الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية حقوق الوطن وحقوق الإنسان

بدر الدين شنن

2014 / 2 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


منذ نهاية السبعينات في القرن الماضي حتى آذار 2011 ، اعتمدت المعارضة السورية الوطنية بعامة ، أسلوب النضال السياسي ، السلمي ، التدرجي ، من أجل التغيير الوطني الديمقراطي . ولما بدأ التصعيد من أطراف باتت معروفة ، في تظاهرات آذار 2011 السلمية ، حذرت المعارضة الوطنية الديمقراطية من مغبة الوقوع في مستنقع الصراع المسلح بديلاً للأسلوب السياسي ، لأنها كانت تعي بحق ، أن القوى الاستعمارية العريقة ، المتربصة دائماً ، للعدوان على سوريا ، منذ مؤامرة ( سايكس ـ بيكو 1916 ) حتى الآن ، سوف تستغل التداعيات المسلحة ، وتحرف الأزمة السورية عن حلولها الوطنية الديمقراطية ، لتمرير مصالها ومخططتها المعادية ، ولأن " هذه المعارضة " كانت على يقين ، أن لحمل السلاح ضريبة من الصعب تحملها ، ألا وهي تدمير الوطن .. وتمزيقه .. وربما إزالته من خريطة العالم ، وأن السلاح حين تنطلق آلياته ومفاعيله ، ’يخرس صوت السياسة والعقلانية ، و’يخرس أصوات المؤسسات القانونية والحقوقية ، وخاصة مؤسسات حقوق الإنسان ، التي انطلقت بحيوية ناشرة خيوط ضوء مبشرة بالحرية .

وكان ما حصل فعلاً ، أن الرصاصات الأولى التي انطلقت ، بذريعة الدفاع عن المتظاهرين ، وافتتحت مرحلة الصراع المسلح ، أصابت النضال من أجل حقوق الإنسان بالشلل التام . ولم ينفع تغطية هذا الشلل الادعاء العالي النبرة ، أن حقوق الإنسان هي التي من أجلها ’أشعلت ، و’دعمت ، الحرب في سوريا ، لأن هذه الحقوق ، بعد أن صار الشارع السياسي ميداناً للحرب .. والقتل .. وصار صوت الرصاص والقنابل لعلو فوق كل الأصوات والشعارات ، لم تعد الحقوق التي لخصت بالتغيير السياسي واردة في خطابات ناشطيها السابقين واللاحقين ، وطبيعي ألاّ تكون واردة في الخطاب السياسي " المسلح " ، الذي قلب المعادلة السياسية السورية ، وامتهن حقوق الإنسان أبشع امتهان ، وألغى حق الشعب في القرار والاختيار ، وصارت الحرية ومسألة السلطة هي للمنتصر عسكريا . وبذلك ’حذفت عملياً ، مفاهيم وطروحات حقوق الإنسان ، من اهتمامات الإنسان العادي .

ومع تجذر التدخل الإقليمي والدولي ، العسكري ( سلاحاً ورجالاً ) والمالي والإعلامي في الشأن السوري ، ومع إمعان الإرهاب الدولي ( جهاديين ومرتزقة ) في الفتك والتدمير بالإنسان والعمران في كل بقعة سورية طالها سلاحه وتوحشه ، غابت من فكر الإنسان السوري تماماً ، أية خاطرة تتعلق بما سمي سابقاً حقوق إنسان ، واندفع بكل طاقاته وعقله ومشاعره ، لدرأ مخاطر الحرب .. والقتل .. والتهجير ، وللتشبث بحق الحياة أولاً .. وبمقومات هذا الحق ، والاهتمام بوجوده .

ذلك أن الإنسان السوري ، مثل أي إنسان في أي مكان ، عندما تتحول حريته ، وقضاياه المشروعة ، عند السياسيين ، الموسميين ، والانتهازيين ، والخونة ، إلى سلعة وموسم للارتزاق السياسي والمادي ، ويصبح هو ، كلية موضوعاً للصراعات المحلية والدولية ، ويفقد كمحصلة حق المواطنة مع فقدانه حق الحياة ، ويصبح إما قتيلاً .. أو رهينة .. أو مهجراً ، وعندما يستدرج وطنه أمام عينيه بالتدمير والعنف المتوحش نحو الضياع ، يتوقف عنده التفكير بالسياسة التقليدية ، وبالمسائل الحقوقية الخلافية ، وتنشأ لديه بدلاً منها نظرة عملية إجمالية ، إلى ما آل إليه حاله وحال أهله ووطنه ، نظرة تنبع من مشاعر الألم ، لفقدان أعزاء بلا ثمن ، بالقتل والتهجير والجوع والرعب ، ويتجاوز همه عالم الحقوق النظري ، ويكرس طاقاته الذهنية والجسدية .. من أجل .. سقف يأويه .. ورغيف يكفيه .. وأمان مؤقت يجنبه الضياع والانقراض .

وهذه المحصلة المأساوية ، نظرياً وعملياً ، لسيرورة حقوق الإنسان ، التي تشكل نقطة ضعف كبيرة ، في الجبهة الشعبية .. الوطنية .. في مواجهة التدخل الأجنبي والإرهاب الدولي ألد أعداء الإنسان وحقوقه ، ينبغي ألاّ ننسى أنها لم تأت من فراغ . وإنما تأتت عن ظروف الأزمة الأسوأ في تاريخ سوريا ، التي آثر فيها سياسيون مغامرون من أطياف عدة ، العنف وسيلة لحلها . وأنها أيضاً نتيجة منطقية لمأساة الإنسان السوري ، الذي فقد ، تحت ضغط فقدان الرجاء ، البوصلة السياسية . وتحت ضغط غياب الطبقة السياسية المجتمعة على قاسم وطني ديمقراطي مشترك ، فقد الثقة بالساسة والسياسيين ، وخاصة تلك الكتلة السياسية ، التي منحت نفسها اسم المعارضة ، واختارت الالتحاق بالمخططات الخارجية الإقليمية والدولية المعادية ، وانخرطت في لعبة غبية فاشلة ، هي لعبة الحرب والاستعانة بالمجرمين الدوليين ، لتحقيق العدالة المزعومة في يلادهم .

وفي مواجهة هذه اللعبة الوسخة ، لم يكن الإنسان السوري العادي ، بحاجة إلى قراءة وقائع الصراعات الدولية الراهنة العاصفة وتأثيرها في موازين القوى الداخلية ، أو إلى معرفة كاملة لهوية وبرامج القوى المسيطرة على مقاليد الحكم في الدول القادرة على توجيه المسارات الدولية ، واللعب بمصائر الشعوب الأضعف ، وما تجلياها في المنطقة ، أو إلى المزيد من الحاجة لمعرفة البنى العائلية القبلية المفوتة ، والمذهبية المتعصبة ، الحاكمة ، المالكة لقدرات بترولية ومالية هائلة ، التي تهدرها ، على متع أمرائها وخدمها الإقليميين ، وعلى مغامرات منسقة مع المنظومة الدولية الاستعمارية خارج قوس مصالح شعوبها المدجنة ، لم يكن على هذا الإنسان أن يعرف بالكامل كل هذا أو بعضه ، ليصدر حكمه على خيار سياسييه السيء الفاشل ، وعلى كذب هذه الدول في مزاعمها دعم حقوقه الإنسانية . فهذا المواطن ، عدا عن إلمامه المعلوماتي والمعرفي المتواضع ، قد شاهد وعايش تطور وتفاعللات الأزمة السياسية في بلاده ، وليصدر حكمه أيضاً على جرائم هذه الدول ، في العراق ولبنان وسوريا وليبيا واليمن والصومال وأفغنستان والبلقان ، وعدد كبير من البلدان الإفريقية . وقبل هذا وذاك ، فإنه يكابد على مدى ثلاث سنوات مشؤومة من الجيوش الإرهابية ، التي ترسلها هذه الدول إلى سوريا بأسماء مجاهين تاريخيين ، بزعم أن هذه الجيوش " المباركة " ستوصله إلى حقوقه ، فأوصلته إلى الموت .. والجوع .. والتشرد .. وأعادته بشريعتها المفوتة المتطرفة حقبة طويلة بائسة إلى وراء .

ومن يبحث في عمق الكارثة ، يجد أن المواطن السوري الذي صودر منه في مراحل سابقة عدد من حقوقه السياسية وانعكاساتها الثقافية ، التي كان يعول على نضاله السياسي السلمي لاستعادتها ، فإن انتشار الجيوش الإرهابية في وطنه ، وممارسة " جهادها " التكفيري المتعارض مع حركة التاريخ والمكفر للديمقراطية والحرية ، قد حرمه ، بعد أن هدر دمه واستباح وطنه ، حتى من مجرد التفكير أن له حقوقاً على أي مستوى كان . كما يجد أن لوائح حقوق الإنسان ، وبيانات ووثائق لجان الدفاع عن حقوق الإنسان ، مقتولة ، ومقطعة ، ومشوهة ، ومرمية ، بين جثث الضحايا وركام الدمار ، في الشوراع والمعابد والبنى التحتية .

كل مايذكر عن كارثة الشعب السوري ، يقتصر على أرقام الخسائر المادية وعدد القتلى ، ويقدم ذلك بأسلوب إعلامي فضائحي . لاأحد يقدم هذه الخسائر بأسلوب بحثي ، موضوعي .. إنساني .. يذكر فيه حجم الآلام وأنواعها ، التي يكابدها هذا الشعب جماعات وفرادى . وإذا ترجمنا الأرقام المليونية الجامدة ، عن النازحين ، والمهجرين ، واللاجئين ، إلى ما تعنيه من أناس من لحم ودم ومشاعر إنسانية .. أناس يهيمون بين البيوت المدمرة ، وخيم اللجوء ، وغرف الإيواء المؤقتة ، وأجسادهم ترتجف من الرعب ، والبرد والجوع ، ومن افتراس الحرب لرجائهم وأفق مستقبلهم ، ويتوجسون أسوأ المصائر .. وعيونهم القلقة تتجه إلى الدروب .. لعل من فقدوه يرونه قادماً إليهم .. نقترب من معرفة عمق المأساة السورية . ونتوصل إلى قناعة أعمق بضرورة وقف هذه الحرب الكارثة النكبة فوراً ، وإنقاذ الإنسان والوطن من وحشيتها .. التي تجاوزت كل ما هو تقليدي من التوحش .

وفي غمرة هذه المأساة المركبة إنسانياً ووطنياً ، حيث يصول ويجول مجرمو الحرب والتدمير والموت ، بلا أفق للخلاص منهم . وحيث مذلة وإهانات اللجوء والهجرة .. يعاد بناء الذات السورية من جديد . وتنشأ مفاهيم جديدة عن الحق ، والسلطة ، والدولة ، والعدالة ، والحرية ، وحقوق الإنسان ، وحقوق الوطن .
لقد ولد في الثلاث سنوات الحربية الجارية جيل سياسي جديد ، هو صغير بقياس الأعوام ، لكنه كبير بقياس الضرورة السياسية والوطنية والحقوقية العادلة . فلأول مرة .. على المستوى الشعبي .. والشبابي خاصة .. تنبع رؤى سياسية .. من عمق جراح وآلام الوطن .. تستطيع أن تلم بأطراف العالم ، وتعرف النافع والضار منه .. وتعرف العدو والصديق فيه .. وتعرف مدى مقاربة .. أي قول أو حدث من مصالح الوطن أو معادته .

بمعنى آخر ، إنها رؤى تجمع بإبداع ومسؤولية حقوق الوطن إلى جانب حقوق الإنسان ، بل إن حقوق الوطن في ظروف الحرب المدمرة لها الأولوية في الوعي السياسي والإنساني . ورسخت معادلة تقوم على : إن وطناً بلا حقوق هو وطن ناقص الإنسانية ، لكن يمكن إزالة هذا النقص مع الحفاظ على الوطن . أما حقوق الإنسان بلا وطن تتجسد فيه باحترام واستقرار .. هي حقوق نظرية خيالية ميتة مع موات الوطن . ومن هو صادق في الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا ، عليه أولاً الدفاع عن الوطن .. الوعاء الذي يحتضن الإنسان وحقوقه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس