الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقلبات ا لطبقة السياسية اللبنانية

ثائر دوري

2005 / 6 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تتحدث قصة شعبية سورية عن قرية مسيحية ضاق سكانها ذرعاً بخوريهم ، فقرروا أن يستبدلوه بخوري آخر لكنهم فشلوا بكل الوسائل المعتادة في هذه الحالات . و بعد أن طفح الكيل معهم و لم يعد يحتملوه أكثر من ذلك لجأوا إلى طريقة مبتكرة للتخلص منه . قرروا اعتناق الإسلام.......
اتفقوا على أن يذهبوا في يوم محدد إلى أقرب قرية مسلمة ليشهروا إسلامهم عند شيخها ، ثم يطلبون منه أن يرسل معهم شيخا . لكن الخوري علم بما يخططون له فسبقهم باكراً إلى نفس القرية و أسلم لدى شيخها . و بعد وقت قصير أتت القرية بكاملها إلى نفس الشيخ و أشهرت إسلامها على يديه . ثم طلبوا منه أن يرسل شيخاً معهم ليصلي بهم . فقال لهم :
- يا لمحاسن الصدف قبل أن تأتوا بقليل أتى خوري قريتكم و أشهر إسلامه و بما أنكم أسلمتم فقد قررت أن أرسله شيخاً عليكم .
هذه هي حال الشعب اللبناني تماماً مع طبقته السياسية .............
فكلما قرر هذا الشعب أن يجري تغييراً بطريقة حياته لأنه لم يعد يحتمل واقعه ، سبقته طبقته السياسية ، التي هي سبب رئيسي من أسباب معاناته و أعلنت أنها ترغب بتغيير هذا الواقع أيضاً و تزعمت التغيير .
تحولات هذه الطبقة السياسية مثيرة للعجب . فإذا أحست أن مزاج الشعب صار قوميا تعتنق القومية مباشرة و تصبح من أشد المنادين بشعار من (( المحيط إلى الخليج )) . و إذا حدث و انقلب المزاج إلى القطرية فهي جاهزة لتتحدث عن لبنان الديمقراطي في غابة الدكتاتورية المحيطة ، و تمجد ميثاق 1943 ، و تعلن لبنان وطناً نهائيا لا يموت و جسراً للعبور من الغرب إلى الشرق دون أن تنسى التغني بالأرز !!!!
و إذا تابع مزاج الناس انحداره إلى الطائفية فلا مانع لدى الطبقة السياسية أن تصير طائفية . لا بل إن بعض أفرادها وعلى الفور يشكل مليشيات من أبناء طائفته و يبدأ يتحدث كأمير لطائفته مع أنه منذ قليل كان يتحدث باسم لبنان الموحد و قبلها تحدث باسم العروبة و ربما باسم الأممية ......!!
الأفكار و المباديء لدى أغلب أفراد هذه الطبقة كالمطاطة (( كبرها بتكبر صغرها بتصغر )) .
ومن المشاهد المثيرة للعجب لتحولات هذه الطبقة مشهد ما سمي " ثورة الأرز " . فبعض الذين كانوا يشعرون بالغثيان من ذكر كلمة الجماهير لأنها تذكرهم بالرعاع ، كما يعتبرون أن مجرد ذكر هذه الكلمة دليل على انتماء ذاكرها إلى إيديولوجيات شمولية بائدة في المعسكر الشرقي أو إلى تيار قومي غير مرغوب به ، هذا عداك عن كلمة ثورة التي كانت تشعل لديهم كل غرائز الانتقام و رغبة التدمير و تجعلهم يتحسسون مدافعهم و مسدساتهم و كل ما يمكن أن يقع تحت يدهم من أسلحة لمجرد سماع هذه الكلمة . سماع كلمة ثورة أو جماهير .........
هؤلاء أنفسهم وقفوا خطباء يشيدون بالجماهير و يدعون للثورة ، و لو كنت لا تعرفهم مسبقاً لحسبتهم من جماعة الألوية الحمراء أو من التوباماروس ، ثم و بسرعة عجيبة حرقوا الأرز بحجة أنهم يطهونه ، فحولوا ثورة الأرز إلى رماد واستخدموا هذا الرماد لتسميد مزارعهم الطائفية في معركة الانتخابات . فعاد كل منهم إلى طائفته و(( كأنك يا أبا زيد ما غزيت )) .
و الذين كانوا من أشد المدافعين عن الدور السوري و سبق أن انخرطوا مع (( الشقيقة )) بعلاقات أمنية و سياسية و علاقات بزنس ، و تغنوا باتفاق الطائف لا بل كانوا عمده الأساسية انقلبوا برمشة عين فصاروا ضد الاحتلال السوري و ضد النظام الأمني ( هم من كان يدبج التقارير ) و ضد تدخل المخابرات و صاروا يدينون حقبة ما بعد الطائف ...........الخ
لاحظ زياد رحباني في بداية الحرب الأهلية أن هذه الطبقة السياسية قد انتهت صلاحيتها و أن مكانها هو مزبلة التاريخ . كما لاحظ زياد في برنامجه الإذاعي ، الذي كان يبث في بداية الحرب الأهلية (( قولوا الله بعدنا طيبين )) ، لاحظ بعبقرية مذهلة في إحدى الحلقات أن العربة التي تحمل السياسيين إلى مزبلة التاريخ لا تمر إلا كل ثلاثين أو أربعين عاماً لذلك نصح المجتمع اللبناني يومها أن يستعجل و يتخلص من طبقته السياسية لأن العربة ستمر بعد قليل و إن لم يفعلوا ذلك الآن فإن الفرصة قد لا تتاح للتخلص منها قبل ثلاثين أو أربعين عاما. كان هذا عام 1975 ، و هذا عين ما حدث لاحقا .
النقطة الوحيدة المضيئة في كل ما يجري هي أن تمرد الناس العاديين على الفساد و النظام الأمني و التدخل المخابراتي في كل صغيرة و كبيرة و على التضييق على الحريات كان تمرداً حقيقيا سامياً و كان من الممكن أن يؤدي إلى ثورة حقيقية لو توفرت له قيادة من جنسه . لكن الطبقة السياسية التي شاركت بصناعة كل ما تمردت الجماهير عليه دارت مائة و ثمانين درجة فسرقت خطاب الجماهير و صادرته لنفسها معتمدة على أن ذاكرة الناس قصيرة . و إذا تذكروا فهم طيبون متسامحون (شعبنا طيب بينسى و بسامح ) . لكن إلى متى سيبقى شعبنا طيب ينسى و يسامح . إلى متى ...........؟؟
إن هؤلاء الشباب الذين تظاهروا اندفاعاً وراء مبادئهم ، دون أن يفكروا بمنافع أو مكاسب ،هؤلاء الشباب الذين خدعوا شر خديعة من قبل طبقتهم السياسية الحربائية ، التي حولت تضحياتهم إلى هباء منثورا، سينقمون عما قريب لما حل بهم و قد بدأنا نرى مؤشرات لذلك . أولها نسبة التصويت المنخفضة جداً في بيروت ، و الثانية التصويت للعماد ميشيل عون الذي كانت ميزته الأساسية ثباته على خطابه و مواقفه مقابل تلون الآخرين .....................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا