وإخضاع الأحكام الشرعية لأغراضهم، يثير حذر العامة ونفورها عدا ما ينطوى عليه من مخاطر العزل والإهانة والنفي».. ويضيف «زيادة» إنه حسب المرادى «فإن الانتساب إلى الحكام ينزع صفة العلم عن أصحابه».

وفى تقديرى أن الموقع الاقتصادى الاجتماعى لكل من الفقيه والمثقف والمتصوف يلعب دورا أساسيا فى تحديد الموقف والاختيارات الفكرية والخروج عن هذه القاعدة يشكل الاستثناء الذى يؤكدها تحدث المؤلف عن ما سماه قدرة المتصوفة على التنبؤ بمعنى التقاط دبيب التحولات التى تجرى فى الواقع الاقتصادى – الاجتماعي، وأضاف المؤلف أنه كانت لهم قدرة على استشراف الغيب، وليس هذا الاستشراف من وجهة نظرى عملية ميتافيزيقية أو أسطورية، إنما هو فى الأساس علاقات اجتماعية تجلت فى ارتباطهم العميق واليومى بالحياة الشعبية مكنهم من أن يعرفوا أكثر من غيرهم مدى التحولات الواقعية التى تجرى بينما كان الفقهاء والكتاب يعيشون غالبا فى عزلة عن الشعب سواء فى كنف السلطان أو فى قربه.

يدلنا الكتاب أيضا على ظاهرة تستحق المزيد من الدراسة وهى عدم تقبل مصر والشام فى العصر العثمانى للغة التركية، وعدم قدرة هذه اللغة على التفوق على العربية لغة أهل البلاد التى احتلوها، وبوسعنا أن نستنتج أن يكون هذا أحد الأسباب القوية التى أدت بـ «أتاتورك» فى بداية القرن العشرين إلى تغيير حروف اللغة التركية من العربية إلى اللاتينية خوفا من اللغة العربية التى لم يستطع الاستعمار أن يهزمها، وهو ما حدث قبل فى الجزائر فى ظل الاستعمار الفرنسى ويحدث الآن فى فلسطين فى ظل الاستعمار الإسرائيلي، وهو موضوع كبير علينا أن نبحثه جيدا، وأدعو الدكتور «خالد زيادة» للاهتمام به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكاتب صناعة السلطان
محمد البدري ( 2014 / 2 / 12 - 10:10 )
وماذا استفاد اهل المنطقة من اللغة العربية؟ فاللغة أهم ادوات الثقافة والتثاقف، وفي العربية خاصة هي الحاملة للدين بكل ما به من عورات تزيد من جرعات التخلف التي تعج بها الثقافة العربية. فالسلطة في مصر هي التي كانت عربية منذ استعمارها بالعرب فاين التناقض الذي بين المثقف والسلطان؟ نأت تركيا وايران بنفسيهما عن ثقافة العرب بالحفاظ علي لغتيهما رغم تبنيهما الاسلام اي حافظا علي هويتهما ولم ينصاعا للغزو الاجنبي لها. ورغم ذلك فلم يعصمهما هذا الخيار من تحاشي العدوانية كما في ثقافة العروبة الوافدة بالغزو ذلك لان الاسلام هو خير تعبير عن العرب. فطالما أن الاقتصاد لم يعد هو العمود الاساسي للفعل اليساري رغم اهميته، فماذا انتم فاعلين كيساريين بعد آخر دورة من دورات العدوان علي الاوطان عندما أخذ الاخوان زمام السلطة؟ سؤالي ليس في عزل سلطة للتولي سلطة اخري انما في المرض القائم باللغة علي ارض المصريين، فتاريخ العرب باسلامهم علي ارضهم وارض الاخرين هو بقاء اللغة والدين والحفاظ علي اردأ انواع السلطة حتي ينقلب عليها مملوك جديد. ويظل المثقف محافظا علي المرض ومدافعا عنه الي حين


2 - يراجع في الموضوع الأدب الكبير والصغير لابن المقفع
عبد الله اغونان ( 2014 / 2 / 12 - 11:46 )

ناذرا مانجد مثقفا مستقلا عن السلطة
ونستحضر المثقف ابن المقفع في كتبه
الأدب الكبير
الأدب الكبير
رسالة الصحابة وهو كتاب في منهج الاصلاح موجه الى الخليفة نفسه وموقفه كان سبب قتله
هنا في الحوار المتمدن ومع كتاب نلاحظ في لائحة مواضيعهم تناقضا في المواقف في الكتابة على الأقل خصوم العسكر صاروا من مؤيدي الانقلاب

اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل