الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب الشيوعية العربية والواقع الملموس

عديد نصار

2014 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


هل يوجد أحزاب شيوعية في الوطن العربي؟
كيف نجيب على هذا السؤال؟
الشيوعية بدون ماركسية لا شيء. والماركسية هي فكر تراكمي لا يقبل الجمود، ولكنه في نفس الوقت لا يهبط من خارج الواقع ولا يُسقط عليه إسقاطا، إنما هو بالظبط: التحليل الملموس للواقع الملموس. إذن، فهو فكر يخرج من الواقع ناشئا بشكل أساسي من معاينة الواقع نفسه، بل أكثر من ذلك، عن معاناة هذا الواقع بكل معطياته ومعضلاته وتداخلاته، وبالتالي، صراعاته. وهو فكر مهمته الأساس تغيير هذا الواقع وتقديم المشروع البديل، النقيض، الذي يعتمد على ممكنات هذا الواقع، لا أن يُسقط قسرا عليه.
والماركسية تزودنا بالأدوات اللازمة لإنتاج هذا الفكر. تلك الأدوات التي تتفاعل أيضا جدليا مع الواقع، يصقلها فتشكف خباياه، ويطورها فتقدم إجابات على معضلاته.
لذلك، ومن هذا المنظور، الشيوعية ليست شعارات مكرورة، وليست تعابير محفوظات نستظهرها، وليست مواقف تاريخية نستعيدها ونحاول أن نكررها أو نتمثلها.
كما أنها ليست مقدسات ومقامات وأناجيل نختلف في تأويلها ونتمذهب حول شرح معانيها ومصطلحاتها وآياتها. وإنما تفاعل جدلي مستمر بين الواقع ووعيه واحتمالات التغيير وروافعه الاجتماعية.
وإذا عدنا الى سؤالنا الأول، فهل يوجد في بلادنا قوى أو أحزاب تمارس وتناضل ضمن الخطوط العريضة المنوه بها أعلاه؟
يمكننا ببساطة، ملاحظة أمر خطير في ما يسمى "أحزابا شيوعية" عربية. تلك الأحزاب خالية خاوية من صنّاع الفكر! فهي وعلى مدى عقود (منذ مهدي عامل) لم تتبنَّ، ولم تخرّج ولم تستهوِ أيّ مفكر. كل من يمكن أن نطلق عليهم "مفكرين عرب" بغض النظر عن اختلافهم أو اتفاقهم في الرؤية والمرجعية والانتماء الفكري أو الطبقي، هم خارج تلك الأحزاب. وإنْ عضوٌ منتسبا تمكن من طرح رؤية فكرية أو رأي نظري متماسك حول مجريات الواقع، نراه قد أصبح بقدرة قادر خارج حزبه! إنها وببساطة "أحزاب" طاردة للفكر، معادية له. ديدنها الشعارات الفارغة والمهرجانات الحمراء!
إنها ليست فقط طاردة للفكر، بل انها قبل ذلك، غريبة عن "الواقع الملموس". لا تهتم لتطوراته أو تغيراته، ولا تريد أن تتلوث بوحوله. فهي بذلك مجموعات من نخب غريبة عن المجتمع، متعالية عليه ومنعزلة عنه. ظلت تمارس ذلك الى أن فقدت كل قاعدة اجتماعية رغم طنينها الدائم بمصطلحات مفرغة من المضامين افقدتها هي بريقَها وجعلت الناس تسقطها من قواميسها.
لهذا كله، لم تتمكن تلك الأحزاب، ولا هي أرادت، أن تتلمس كل ما يجري في القاع الاجتماعي من تراكمات لضغوط لم يعد المجتمع بقادر على تحمُّلها، وبالتالي لم تكن في وارد أي انفجار اجتماعي واقع لا محالة.
أما سخرية الواقع فتمثلت بالموقف المربك لهذه الأحزاب مما جرى، ثم إشهارها العداء لحركة المجتمع! وقفزها البهلواني عنها باتجاه الصراع "الوطني" الموهوم مع "المشروع الأمريكي الصهيوني" الذي لم تقدم في مجاله على مدى أكثر من عقدين، أية مقاربة أو مبادرة ذات قيمة، لا من حيث الرؤية ولا من حيث الممارسة السياسية أو النضالية. ليبدو هذا المشروع إلهً للشر المطلق والمقيم الذي علينا أن نحاربه أبد الدهر!
