الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميركا في مقاومة جاذبية ظريف

مرح البقاعي

2014 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تختصر مقولة أن هل على الولايات المتحدة السيطرة على العالم أم قيادته رؤية المفكّر الأميركي زبيغنيو بريجنسكي، راسم الشؤون السياسية والأمنية الاستراتيجية من أقصى جناح الحزب الديمقراطي الأميركي، وصاحب المؤّلفات المرجعية في السياسات الأميركية الخارجية وعلاقاتها الدولية، والتي من أكثرها شهرة وأعلاها مبيعاً كتابه: "الاختيار: السيطرة على العالم أم قيادة العالم".

شغل بريجينسكي منصب مستشار الأمن الوطني في فترة رئاسة جيمي كارتر؛ وهو صاحب نظرية "الحزام الأخضر" التي مفادها أن نشوء أنظمة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، مدعومة أميركياً، سيكون بإمكانها، وبما لديها من دعم جماهيري قاعدته الإسلام، أن تشكل بدائل حقيقية للنظم الاستبدادية القائمة، من جهة، وأن تكبح جماح حركات اليسار المناصرة للاتحاد السوفييتي، قبل انحلال عقده، من أخرى. عُرف عن بريجنسكي أنه ذلك السياسي البراغماتي الذي يستطيع بمهارة وحنكة أن يتعامل مع القادة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في آن، حيث اشترك في العام 2004 مع روبرت غيتس، وزير الدفاع الأسبق في عهديّ بوش الابن ثم أوباما، في صوغ تقرير العلاقات الخارجية الذي أدرج فيه نظريته الشهيرة "الالتزام الانتقائي مع إيران"، يحثّ من خلالها الولايات المتحدة على التأسيس لحوار متواصل مع إيران ضمن النقاط التي فيها اشتراك بوجهات النظر بين البلدين، ومن ثم البناء على تلك المشتركات.

وإثر التقدّم الدراماتيكي في المشهد الدولي في تعاطيه مع البرنامج الإيراني النووي، قبولاً واستيعاباً، والذي جاء في سلسلة من المحادثات الأممية بين طهران ودول الـ (5+1) أفضت عن اتفاق مبدئي بين الطرفين في 24 تشرين الثاني/نوفمبر من العام2013، استدعيتُ من الذاكرة السياسية لقائي الخاص مع الدكتور بريجنسكي في العام 2010، وقد حدّثني في حينه عن رؤيته للحل الأنجع للتوتير العالمي الذي يفرضه برنامج إيران النووي، الرؤية التي هي الأقرب لمجريات ما دار في أروقة جنيف في العام 2013. وكان من اللافت إثر الإعلان عن الاتفاق المبدئي الأخير في جنيف تصريح وكيل وزير الخارجية الأميركية لشؤون السياسية، السيدة وندي شيرمان، حين وصفت وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بأنه "شخص درس في الولايات المتحدة ويعرف ثقافتنا بعمق والمحادثات معه كانت جذابة"!

لم يعوّل بريجنسكي على العقوبات المفروضة على إيران كثيراً، وذلك بسبب انتهاكات للحظر الاقتصادي من هنا وهناك، بشكل يكون من الصعب السيطرة عليه. وقد ثبت، بالفعل لا بالقول، أن العقوبات الاقتصادية على طهران لم تردعها أو تحدّ من نشاطها النووي الذي يثير حفيظة وقلق العالم بأسره قبل أن يثير حفيظة جيرانها. ماعوّل عليه بريجنسكي هو "ممارسة اللعبة على المدى الطويل"، بمعنى أن "عامل الزمن، وما يترتب عليه من التغييرات في البنية الديموغرافية في إيران، والتغيير الاجتماعي والفكري والسياسي الذي تتعرض له الأجيال المتعاقبة لن يكونوا، مجتمعين، في صالح نهج التشدّد وبرنامج المتشدّدين".

وقد جاء انتخاب الرئيس حسن الروحاني، وهو الأقرب إلى الاعتدال الديني والسياسي من سلفه أحمدي نجاد، وكذا ترؤّس وزير خارجيته "الظريف" وفد بلاده إلى محادثات جنيف، بمثابة التحقّق الفعلي لرؤية بريجنسكي بحتمية التغيير في المجتمع الإيراني الذي سيرافق تطوره المطرد؛ التطور الذي حمل لطهران حصاداً سياسياً تاريخياً فاجأ العالم وأبهر الإيرانيين أنفسهم الذين استقبلوا وزير خارجيتهم حين عودته من مؤتمر جنيف استقبال الأبطال.

فهل تمكّن الإيرانيون من العودة إلى حاضنة المجتمع الدولي كلاعبين نزيهين ومعتدلين بعد أن كانوا في نظره قراصنة أشرار ومارقين؟ وهل توصّل المعتدلون الجدد في سدة الحكم إلى وصفة سياسية للمواءمة بين الحداثة والإسلام على الطريقة التركية، واضعين بلادهم من جديد على الخارطة السياسية الأممية؟ وهل للطبقة الوسطى التي تشكّل مجتمعاً مدنياً متنامياً نسبة المتعلمين فيه عالية بشكل لافت، وتلعب المرأة دوراً كبيراً في حياته المهنية، القدرة على تغيير تركيبة النسيج الاجتماعي الإيراني نحو الاعتدال؟ وهل يمكن تسهيل التطور السياسي في إيران بحيث يمهّد لدور إقليمي أكثر قبولاً وانسجاماً تمارسه مع جاراتها في المستقبل القريب، وذلك توازياً مع تقليم مخالبها التوسعية، وكذا الحدّ من طموحاتها في عسكرة مشروعها النووي الذي هو بيضة القبان في علاقاتها الدولية والإقليمية؟ وفي حال خرقت إيران اتفاق جنيف، وتخطّت عتبة التطوير السلمي للطاقة النووية باتجاه التطوير العسكري لها، فما ستكون عليه التزامات الولايات المتحدة لجهة حماية حلفائها في منطقة الشرق الأوسط من التهديد النووي الإيراني المسلّح؟ وهل ستكون مظلة الدفاع الأميركية كافية لردع أي تهوّر إيراني محتمل، بل هل ستكون الولايات المتحدة طرفاً مشاركاً يرد بهجوم مقابل في حال هاجمت إيران دولة ما؟ وهل سعي دول المنطقة لإمتلاك مشاريع نووية، على غرار ما يحدث في إيران واسرائيل، يهدّد التوازنات الاستراتيجية والأمن العالميين أم أنه حق مشروع لها يشكّل طوق نجاتها من الوقوع في مجهول لا تحمد عقباه؟!

أذكر تماماً حين سألت بريجنسكي عن موقف الولايات المتحدة من حلفائها في الشرق الأوسط، ولا سيما دول الخليج، حيال الهاجس النووي العسكري الذي زرعته إيران في المنطقة، قال: "يجب أن تلتزم الولايات المتحدة بمظلة دفاعية قوية لحماية حلفائها من التهديد الإيراني، وذلك في حال التهديد والتلويح باللجوء إليه، أو في أسوأ الحالات، في حال تورطت إيران في استخدام الأسلحة النووية وهاجمت دولاً صديقة للولايات المتحدة في المنطقة، حينها ستكون الولايات المتحدة طرفاً في هذا النزاع".
منح اتفاق جنيف إيران مدة ستة أشهر كفترة تجريبية لتثبت حسن نواياها في توجيه مشروعها النووي نحو الإنتاج السلمي ـ حصراً ـ للطاقة، وهو حق تحفظه لها القوانين الدولية. لكن، في حال وقوع أية انتكاسة على هذا الاتفاق الهش، وعودة إيران إلى عنجهيتها السابقة وإبرازها مخالبها في وجه العالم من جديد، هل ستكون إدارة أوباما، راعية هذا الاتفاق بعرّابَيه كيري وشيرمان، على أهبة الاستعداد لحماية حلفائها في المنطقة، والأمن في العالم، من التغوّل الإيراني المضمَر، ومهما كلّف الثمن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة