الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن يتوقَّف ولا يزول!

جواد البشيتي

2014 / 2 / 12
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
تَوَقُّف الزمن" هو أحد الاستنتاجات التي يمكن، ويجب، التوصُّل إليها من "النسبية العامة"؛ لكنَّ منطق "النسبية" نفسه يُلْزِمنا أنْ نَفْهَم هذا "التوقُّف" فَهْماً نسبياً؛ فكثيراً ما فُهِمَ "تَوَقُّف الزمن" بما يُخالِف ويُناقِض هذا المنطق.
إنَّ تَوَقُّف الزمن (وتَوَقُّفِه التَّام) ليس بالظاهرة التي يُدْرِكها، ويحيط بها عِلْماً، الشخص، أو المراقِب، المرتبط بالإطار المرجعي (أو الجسم) الذي فيه تَوَقَّف الزمن؛ فهذا التَوَقُّف هو ظاهرة يُدْرِكها، ويحيط بها عِلْماً، فحسب، الشخص، أو المراقِب، المرتبط بإطار مرجعي آخر، يكون فيه الزمن أقل تمدُّداً (أو أقل انحناءً، أو أقل تباطؤاً).
وينبغي لنا ألاَّ نَخْلِط بين "تَوقُّف" الزمن و"زوال" الزمن؛ فالأمر الأوَّل ممكن فيزيائياً وواقعياً؛ بينما الأمر الثاني مستحيل، وخرافة، ولو قال به كثيرون من علماء الفيزياء الكونية، القائلين بنظرية "الانفجار (الكوني) الكبير".
وللوقوف على معنى "تَوَقُّف الزمن"، دَعُونا نتأمَّل ما يَحْدُث لجسمٍ يَسْقُط (سقوطاً حُرَّاً) في اتِّجاه "ثقب أسود"، على أنْ نُنَقِّي مفهوم "الثقب الأسود" من شوائبه الميتافيزيقية، وفي مُقدَّمها "النقطة المركزية صِفْرية الحجم، لانهائية الكثافة" Singularity.
حركة الجسم في اتِّجاه "الثقب الأسود"، أو في اتِّجاه "سطحه"، المسمَّى "أُفْق الحَدَث"، هي حركة على شكل "سقوط"؛ فالجسم يسقط نحو هذا "السَّطح" من أعلى إلى أسفل، وكأنَّه يسقط، أو يتدحرج، في منحنى حُفْرة عميقة. وفي سقوطه (الحُر) يتسارع تسارُعاً لا مثيل له لجهة عِظَمِه؛ فسرعة سقوطه تزداد كل ثانية زيادةً هائلة.
وهذا التعاظُم في سرعة السقوط لا يَكْمُن سببه في "الكتلة"، أيْ في كتلة "الثقب"؛ وإنَّما في "ضآلة نصف قطره"، وهو المسافة بين مركز "الثقب" وسطحه.
إذا استطعتَ مراقبة جسم شَرَع يسقط نحو سطح "ثقب أسود"، فسوف ترى أنَّ سرعة سقوطه تتباطأ في استمرار؛ فكلَّما اقترب من هذا "السَّطح"، تباطأت سرعة سقوطه؛ وتظل تتباطأ حتى تراه يتوقَّف تماماً عن الحركة قبل أنْ يُلامِس سطح "الثقب".
إنَّني أَفْتَرِضْ أنَّكَ تراقبه من "أعلى"، ومن "إطار مرجعي" يكون فيه الزمن أقل تمدُّداً، أو يجري ويتدفَّق بسرعة أعظم؛ أمَّا المراقب المرتبط بالجسم نفسه فلا يرى ما ترى؛ إنَّه يرى الجسم يسقط في سرعة متزايدة، متعاظِمَة، في استمرار ؛ ويرى الزمن لديه يسير سَيْراً عادياً طبيعياً؛ فَقَلْبُه، مثلاً، ما زال ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعته؛ ويرى الجسم الساقِط (والذي هو جزء منه) يَبْلُغ سطح "الثقب"، ويجتازه، بالِغاً نواته، أو مركزه، في زمن ضئيل جِدَّاً (في 10 ثوانٍ، مثلاً، بحسب ساعته).
ولو سًئِل هذا الشحص عن تَوَقُّف الزمن لديه، لَسَخِر من هذا السؤال؛ فإنَّ كل شيء، وكل حادث، عنده ، وليس ساعته فحسب، يؤكِّد له، ويُبَيِّن، أنَّ الزمن لديه لم يختلف؛ لم يتباطأ، ولم يتسارَع.
أنت الذي ترى سرعة سقوطه تتباطأ، وتزداد تباطؤاً مع اقترابه من سطح "الثقب"؛ وترى حركة عقارب ساعته تتباطأ؛ وترى قَلْبه ينبض نحو 70 نبضة في كلِّ عشر سنوات (مثلاً) بحسب ساعتكَ؛ وأخيراً ، تراه وقد توقَّف عن السقوط قبل أنْ يُلامس هذا "السَّطح". إنَّكَ لن تراه أبداً يجتاز "السَّطح"، متَّجِهاً إلى عُمْق "الثقب".
قَبْل أنْ يَبْلُغ سطح "الثقب"، ترى الجسم، مع الشخص المرتبط به، في "مَشْهَدِه (أو صورته) الأخير"؛ وهذا المَشْهَد "يَتَجمَّد"، ويظل مُتَجَمِّداً "إلى الأبد".
ويظل البشر مِنْ بَعْدِكَ (على افتراض أنَّكَ مُراقِب أرضي) يرون "المَشْهَد نفسه" ملايين، وبلايين، السنين؛ فإنَّ أقَلَّ، أو أتفه، تغيير لن يطرأ على هذا "المَشْهَد".
بهذا المعنى فحسب يُفْهَم، ويجب أنْ يُفْهَم، "تَوَقُّف الزمن"؛ أمَّا "زوال" الزمن نفسه (وهذا أَمْرٌ مستحيل استحالة فناء المادة، أو خلقها من العدم) فيعني زوال "المَشْهَد (المُجَمَّد) نفسه"، وزوال "المُشاهِد"، وزوال كل شيء؛ فلا مادة بلا زمن، ولا زمن بلا مادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصعد آينشتين لا يعرف الشحنات
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 2 / 13 - 00:41 )
اذا اقتصر الأمر على أن الزمن يتباطأ بسبب السرعة الهائلة الناتجة عن جذب الثقب الأسود للجسم الهاوى فهذا الارتباط بين السرعة والزمن مفهوم ولا مشكلة فيه. المشكلة أننا اذا سألنا علماء النسبية فلن نجد هذا هو تعليلهم لذلك التباطؤ .. ،، لن نجدهم ينسبونه لتعاظم السرعة وإنما للمجال الجاذبى
وذلك لسبب بسيط وهو أن الجسم الهاوى فى مجال جاذبية كوكب عادى (مثلا) سيرتطم فى النهاية بسطحه ويسكن عن الحركة ،، ورغم سكونه عن الحركة يظل زمنه مع ذلك متباطئا !! وبالتالى يصبح المجال الجاذبى هو السبب. فإن سألت مرة أخرى : لماذا .. قيل لك لأن هذا ما يمليه مبدأ التكافؤ لآينشتين . وهذه هى آخر إجابة تحصل عليها من عالم النسبية . فالمسئلة عنده تدور برمتها فى فلك ذلك المبدأ . وبالتالى هو لا يعلم أبعد من هذا .. الجاذبية = تكافىء = مصعد يتحرك رأسيا بتسارع موجب . استطاع آينشتين من هذا المبدأ نسج نظرية هندسية للجاذبية يقوم بنيانها (فقط) على خاصية القصور الذاتى للأجسام ولا شأن لها (مطلقا) بأى شحنات ولا اشعاعات . وهذا يحتم البحث عن مدخل آخر أكثر عمومية من مصعد آينشتين المتسارع لإخراج الفيزياء من ذلك المأزق التاريخى الكبير


2 - وبالتالى
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 2 / 13 - 01:04 )
هل يعسر علينا إحداث تعديل فى ذلك المبدأ العتيق بأخذ الشحنات فى الاعتبار وليس فقط القصور الذاتى للكتل وليكون أكثر عمومية من مبدأ آينشتين للتكافؤ ؟

كل الشكر والتقدير لكاتب المقال الأستاذ البشيتى الذى شيد فى موقع الحوار المتمدن أرشيفا (علميا) عظيم القدر لا تقدر قيمته بثمن


3 - وبالتالى
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 2 / 13 - 01:05 )
هل يعسر علينا إحداث تعديل فى ذلك المبدأ العتيق بأخذ الشحنات فى الاعتبار وليس فقط القصور الذاتى للكتل وليكون أكثر عمومية من مبدأ آينشتين للتكافؤ ؟

كل الشكر والتقدير لكاتب المقال الأستاذ البشيتى الذى شيد فى موقع الحوار المتمدن أرشيفا (علميا) عظيم القدر لا تقدر قيمته بثمن

اخر الافلام

.. مصر تسجل 5 أرقام قياسية بموسوعة -جينيس- فى الكشف والتوعية با


.. مصر تسجل 5 أرقام قياسية بموسوعة -جينيس- فى الكشف والتوعية با




.. لقطات من الأقمار الاصطناعية للإعصار -بيريل-


.. شركة تكنولوجيا تابعة لغوغل تنسحب من -إسرائيل- وتغير وِجهتها




.. إخلاء المستشفيات والمجمعات الطبية في خان يونس وآلاف المواطني