لكل هذا نقول إن هناك شيوعيين أو أنصار للشيوعية، وإن هناك ماركسيين ربما ولكن ليس من أحزاب شيوعية أو ماركسية.
لقد كان لغياب مثل هذه الأحزاب عن ساحة الثورات العربية أثر شديد. فقد تُركت الساحة الشعبية تتجاذبها تجريبيات مفرطة عالية التكلفة، كما تُركت لعبث قوى الثورة المضادة من كل صنف، وبالأخص قوى الظلام الديني، المدعومة من قوى النظام العالمي شديد العداء للتغيير بالإرادة الشعبية الحرة، والتي أظهرت عداءها للنظام وقدمت "الله" كمخلّص أوحد من بطش ودموية وقسوة أجهزة السلطة وأدواتها وأحلافها، كما قدمت "شرع الله" كبديل وحيد لدساتير وقوانين الاستبداد المزمنة.
إن وجود شيوعيين حقيقيين وماركسيين قادرين على فهم تطورات الواقع، والأسباب المادية التي فجرت الثورات، على تماس مباشر مع الجماهير ومأساتها المستمرة، وتسليطهم الضوء بشكل دائم على تلك الأسباب كما وعلى الأهداف الحقيقية للثورات، وإعادة التذكير في كل في كل لحظة من لحظات الثورة بالشعارات الأولى التي رفعها المواطنون الذين احتلوا الشوارع والساحات، إضافة إلى الوعي المتجدد لدى فئات شبابية وشعبية متزايدة نتيجة الممارسة الثورية المتواصلة ونتيجة خيبات الأمل من قوى الإسلام السياسي التي يفتضح أمرها كلما اقتربت من السلطة في موقع ما أو على ساحة معينة، هذان الشرطان يمكن أن يحققا قفزة حقيقية في مجال تشكيل قوى ثورية يسارية وماركسية جديدة تولد من رحم الثورات لتقودها إلى النصر.
هذا هو المسار الواقعي الممكن الذي نتوقعه، إذ لا انتصار للثورات بدون قيادة ثورية وبدون مشروع ثوري للتغيير، ولا أحزاب شيوعية أو يسار- ماركسية إلا ما يولد من رحم المعاناة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كتابة في الوطنية
معن الشرايده ( 2014 / 2 / 16 - 05:32 )
الكاتب يدعو إلى توطين الماركسية متأثراً بدعاوى مهدي عامل والقوميين المتمركسين
كل دعاوى الوطنية هي غريبة على الماركسية جسداً وروحاً وتعمل في نهاية المطاف في عرقلة مجرى الماركسية
ثم ماذا يقول -التحليل الملموس للواقع الملموس- للكاتب ؟
لا أعتقد أنه يقول له شيئاً محدداً
لم يقل شيئاً لفلول الأحزاب الشيوعية والأحزاب الوطنية ولذلك ابتدعت هذه الأحزاب عدواً تقاتله هو المشروع الصهيوأميركي بتعبير خالد حداده
إسأل خالد حدادة عن العلاقة بين تحرير فلسطين من البحر إلى النهر والثورة الاشتراكية العالمية لتدرك أن جميع الذين يدعون إلى توطين الماركسية ليسوا أكثر من منافقين أفّاقين
ليس ثمة ثورة في الربيع العربي بل هو انتفاضة لم تستهدف أكثر من التخلص من جلاوزة الجندرما في الجملكيات العربية


2 - الثنائي الذميم
عايد سلامة ( 2014 / 2 / 16 - 16:39 )
طالما لم يتخلص لبنان من الثنائي الذميم حنبلاط ـ بري لن يرى لبنان نور الصباح

اخر الافلام

.. ما حقيقة الاختراق الأمني الإسرائيلي للجزائر؟| المسائية


.. 5 ا?شكال غريبة للتسول ستجدها على تيك توك ?????? مع بدر صالح




.. الجيش الإسرائيلي يشن غارات على رفح ويعيد فتح معبر كرم أبو سا


.. دعما لغزة.. أبرز محطات الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعا




.. كيف يبدو الوضع في شمال إسرائيل.. وبالتحديد في عرب العرامشة؟