الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزلة

سماح عادل

2014 / 2 / 13
الادب والفن


وهي تغسل الأطباق تترك لذهنها العنان , دوما ما يصارعها هذا الذهن , ويفرض رغباته, يرغب دائما في غربلة الأفكار والتلاعب بها , وقد يدخلها في حالات نفسية متنوعة ومتناقضة , في فترات زمنية متقاربة .

فقرة غسل الأطباق هي أكثر الفقرات امتاعاً لذهنها, لأنها تعودت منذ الصغر على فعل ذلك , وأصبح الأمر ينجز بآلية تتيح لذهنها الحرية في الانطلاق , أما الفقرات الأخرى في الأعمال المنزلية قد تتطلب بعض الانتباه , لأنها لم تعتاد على القيام بها منذ الصغر , وإنما فرضت عليها بعد الزواج ..

أما فقرة رعاية الأطفال ومجالستهم فلا تترك لذهنها أية فرصة للتنفس, ربما يقاوم ويغربل أفكاره عندما ينشغل الأطفال بكرتون محبب لهم , وقد تسمح لنفسها بمتابعته معهم والاسترخاء, هي دوما ما تحتاج إلى الاسترخاء , كرتون "قط وفأر" يساعدها على ذلك , لأنه يذكرها بطفولتها , أما باقي أنواع الكرتون لا تريحها, لأن معظمها أمريكية مرسومة بشكل مشوه , وتمتليء بالعنف وتفاصيل المجتمع الأمريكي الغربية .

كل الأفكار التي حشت ذهنها طوال السنين تتزاحم , يتقدم بعضها ويتأخرالبعض ,حالتها المزاجية تتدخل في الأمر . لم تتورط كثيرا في علاقات اجتماعية مع الجيران , ربما لأنهم لا يشبهونها في شيء , سيدات في منطقة شعبية , لا هم لهن سوى أعمال المنزل والنميمة . رغم الدعوات المزعومة بقدسية الكادحين إلا أنها تفشل دوما في الاندماج معهن , وتتلعثم في الكلمات عندما تجالسهن , تحب دوما دور المثقفة الواعية , وعندما تخلعه تشعر بالغربة , فتفضل مجالسة ذهنها القلق , واللعب مع الأطفال بجنون .
طال الأمر , مرت السنين وهي طريحة المنزل , مل الاكتئاب من مجالستها , في لحظة إفاقة امتد خط المقاومة على استقامته , وساعدتها الصدفة في الخروج , اشتاقت لمخالطة الآخرين الذين يشبهونها , بدأ الأمر ب"الفاس بوك" فقد حرمت أيضا لفترة طويلة من الإنترنت , بعد وقت ليس بقصير رجع الإحساس القديم , الاغتراب , أو هو التصارع ما بين الانتماء والاغتراب , دوما ما تتمسك بإحساس واهي بالانتماء لهؤلاء , كوسيلة لحفظ التوزان النفسي , ثم ومع مخالطتهم يتصاعد إحساس الاغتراب , هي ليست منهم تماماً, هي لا تنتمي لأية جماعة في الواقع , معلقة في الهواء , تحسب نفسها دوماً عليهم , وتتمسك بماض معهم مليء بالاغتراب , ليست أيضا في المنتصف , إنها في منطقة "اللامكان ", " اللانتماء" . طبقياً تعد من الكادحين , لكنها لا تتآلف معهم , تتبنى أفكارا طوباوية لهم , وتهرب من ممارستها بدعوى خوفها من أن تترك طفليها يتيمين , تجمع أصدقائها في جماعة واحدة لها صفات نورانية مقدسة , وتغرق في الاحباط واليأس عندما تكتشف انتهازية أحدهم , وأنه لا يختلف كثيرا عن أي نفعي .
إنه التناقض هو الثابت الوحيد , تعيش في رحابة ذهنها , وعند التواصل الحقيقي تسكن تماماً , ولا تعرف ماذا تفعل , تتذكر دهشة بعض صديقاتها عند إعلانها أنها إنطوائية , وتؤكد إحداهن أنها اجتماعية جدا ومرحة .

فكرة التخلي عن الاهتمام بتصورات الآخرين عنها لا تتحقق , تعجز أيضا عن فرض تصورها الخاص عن ذاتها , في معظم أحواله متدني , تستسلم لآراء زوجها الاتهامية , وتتقمصها , ثم عند أسفل درجات الضعف تقاوم , تساعدها بعض مقتطفات من جمل البعض والتي تصفها بإيجابية , تصدق أنها في معظمها حقيقية , وتنسى مقتضيات المجاملات الاجتماعية .

تتأثر لأي حدث وتغرق في هوة الضعف , أصبح جسدها يستجيب ويعاني الألم , تنقذها بعض المصادفات , كأن يضيفها صديقين متزوجين , يفرحان لمحادثتها على الشات , ويحتفيان بجملها المكتوبة في إحدى قصصها , ويؤكدان أنها من نوع الناس الذي لا ينسى , أو فتاة قابلتها في الجامعة وتأثرت بها وظلت تتذكرها طوال هذه السنوات وهي تهتف في إحدى التظاهرات . ورغم أنها فرصة لتواصل إنساني ثري إلا أنها تتحجج بانشغالها بظروف أطفالها , وتتشبث بالفاس بوك كوسيلة وحيدة للتواصل , أدمنت العزلة كحماية .
10- فبراير 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عليها أن تخرج من عزلتها
فؤاده العراقيه ( 2014 / 2 / 14 - 06:28 )
جميل هذا الخوض في سيكولوجية المرأة عزيزتي سماح واسلوبك رشيق ويقترب بعمق من معاناة بعض النساء اللواتي اغتربنّ عن واقعنا المرير وبسببه, ولكن اتمنى منها ان تخرج من عزلتها ولا تضيّع حياتها مهما كان المحيط فهو لا يستحق عزلتها
مع اجمل التحايا لكِ وننتظر القادم لكِ من الكتابات

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل


.. كلمة أخيرة - شركة معروفة طلبت مني ماتجوزش.. ياسمين علي تكشف




.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب