الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو قيادة نضال الشرائح المستضعَفة

دوف حنين

2014 / 2 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


غياب اليسار تملأه قوى لا تعمل على تغيير واقع الفقراء، إنما على استثماره!

أين كانت نقطة الضعف المركزية في حركة الاحتجاج؟ - الحركة الاحتجاجية جاءت لمناهضة منظومة سياسية تستمد قوتها من القضايا السياسية، من قضايا السلم، الحرب والأمن. هذه المنظومة لم تتضرر من حركة الاحتجاج لأنها لم توجه الضربات إليها في المواقع الصحيحة، ولم تهاجم أجندتها السياسية


إن عقد الأيام الدراسية للدائرة النقابية في الحزب والجبهة(*)، أمر بمنتهى الأهمية، ومبارك جدا، وفرصة للتوقف ومراجعة الذات بجرأة وحدّة، لنعترف بمسؤولية أننا غير راضين عن عملنا النقابي، وأننا مطالبون ببذل الكثير من أجل تعزيز نضالنا الطبقي وتواصلنا مع الطبقة العاملة والشرائح المستضعفة.
بحسب نتائج الانتخابات الأخيرة، بوسعنا أن نستخلص أن نسبا واسعة من الشرائح الفقيرة والمستضعفة، لم تصوت لنا، وعلينا أن نسأل أنفسنا كيف ولماذا حدث ذلك؟ هذا أمر مفصلي وعليه أن يقلقنا. عملنا النقابي اليوم، يعتمد أساسا على رفاقنا النقابيين، الذين نقدر نشاطهم ونثمنه عاليا، إلا اننا كحزب شيوعي لا يمكن أن نكتفي بنشاط البعض منا، إنما يجب أن يكون نضالنا الطبقي على رأس سلم أولويات الحزب برمته، فهذا النضال هو العصب المركزي لنا كحزب شيوعي، وإن لم نحافظ عليه قد لا نبقى حزبا شيوعيا، أو حتى قد لا نبقى حزبا البتة.
إن السبب الأساسي لتراجع النضال الطبقي لدينا، هو الاحتلال. منذ وقوع الاحتلال، وضعنا مناهضته نصب أعيننا وعلى رأس سلم أولوياتنا، وهذا أمر طبيعي ومطلوب، لكن من يراجع كتاباتنا بوسعه أن يظن بأننا سنتفرغ بعض الوقت لمعركة قصيرة مع الاحتلال، ثم ننهيه ونواصل عملنا في الجبهات الأخرى، وهنا كان الخطأ، إذ أنه تبين أن الاحتلال لم يغادرنا مبكرا وأن المعركة معه ستتواصل سنوات طوالا.
مكافحة الاحتلال، يجب أن تظل على رأس سلم الأولويات وشغلنا الشاغل، إلى أن تتحقق جميع الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، لكن ما يجب تغييره هو تعاملنا مع الأمور، وأقصد النضال المرحلي، بمعنى أننا نناضل الآن في هذا المضمار أساسا وعند انتهائنا منه ننتقل إلى القضايا الأخرى، كالقضايا الاجتماعية.
حزبنا الشيوعي يؤدي دورا طلائعيا ومركزيا بقيادة الأقلية القومية الفلسطينية في البلاد، وهي الأكثر تضررا من السياسات الرأسمالية الحكومية الهادفة إلى إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، إضافة إلى التمييز العنصري بحد ذاته، ونتائج الانتخابات أثبتت أنه عندما يضعف اليسار فإنه لن يبقى فراغ إنما هنالك من سيعمل على ملئه، من قوى تستثمر الفقر والحاجة وتغري المواطنين بتوفير الفتات لهم. هذه القوى لا تعمل على تغيير واقع الفقراء، إنما على استثماره من أجل مصالحها ولتظل هذه الشرائح مرتبطة بها. إحدى أبرز هذه القوى هي الحركات الاسلامية والجمعيات الخيرية المرتبطة بها. وهذا الأمر صحيح أيضا، بالنسبة للشارع اليهودي. نتنياهو قال قبل أشهر بأن الوضع في اسرائيل ممتاز لولا المتدينون الحريديم والعرب. نتنياهو يراوغ ولا يقول الحقيقة ويحمل فشل سياساته للعرب والحريديم فالمعطيات تفيد بأن نسبة الفقر العامة في البلاد مرتفعة جدا وتصل إلى 33%، ولكن إذا ما تم استثناء العرب والحريديم فإن النسبة لن تهبط كثيرا وستصل إلى 29% وهي أيضا نسبة كبيرة نسبيا.
الفقر يتفاقم في البلاد، بل يتخذ أشكالا جديدة ففي الماضي كان عليك أن تكون عاطلا عن العمل لتكون فقيرا أما اليوم وفي واقعنا، يتزايد العمال الفقراء. المستقبل لا يحمل البشائر للأجيال الشابة. فنحن، عندما كنا شبابا، كنا واثقين من أن أحوالنا ستكون أفضل من أحوال آبائنا، لكننا اليوم لا نستطيع أن نضمن ذلك لأبنائنا. في العالم الرأسمالي كله، يرى الشباب بأن كل ما وعدوا به غير قائم ولا علاقة له بالواقع، لذا فإن الشبان حول العالم كله يقومون بالاحتجاج وناقمون على المنظومة الرأسمالية ويقودون الاحتجاجات الاجتماعية.
هذا ما كان في اسرائيل أيضا. الحركة الاحتجاجية انطلقت أساسا بسبب ضائقة المسكن، لكنها حملت مطالب أخرى فيما بعد. إجمالي المتظاهرين خلال الحملة وصل إلى المليون، ما يعني أن مواطنا واحدًا من كل ثمانية مواطنين خرج للتظاهر وهذه نسبة عالية جدا نسبة إلى الحراكات الاحتجاجية التي تشهدها دول العالم. لماذا حدث هذا الأمر؟ لأن المجتمع أكثر يسارية بالقضايا الاجتماعية من المؤسسة الرسمية الحاكمة. المواقف الاجتماعية أكثر اشتراكية من مواقف الأحزاب المؤسساتية، بدْءا بميرتس، مرورا بالعمل ووصولا إلى الليكود. لماذا هذه الفجوة؟ لأن الناس لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع لتغيير نظام الحكم بناء على أجندته وبرامجه الاجتماعية، إنما بناء على البرامج السياسية والأمنية، وهذا مصدر لفجوة هائلة بالمواقف.
أين كانت نقطة الضعف المركزية في حركة الاحتجاج؟ إنها نقطة قوتها نفسها، وهذه هي العلاقة الجدلية. الحركة الاحتجاجية جاءت لمناهضة منظومة سياسية تستمد قوتها من القضايا السياسية، من قضايا السلم، الحرب والأمن. هذه المنظومة لم تتضرر من حركة الاحتجاج لأنها لم توجه الضربات إليها في المواقع الصحيحة، ولم تهاجم أجندتها السياسية.
فالترجمة السياسية للحركة الاحتجاجية جاءت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح لبيد وحزبه الذي ينتهج سياسة رأسمالية بشعة بعيدة كل البعد عن ملب العدالة الاجتماعية، وذلك لصالح "العمل" بقيادة شيلي يحيموفيتش، التي لم تحاول تقوية الحركة الاحتجاجية، إنما أن استغلتها للترويج وكأنه من الممكن الفصل بين القضايا الاجتماعية والسياسية.
بعد عام من الانتخابات، نرى بأن النموذجين فشلا. لبيد أصبح يحتل لقب السياسي الأقل شعبية في تل أبيب، وأما يحيموفيتش، فأين هي؟ لقد استبدلها برئاسة الحزب، يتسحاق هرتسوغ، ليعيد "العمل" إلى أيام المباي التقليدي القديم، حزبا حاكما لا يهتم بالمرة بالقضايا الاجتماعية.
الجدار السياسي الذي بني حول حركة الاحتجاجات الاجتماعية قد انهار وهذا يمنحنا فرصة كبيرة، إلا ان الأمر يشبه إلى حد كبير ما كان في المجتمع العربي حيث جاءت قوى أخرى لملء الفراغ، وإن لم نقم نحن بملء هذا الفراغ فستتكاثر المخلوقات السياسية التي ستدعي أنها هي العنوان وهي أبعد ما يكون عن القضايا النقابية وحقوق العمال والشرائح المستضعفة.
لذا، علينا أن نبني جبهة حقيقية للعدالة والسلام وهنالك قوى حقيقية يمكن التعاون معها. من خلال عملي البرلماني والجماهيري، أتعامل مع العديد من الحركات والتنظيمات الاحتجاجية العربية واليهودية والتي بالإمكان، ليس فقط أن نتعاون معها، إنما أن نجد لنا مكانا مشتركا في جبهة حقيقية واحدة. هنالك أطر شبابية واسعة في النقب، أخذت على عاتقها التصدي لمخطط برافر وغيره إلى جانب قوى مثل "النضال الاشتراكي" و"قوة العامل" وغيره من الأطر التي تعاني من العديد من النواقص إلا أن تعزيز التعاون معها ضروري جدا في هذه المرحلة.
هنالك سببان يحتمان علينا أن نبدأ على وجه السرعة عملية بناء هذه الجبهة الحقيقية الواسعة. أولا، ما يواجهه المجتمع من تحديات تفرضها حكومة اليمين المتطرف، والضرورة إلى توفير عنوان يوحد القوى المناوئة كافة لهذه السياسة. ولأنه إن لم يكن هذا العنوان يساريا حقيقيا فستحل مكانه قوى انتهازية إما يمينية بشكل مباشر أو مرتبطة باليمين.
السبب الثاني، هو مبادرة الائتلاف الحكومي إلى رفع نسبة الحسم في الانتخابات البرلمانية، وفي هذه الحالة علينا أن نأخذ السيناريوهات كافة بعين الاعتبار، وكل ائتلاف من أي من القوى القائمة التقليدية سيعتبر ضربة لنا على الصعيد الاجتماعي. فنحن إن اتفقنا مع "التجمع" مثلا على العديد من القضايا السياسية، إلا ان تحالفنا معه سيشكل انحرافا يمينيا بالنسبة إلينا على الصعيد الاجتماعي بسبب سياساته الليبرالية. التحالف مع قوى يهودية سيكون أكثر تعقيدا، فالخلافات مع حزب مثل ميرتس، أشد وأعمق على الصعيدين السياسي والاجتماعي. لذا فإن من واجبنا بناء شراكة حقيقية مع قوى قادمة من الميدان، أن نطورها ونطور العلاقات معها، وبالطبع أن نتجاوز العديد من نقاط الضعف عندنا لنكون أكثر انفتاحا وجاهزية للعمل المشترك.

*تعتمد هذه المقالة على المداخلة التي قدمها الرفيق حنين خلال الأيام الدراسية للدائرة النقابية، قبل اسابيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيناتور الأميركي بيرني ساندرز: هناك أدلة على ارتكاب إسرائي


.. مدونة الأسرة والحركة النسوية




.. كلمات رشيدة حداد وعبد الله اغميمط يوسف مكوري في المهرجان الت


.. عبد الحميد أمين عضو السكريتاريا الوطنية للجبهة المغربية لدع




.. ?? حكومة اخنوش: فشل سياسة التشغيل وتراجع القدرة الشرائية ونق