الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الانسان في عصر التشريعات

قصي طارق

2014 / 2 / 13
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


ولقد انتقلت الدعوة إلى حماية حقوق الإنسان من ألسنة الأنبياء والفلاسفة إلى الحكام، فشهدت أوروبا خاصة نصوصاً مكتوبة مَنَّ بها الملوك السادة على شعوبهم استجابة للنقمة التي كانت تشتعل في النفوس نتيجة إهدار حقوق الإنسان في شتى الصور. يذكر من ذلك، على سبيل المثال، العهد العظيم المعروف ماجنا كارتا الذي أصدره جون ملك الإنجليز في مطلع القرن الثالث عشر ثم قانون الحقوق الإنكليزي المعروف باسم Bill of Rights الذي صدر في أواخر القرن السابع عشر، ونص على ضمانات الفرد في التقاضي.
لكن المتفق عليه أن اهتمام التشريع الوضعي بحقوق الإنسان، بدأ فعلاً بصورة منتظمة مع الثورتين الكبيرتين في أمريكا وفرنسا.
وفعلت الأفكار الثورية التي أطلقتها الإعلانات فعلها فتفجرت ثورات الشعوب وتهاوت العروش والأنظمة الاستبدادية في أوروبا وأمريكا اللاتينية. وجاءت التشريعات الداخلية وعدد من الأنظمة الدولية بنصوص تجعل من احترام حرية الإنسان وحقوقه جوهر وجود المجتمع السياسي وسبب استمراره. من ذلك مثلاً اتفاقية برلين لعام 1855 واتفاقية بروكسل عام 1890 بتحريم الاتجار بالرقيق واتفاقية باريس لعام 1904 بمكافحة الاتجار بالرقيق الأبيض واتفاقية لاهاي عام 1912 بمكافحة المخدرات، واتفاقية باريس لعام 1903 بالعناية بصحة الفرد ومكافحة الأوبئة الضارة بالصحة العامة واتفاقية لندن عام 1914 بتنظيم الإنقاذ البحري واتفاقية برن لعام 1886 بحماية حقوق المؤلف الأدبية والفنية وغير ذلك.
وعرف القانون الدولي العرفي بعض المبادئ التي يمكن الركون إليها في مجال حماية الإنسان وصيانة حقوقه منها مبدأ التدخل لأغراض إنسانية ومسؤولية الدولة. ومع أن النظام الأول قد طبق من قبل بعض الدول الأوربية ضد الدول الضعيفة خارج القارة لحماية طائفة معينة من الناس مما حمل ميثاق الأمم المتحدة على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بشتى أنواعه إلا أن التدخل لأغراض إنسانية عاد للبروز مجدداً. من ذلك تدخل الأمم المتحدة إنسانياً في الصومال ثم في البوسنة بين عدد من الحالات.
أما عهد عصبة الأمم فلم يتضمن نصوصاً خاصة بتقرير الصيغة الدولية لحماية حقوق الإنسان، باستثناء ما جاء من التزام أعضاء العصبة أن يعاملوا بصورة عادلة الشعوب التي تقطن أقاليم خاضعة لإدارتهم سواء في حماية أو انتداب. وكذلك التزام حماية حقوق الأقليات. واهتمت منظمة العمل الدولية [ر] بموضوع توفير الأجر المجزي للعامل ورعاية شؤونه وتحسين أحواله. لكن الحرب العالمية اندلعت ثانية بصورة وحشية لم يشهد لها الناس مثيلاً من قبل. لقد تسببت الحرب العالمية الثانية للناس في كل مكان بآلام «يعجز عنها الوصف». بل لقد صدق هنري كاسان عندما وصفها بأنها كانت في جوهرها ((حرباً صليبية على حقوق الإنسان)).

حقوق الإنسان في عصر التنظيم الدولي الراهن
ورد ذكر حقوق الإنسان في سبعة مواضع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعد دستور العلاقات الدولية في العصر الحاضر.
وعلى الرغم مما أخذ على نصوص الميثاق حول حقوق الإنسان، سواء لغموضها وعدم دقة عبارتها أم لكونها تتعارض مع نص المادة الثانية (ف7) التي تمنع تدخل المنظمة الدولية أو أعضائها فيما يعد من الشؤون الداخلية للدول، ومنها في رأي بعضهم حقوق الإنسان، ومع ذلك باشرت المنظمة الدولية نشاطها في التفريع على الأصول التي جاء بها الميثاق، فأصدرت في العاشر من كانون الأول 1948 «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صاغته لجنة حقوق الإنسان على مدى ثلاث سنوات ويزيد بموجب قرارها رقم 217 (3) وكانت بقرارها الصادر في 9/12/1948 أقرت مشروع اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس. ويقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمة وثلاثين مادة.
بعد المقدمة ينتقل الإعلان إلى مواد غير مسلسلة يمكن ردها إلى أربع فئات:
1 ـ الفئة الأولى وتتناول الحقوق الفردية والشخصية.
2 ـ الفئة الثانية وتتناول علاقات الفرد بالمجموع أو بالدولة.
3 ـ الفئة الثالثة وتشمل الحريات العامة والحقوق الأساسية.
4 ـ الفئة الرابعة وتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأعطى إيڤ-;-ات رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها عام 1948 فكرة عن القيمة المعنوية لهذا الإعلان حين قال: هذه أول مرة تقوم فيها جماعة منظمة من الدول بإعلان حقوق وحريات أساسية للإنسان تؤيدها الأمم المتحدة جميعاً برأي جماعي، كما يؤيدها الملايين من الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم إذ إنهم مهما كانوا على مسافات متباعدة من نيويورك أو من باريس خليقون بأن يتجهوا إلى هذه الوثيقة يستلهمون منها العون والنصح.
لقد اقتبس كثير من الدساتير الوطنية الصادرة بعد عام 1948 أحكامها العامة في تعداد حقوق المواطنين وتحديد مفاهيمها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من هذه الدساتير دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973 الذي خصص في بابه الأول، المواد من 25 إلى 40 لبيان الحقوق والحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد وسبل حمايتها، إضافة إلى الأحكام الواردة في الأبواب الأخرى من الدستور التي تقرر المبادئ المتعلقة بحياة الأفراد وحرياتهم وملكياتهم.
أما القيمة القانونية للإعلان فقد كانت محل جدل وحوار سياسي وفقهي لا أول له ولا آخر، إذ ذهب بعض أرباب الإعلان (مثل شارك مالك من لبنان) إلى أنه ملزم قانوناً وشايعه في هذا فقهاء معروفون مثل «تشيركوفيتش» في حين أصرت السيدة «اليانور روزفلت» (الولايات المتحدة) وهي من اللاتي أسهمن في صوغ الإعلان إلى أنه قرار صادر عن الجمعية العامة وليس معاهدة ولا اتفاقاً دولياً بل ولا يهدف إلى إنشاء قانون أو التزام قانوني إنه مجرد إعلان لمبادئ معينة تتصل بحقوق الإنسان وحرياته.. فهو.. نموذج مشترك لما حققته شعوب كل الدول» وكان الاتجاه ذاته لفقهاء معروفين مثل «أوبنهايم» و«مهاجان». واتخذ فقهاء آخرون موقفاً وسطاً فالإعلان عندهم ليس قانوناً بل له صفة أدبية عظيمة، كما يقول إيزبجيوفور، وصفته ترقى به إلى مكان الالتزامات التي لا مندوحة عنها للدول كما قال آزارا وفيرون.
وأياً كان رأي هؤلاء وأولئك فإن قيمة هذه المحاورات، أصبحت محدودة إلى حد كبير بعد انقضاء خمسة وأربعين عاماً على صدور الإعلان وإصرار الدول باطراد على اعتماد المبادئ التي جاء بها في دساتيرها الوطنية، مما يضفي عليها طابع القانون الدولي العرفي ويجعلها واجبة النفاذ تحت طائلة المساءلة الدولية.
1- كتاب قديسات ما بعد الحداثة: العنف ضد المراءة , قصي طارق , المطبعه الامريكية , 2013 , ط1,مراجعة وتدقيق واشراف :داني براون فايد.ص16.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمرها 75 ألف عام


.. المشاركة أمال دنون




.. المشاركة رشا نصر


.. -سياسة الترهيب لن تثنينا عن الاستمرار باحتجاجاتنا المطالبة ب




.. لبنى الباسط إحدى المحتجات