الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السكّير :

ثامر ابراهيم الجهماني

2014 / 2 / 16
الادب والفن


السكّير :
منتشياً بفعل المشروب الذي واصل غبّه حتى ساعة متأخرة ليلة البارحة ، استيقض وفي رأسه كل مطارق الحدادين تعمل وكل ضجيج المدينة مع القليل من الصداع المعتاد .. قرر أن فنجان القهوة الذي نسي شربه كالمعتاد بعد كل سهرة كفيلاً بمعالجة الأمر .
أدرك وقتها دون سابق إنذار أنه يعيش بين أحياء المدينة المحاصرة ، قرر أن يلبس ثوب الثائر ليشارك في المظاهرة التي ستخرج هذا اليوم لتطالب بحقوق المرأة ، بحث عن ثوبه المفقود بين زجاجات الخمر وصناديق البيرة وخلف السرير وتحت الطاولة ..لكنه نسي أين خلعه آخر مرة .
ركض سريعاً الى حمامه القذر ليفرغ ما في جوفه من بقايا المشروب ليلة الامس ..وسواد القهوة التي احتساها قبل قليل ...
وصل الى مسامعه أصوات الهتافات في المظاهرة أسرع الى شرفة منزله المتهالكة ، عض على شفتيه وضرب الدرابزين بقبضة يده غضباً لمّا فاتته المظاهرة فقد اعتاد أن يعتلي الاكتاف حتى يراه الجميع ...قرر أن يهتف من شرفته لكنه تذكّر أن موعد حمامه المؤجل منذ شهور قد حان ..راح يبحث عن ملابس نظيفة ومنشفة جديدة لكنه لم يفلح كالمعتاد وقرر تأجيل استحمامه ..مالذي سيحدث ؟ إن كان سيتسخ بعد أول سكرة فلماذا الحمام اذاً ؟
أزيز الرصاص المتبعثر في الحي وأصوت المكبرات وهي تعلن منع التجوال أزاحت من رأسه بقايا الثقل المترسب ...حلف بالطلاق على زوجته التي طلقها قبل ذلك عشرات المرات - ويعود ليعاشرها في صباح اليوم التالي دون اغتسال -..لا لسبب فقط للمزاح فقد اعتاد ذلك .
كيف سيخرج ليجلب ما يحتاجه من مشروبه المفضل (عرق الريان ) ...عاد ليسأل نفسه لماذا أطلقو عليه اسم الريان ؟؟ هل هو تحدي . أم اشارة لأنهار الخمر ؟؟!!
هجم الليل سريعاً .. ماذا لو صلى ركعتين ؟ فكرة خطرت في باله لكنه ليس على طهارة كالعادة ..غيّر رأيه سريعاً وراح يبحث بين الفوارغ على رشفة هنا أو رشفة هناك ..تلهوج كثيرا ً إنسعر وهو يبحث ..
ماذا يفعل ؟
هل يخرج ؟
وماذا عن دوريات البوليس الليلية ومنع التجوال ؟ وإن تمكّن وخرج أين سيجد غايته ؟
راح يحرك رأسه ( كالحرذون ) فكّر ثم فكّر ...قادته قدماه الى الشرفة وراح يصدح كما فعل المتظاهرون الليلة الفائته ..تكبير ...الله أكبر ...تكبير ...الله أكبر ...كررها وكررها حتى جاوبته حناجر ابناء الحي ...دقائق وامتلأ الحي بزوّار الليل ودوريات الامن ..أشار أحدهم بيده نحوه ..هاهو هناك ..!!
لحظات وكان البيت محاصراً وتخبيطهم على الباب المتهالك صمّ الآذان ..طار الباب وتحول البيت الى ملعب يتزاحم فيه رياضيون ببساطير عسكرية أو بالعكس عسكريون بأبواط رياضية ، زادت وارتفعت قرقعة السلاح كل ذلك لم يجعله يرتجف ..اكتفى أن يتكوّر في ركن الغرفة كالكد س النابض ...
ضحك الضابط مما شاهده ...عشرات الزجاجات الفارغة وكومة لحم ترتجف من البرد ...والخوف .
الضابط : انت من كان يكبّر ؟
السكّير : نعم .
الضابط : لماذا ، ماذا تريد ؟
السكّير : بدي عرق .
الضابط : ههههه ضحك ملياً ..إن احضرنا لك العرق هل تصمت ؟
السكّير : نعم سيدي سأصمت .
الضابط : أحضروا له ما طلب . وإياك أن أسمع صوتك ثانية .
ما هي الا ساعة حتى وصل طلبه ..عانق عنصر الامن وقبّله واحتضنه فرحاً ، ولم يتمالك عنصر الامن نفسه من الضحك .
كانت ليلة حمراء وخضراء وصفراء ، وكما هي العادة نسي أن يشرب فنجان القهوة ، وتحول الى ( طيخة ) ، جثّة نتنة خائرة أتت على كل الشراب .و لعبت بها الزجاجات لعبها.
لن أكرر سرد تفاصيل اليوم السابق لانه يكرر ذاته يومياً بكل سفاسف الامور . في الليل قرر ان يتظاهر ...خرج الى الشرفة ...تكبير الله أكبر ...تكبير الله أكبر ...صاح به الضابط من الحاجز القريب : حسنا سمعنا صوتك وفهمنا طلبك .
صمت فورا وراح ينتظر ..يعد الدقائق ...ولم يطمئن إلا حين سمع الضابط يخاطب أحد عناصره ..اذهب واحضر لتر عرق لابن الكلب خليه يسكت ..
إبتسم وأدرك أنه المقصود ..ودّ لو أنه يستطيع النباح عرفاناً لهذا الضابط الرحيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس