الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتخابات على الطريقة العراقية

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2014 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



يبدو أن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، قد يأس فعلا من إقناع حلفائه في واشنطن وطهران بأمر التمديد له بولاية ثالثة في الحكم، فعمد إلى النزول إلى الشارع بنفسه من أجل خطف هذه الولاية من منافسيه السياسيين.
وطبعا أن ينزل رئيس وزراء عراقي إلى الساحة بنفسه، فهذا يعني إنه ينزل بإمكانيات الدولة، الأمنية والعسكرية والإقتصادية والإعلامية، بكاملها، والقتال بها حتى النصر، أو تخريب البلد على رؤوس مواطنيه ومنافسيه ومن يدعمهم من الخارج!، فللعراق قوانين وأعراف وطقوس إنتخابية خاصة به، ولا تشبه إنتخابات باقي بلاد الله إلا بشكل صندوق الإقتراع وورقة الإنتخاب!
أسباب تخلي واشنطن وطهران عن دعم حليفهم الأمين، نوري المالكي (وهو الذي خدم مصالح هاتين الدولتين إلى حد تخريب العراق كاملا وإحالته إلى مقبرة للجثث والنفايات)، لا علاقة لها لا بمخالفة ولايته الثالثة للدستور ولا خجلا من حجم المآسي التي سببتها ولايتيه، الأولى والثانية، لحياة العراقيين ومستقبل بلدهم، وإنما الأمر مرهون برأيي المتواضع، بأسباب تتعلق بمصالح هذين الحليفين، ووضعهما الجديد الذي سيتبع إتفاقهما على الملف النووي الإيراني، على الساحة العراقية التي يقتسمان كعكعتها الاقتصادية والسياسية، وهي من حصة واشنطن، والأمنية والايديولوجية، وهي من حصة طهران.
إذن، وعلى ما يبدو، وضع هذين الحليفين الجديد يتطلب بعض التغييرات التكنيكية والتكتيكية في ساحة مصالحهما العراقية... وعلى المالكي أن يدفع ثمن هذه التغييرات: خسارة كرسي رئاسة الوزارة وتراجع نفوذ حزب الدعوة، تنظيم ايران، (الحزب الذي يقوده المالكي والذي يسيطر على مفاصل الدولة في ظل ولايته) إلى الصف الثاني، وتحول عناصره التي تقود مفاصل الدولة إلى مطاردين من قبل من سيخلف المالكي في الحكم وحزبه.
وعليه، وأمام كل هذا الخطر المحدق بالسيد المالكي وحزبه، لم يبق أمامه سوى النزول إلى الشارع وإستثماره في حرب دفاع شرسة... عن إمتيازاته المهددة بالإغتصاب!
لعل الكل يتذكر تفاصيل إنتخابات عام 2005 التي جاءت بالمالكي لولاية ثانية، وكيف تدخلت ايران وواشنطن بصورة مباشرة لحسم الأمر لصالحه، بعد خسارته في صناديق الإقتراع أمام رئيس الوزراء الأسبق، اياد علاوي، الذي حصد 91 مقعدا من مقاعد البرلمان مقابل 89 مقعدا التي فاز بها نوري المالكي وحزبه.. يومها قالت ايران لن يعتلي كرسي الوزارة البعثي السابق، اياد علاوي، وسرعان ما قالت الادارة الأمريكية (آمين) وإستدعت علاوي إلى البيت الأبيض لتعطيه درسا سياسيا لم يكن يعيه، لا هو ولا الناخب العراقي: الفوز في الإنتخابات العراقية يحسمه توافق مصالح المحتلين وليس صناديق الإقتراع يا علاوي ويا عراقيين!
تبدل هذا التوافق اليوم إلى صيغة جديدة (لا يعلم تفاصيلها إلا الله) فرضها وضع دولتيّ إحتلال العراق فيما بعد توقيع إتفاق الملف النووي الإيراني، وعليه لم يعد أمام السيد المالكي من حل غير النزول إلى الشارع وإستخدام ورقة الطائفية في حرب (فلوجة جديدة) ضد تكفيريين وصداميين ومسلحين... و... و... إلى آخر قائمة مسميات السيد المالكي التي تجد لها أذنا صاغية في بعض منعطفات الشارع الشيعي العراقي... وعلى أهل الفلوجة دفع الثمن: تهجيرا وتشتيتا وقتلا وتهديما لديارهم ومصالحهم... على أمل أن يحسم ناخبو المنعطفات الطائفية النتيجة لصالحه ولصالح بقاء هيمنة أركان حزب الدعوة وقادته على مرافق الدولة.
ورب سائل يسأل: وما جدوى معمعة المالكي هذه مادام الأمر لا تحسمه صناديق الإقتراع، وهو خير من يعرف هذا، وبخبرة دورتين إنتخابيتين؟
نقول لهذا السائل أن مراكز وجهات النفوذ الايراني في العراق متعددة ومنقسمة بين عدة مواقع وليست محصورة بيد الولي الفقيه لوحده أو رئاسة الجمهورية لوحدها؛ فجزء منها بيد قائد الحرس الثوري، وجزء بيد قاسم سليماني، قائد مخابرات هذا الحرس، ومسؤول الملف العراقي أمام الولي الفقيه؛ هذا إضافة إلى جهة الحكومة، ممثلة بالرئيس الايراني، وأيضا وزارة الدفاع الايرانية، وأخيرا سلطة قم الايديولوجية.. وعليه، وكما يبدو من حركة إندفاع المالكي ضد الفلوجة، فإن أكثر من جهة قرار ايرانية قد أقنعته بجدوى هذه المغامرة في كسب الود الطائفي في الشارع العام العراقي، والشارع السياسي والديني الايراني... وأمر إقناع واشنطن اوباما ليس صعبا على إدارة روحاني وظريف، التي إستطاعت إقناعه بأمر إلغاء ضربة عسكرية ورفع الحظر الاقتصادي عنها... بل ولدخوله في نزاع مع الكونكرس وتهديده بالفيتو من أجل ردعه عن إقرار عقوبات جديدة تعكر مزاج روحاني أو تغضبه!.. وإقتنع المالكي بهذا التصور لأنه هو تصور حزب الدعوة أيضا، والذي لن يفرط بأركان الدولة التي هيمن عليها خلال السنوات الثمان الماضية، إلى الحد الذي لم يعد من حق لأحد معه أن ينازعه عليه!
وطبعا جدير هنا أن نذكر أن الماكنة الإعلامية لحزب الدعوة وإعلام الدولة الرسمي، الذي يسيطر عليه المالكي، نجح في تسويق هذا التصور، وفي كون الفلوجة هي عقبة عدم الإستقرار الأمني في العراق، وعليه إصطف خلف تسويقه هذا من إصطف في الشارع، على أساس طائفي ومصلحي، دون الإلتفات لمعاناة أهل الفلوجة الذين هجّروا من ديارهم وتحولوا إلى لاجئين، ودون التوقف أمام مسألة توقيت المالكي لحملته الأمنية هذه والتساؤل إن كان هذا التوقيت بريئا، مادام إعتصام الفلوجة وباقي المحافظات المحتجة على سياساته، قد مضى عليه عام كامل قبل بدئه لها؟ وأيضا لم تعسر على أهل الفلوجة إيجاد مكان لتفخيخ السيارات التي تحصد أرواح العراقيين يوميا، فحولوا خيام إعتصامهم لورش تفخيخ... والصحراء تمتد من خلفهم حتى الحدود السورية والأردنية، كما تقول الخارطة الجغرافية لمحافظة الأنبار؟!
وها قد مر أكثر من شهر على رفع خيام إعتصام الفلوجة وتهجير أهلها فهل توقف سيل السيارات المفخخة التي تضرب بغداد وباقي المحافظات؟ وإذا كانت القوات الأمنية التي رفعت خيام الإعتصام قد وجدت ورش التفخيخ فيها فلم لم تصورها وتعرضها على المواطنين ليقتنعوا ببراءة وحسن نوايا الحملة، التي إقتحمت المخيم... المخيم أم الفلوجة؟ أهل الفلوجة المهجرين يقولون مدينتنا هي التي أقتحمت ونحن الذين كنا مستهدفين، وإلا لما كنا خرجنا من ديارنا هاربين من قصف الطائرات والمدافع الثقيلة... أم ترانا خرجنا حبا بالتهجير ومعاناة أطفالنا ونسائنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتقادات واسعة لأداء بايدن أمام ترامب في المناظرة الرئاسية


.. الأسد يبدي انفتاحه لتحسين العلاقات مع تركيا




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي: جنودنا مصممون وملتزمون بمهمة حماية


.. صحيفة لوموند: مفتاح السلام يكمن في مرحلة ما بعد نتنياهو




.. اللواء فايز الدويري يحلل العملية العسكرية الإسرائيلية في حي