الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الكامن وراء يهوديّة الدولة

راضي كريني

2014 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد الساحة السياسيّة الإسرائيليّة نقاشات جديّة حول تعريف الدولة بأنّها "دولة يهوديّة ديمقراطيّة". ثمّة محاولات (شروط مشبوهة) لحكومة بنيامين نتنياهو/بيبي اليمينيّة، مدعومة من الإدارة الأمريكيّة وخونة عربيّة لانتزاع اعتراف فلسطينيّ رسميّ، وبالتالي دوليّ؛ بأنّ "إسرائيل دولة يهوديّة"!
أحيانا، يساورني الشكّ في كون دولة إسرائيل أداة تسلّط سياسيّ في مجتمع طبقيّ، وأطرح على نفسي الأسئلة التالية:
1- هل يعرف المواطنون/السكّان، المستغِلّون والمستغَلّون، في "دولة إسرائيل" أنّ الدولة هي مجتمع طبقيّ، وليس مجتمع جماعات وقبائل وأسباط؟!
2- لماذا نرى كلّ القادرين على حمل السلاح، من الغالبيّة العظمى من الشعب اليهوديّ، ينهضون بإجماع قوميّ للاعتداء/"للدفاع" كلّما سنحت الفرصة على شعوب وأراضي دول الجوار، وكأنّ مصالح طبقتي المستغَلّين والمستغِلّين متشابهة، وكأنّ إنتاج المجتمع اليهوديّ في إسرائيل غير قائم على الملكيّة الخاصّة؟!
3- لماذا جهاز الدولة لا يحمي نظام الدولة وكافّة مواطنيها، باعتباره نظاما عامّا؛ بل يشجّع مؤسّسات الدولة الأمنيّة وجماعة/قبيلة/سبط الأكثريّة على سلب حقّ جماعة الأقليّة القوميّة (هكذا يعتبرنا جهاز الدولة) من العيش كأمّة الأقليّة بكرامة وبحريّة وبعدل و... وتجتهد لتحقيق أهدافها، وفقًا للضرورة الموضوعيّة؟!
لا شكّ عندي في أنّ فكرة "يهوديّة الدولة" تعبّر عن مصلحة طبقة المستغِلّين وغلاة الاضطهاد القوميّ، وأنّها تؤثّر سلبًا على التطوّر الاجتماعيّ للمجتمع الإسرائيليّ؛ فهي تؤثّر على نظرة وسلوك اليهود تجاه العرب، والعكس صحيح، لكنّها تعجز عن تحديد مستقبل الدولة، وعن توجيه أفكار المواطنين المتباينة والمتنوعة إلى خانة القوميّة، ولن تسهم في حلّ المسائل الاجتماعيّة والصراعات السياسيّة القائمة والمتوقّعة؛ فالناس يتوقون ويريدون حضارة إنسانيّة رحيمة تتّجه نحو المساواة المسنودة بالعدل.
إنّ سنّ قانوني الأساس: احترام الإنسان وحريّته، وحريّة العمل، في سنة 1992؛ اللذيْن عرّفا دولة إسرائيل، لأوّل مرّة بأنّها دولة"يهوديّة وديمقراطيّة"، بعد أفول نجم "الدولة العبريّة"؛ هو محاولة للتأثير على ثقافة المجتمع الإسرائيلي وضبطها؛ كي يذوّت سياسة تطبيع وتخليد التمييز ضدّ الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في توزيع وتخصيص موارد الدولة؛ لذلك فإنّ تعريّف قوى النفوذ، من شعب/دين الأكثريّة في الدولة، لدولة إسرائيل على أساس قوميّتها أو ديانتها، هو تصريح ينمّ عن عدم رغبة هذه القوى في حلّ قضية التمييز والاضطهاد القوميّ للجماهير العربيّة في إسرائيل، وعن عدم رغبتها في إنهاء الاحتلال للأراضي العربيّة والانصياع لمقرّرات الشرعيّة الدوليّة.
للدولة هويّات متحوّلة، مثلما للأشخاص هويّات متقلّبة: طبقيّة، قومية، دينيّة، جنسيّة، جندريّة، مهنيّة، جغرافيّة، ... لو اعترفنا بهويّة إسرائيل اليوم بأنّها: "دولة يهوديّة ديمقراطيّة" وتجاهلنا ثقل ومستوى خمس سكانها العرب الثقافيّ والسياسيّ والاجتماعيّ، ولو سلّمنا بعمليّة جمع عنصري التعريف العجيب الغريب المتنكّر لخُمس السكّان: "يهوديّة وديمقراطيّة"، بأنّها طبيعيّة وجائزة و... وصحيحة؛ فكيف نعرّف هويّتها إذا أصبحت نسبة العرب 30% من السكان، أو إذا أصبحت نسبتهم أكثر من 50%، نتيجة لظاهرة/كارثة/... طبيعيّة/اجتماعيّة/بيئيّة/...؟!
تعريف الدولة لا يتوقّف على رغبة الطغمة الحاكمة في إسرائيل وأيديولوجيّتها، نحن ندرك الفكر والدوافع الفاشيّة والاستعلائيّة الكامنة وراء هذه الرغبة، هذه الفئة السياسيّة تريد دولة "طاهرة" من العرب (دولة بلا شعب، لشعب بلا دولة)، وهي لا تهتمّ بوجهة نظر المحافل والهيئات الدوليّة لها، ولا بعلاقة دول الجوار معها؛ وهي لا تعي وتنفي أنّ الهويّة هي قضيّة ثقافيّة، لكن تعريف الهويّة للأفراد وللمجموعة البشريّة لا يتعلّق بها؛ بل بالثقافة المحليّة والسائدة عالميّا؛ فالثقافة السائدة هي التي تحدّد تعريف الهويّة، وبما أنّ ثقافة هذه الفئة/القبيلة/ السبط تتعارض مع ثقافتنا والثقافة العالميّة؛ فسيكون لها تعريف قوميّ/دينيّ لهويّة دولة إسرائيل يتعارض مع تعريفنا وتعريف الهيئات الدوليّة للدولة الديمقراطيّة.
بناءً على ما تقدّم، نعتقد أنّ طلب بيبي نتنياهو من السلطة الفلسطينيّة أن تعترف بيهوديّة الدولة، هو دعوة صريحة لصدام حضاريّ بين حضارتَين متناقضتَين، وهو فرض ثقافة اليمين الرأسماليّ المتطرّف على ثقافات باقي الجماعات الإنسانيّة في إسرائيل، وهو قمع لثقافة غالبيّة الشعب الفلسطينيّ؛ لكن لسوء حظّ زمرة بيبي نتنياهو؛ فالثقافة السائدة في العالم هي ثقافة إنسانيّة ورحيمة وحضاريّة، وهي التي تحدّد السقف والوزن المعياريّين لقضيّة هويّة الدولة بغضّ النظر عن رغبات الجماعة الحاكمة في إسرائيل، التي تتصرف كعصابة؛ بمعنى آخر الثقافة السائدة في العالم هي صاحبة القرار في تحديد هويّة الدولة؛ إن كانت موفّقة ومقبولة ومعقولة وجيّدة وجاذبة و... أم لا، الثقافة العالميّة هي التي تقارن هويّة إسرائيل وتقاربها وتدرّجها بالنسبة لباقي الهويّات وليس جماعة/عصابة الحكم فيها.
لم تعد الأقليّة العربية الفلسطينيّة في إسرائيل تشبه الأيتام على مائدة اللئام، لقد أصبحت هذه الأقليّة شعبًا له كامل سمات الشعوب الساعية إلى التحرّر الاجتماعيّ، وهو يتمسّك بعلاقته الكفاحيّة مع قوى يهوديّة ديمقراطيّة وينمّيها ويمتّنها، ويعمل على كسب ودّ وتأييد وتضامن فئات يهوديّة أخرى لا بأس بها، وعلى تحييد فئات أخرى لم يستطع كسبها إلى جانبه في صراعه الاجتماعيّ السياسيّ و... فمِن البديهيّ أن لا يكون هذا الشعب أقلّ من زنوج أمريكا الذين استطاعوا أن يمحوا سلّم التدريج العنصريّ، ولا أقلّ من شعب جنوب أفريقيا الذي أسقط سياسة التمييز العنصريّ بلا رجعة؛ شعبنا ليسن أقلّ من الشعوب التي كوّنت الفيدراليّة اليوغسلافية، ولا أقلّ من شعب فيتنام، ولا إسرائيل اكبر من الولايات المتّحدة الأمريكيّة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول