الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شؤون وشجون آخر امبراطورية للبعث

كريم كطافة

2005 / 6 / 27
كتابات ساخرة


لدويلتي البعث العراقية والسورية، متشابهات كثيرة. الأولى بدأت بانقلاب عسكري وانتهت باحتلال أجنبي، والثانية بدأت كذلك بانقلاب عسكري وبعض المحللين من الجن والملائكة يتوقعون لها ذات المصير.
كان هدف انبثاقهما الوحيد: أن البعث جاء ليبقى. أما لماذا يجب أن يبقى..؟ فالجواب تحول إلى مناهج مدرسية يلهج بها صغارنا: البعث سيحرر فلسطين السليبة.. سيحرر عربستان السليبة.. سيحرر اللواء السليب.. سيحرر الجولان السليب وسيصون شرف الأمة وشرف الوطن وشرف الدين واليقين وسيوحد أمة العُرْبِ أوطاني من بغداد إلى تطوان.. سيحرر الصحارى.. سيحرر الجبال.. سيحرر الكواكب البعيد منها والقريب سـ سـ سـ..
وبسب الكثرة الواضحة للسينات، حيث يختفي عدو تحت كل سين، اشتعلت الساحة، إنما ساحة الأوطان وليس ساحة العدو-الكيان. كان هناك هروب وعلى طول الخط من مواجهة العدو–الكيان، قالوا أنه مستعصي بالجن والشياطين، ولا نستطيع إليه سبيلا إلى إذا حققنا التوازن الاستراتيجي على صعيد الجن والشياطين. ومن الآن وإلى ذلك الأجل الاستراتيجي، من المفيد أن لا نترك مواطنينا عاطلين عن العمل. لا بد من بدائل. وتوالت البدائل. كان هناك على طول الخط بحث ونبش وتجسس وتجسس مضاد، دائماً هناك خونة وجواسيس يجري الاحتفال بإعدامهم أمام الملأ، دائماً هناك خطابات تاريخية للأمة. بل جرى ابتكار مواسم تشبه المواسم السياحية في باقي بلاد الله الواسعة، دعوها مواسم الانتصارات، تكون ذكرى أما لمعارك وهمية أو معارك حقيقية كانت خاسرة، إنما وزارة الإعلام حولتها إلى انتصار. تنتشر في شوارع المدن المسيرات الحاشدة المتشحة بالخاكي والزيتوني والمظللة بصور القائد، على هدير صراخ خطباء وقوالون وشعراء ومداحون يستحضرون كل مترادفات الشجاعة والشرف والشهامة والإباء وكل مشتقات النصر من القواميس الإنسانية والحيوانية والنباتية. ويرعى المسيرات في العادة وزراء ومسؤولون حزبيون منفوشي الريش وبشوارب منفتلة إلى الأعلى على هيئة قاعدة صواريخ جاهزة للإطلاق، تجسيداً لهيبة الدولة.
في ظل هذا التسخين للساحة الوطنية، كان لا بد من إعلان حالة الطوارئ الأبدية مع أبدية البقاء للبعث.. ولإدارة عمل بهذه الجسامة والخطورة، كان لا بد من أجهزة أمنية لا مثيل لها. أجهزة قادرة ليس على إحصاء المتوفر من أنفاس المواطنين فحسب، بل ونبش المدفون تحت الأرض من أنفاس الأعداء المحتملين. والمواطن في عرف البعث هو عدو حتى يثبت براءته. تكاثرت الأجهزة الأمنية حتى تشابكت أرقامها وأسماءها ومهامها وغدا من العسير على أي باحث مستقل أن يحص عددها وحدودها أو يفك شفرة العلاقة فيما بينها. لقد وصل الأمر إلى قمته حيث الدولة السوبر -مخابرات. كل شيء يُقَرر في دوائر المخابرات، من سياسات القبول في الجامعات إلى سياسات تعين النوادل وتأمين العاهرات في فنادق الخمس نجوم. كان هناك دولتان، واحدة على السطح منفوشة الريش بالرشى والفساد والاحتيال على أمراء الخليج والجزيرة لدعم جبهة الصمود والتصدي بأقساط سنوية ثابتة، لتسيير الأمور المعاشية للمواطنين والثانية تحت الأرض تقود البلد وتمتص كل ردود أفعال الجمهور على أفعال الدولة الأولى.
لكن، ولأن الحياة تسير سيرها الحثيث بقوانينها الداخلية غير المدرجة على لوائح المؤتمرات القطرية والقومية للبعث، وهي لا تعبأ كثيراً بأمر سينات التحرير المعدلة وراثياً وجغرافياً والباحثة عن التوازن الاستراتيجي الملائكي. ومع كر السنين والبلاوي جاءت النتائج والإنجازات مغايرة تماماً لسيناتها، بل لا رائحة لسين واحد من تلك السينات الطموحة.
بدلاً من تحرير كل (فلسطين) وضمناً (الجولان)، تم احتلال كل (لبنان)، حتى بات هاجس وهدف اللبناني ليس تحرير (فلسطين) كأي عربي بل تحرير (لبنان) من الاحتلال السوري.. و(فلسطين) الحبيبة كما تأتي دائماً في خطابات المسؤولين البعثيين، قد تحرر ثلاث أرباعها من أهلها، ويحاول الآن ما تبقى من سكانها التفاوض على الربع الأخير ووفق خارطة طريق معقدة لا يفهم بها إلا الراسخون في علم الجغرافيا. لأن منهم من قرأ الخارطة على أن الربع الأخير هو قسمة بين شعب الله المختار وبين المجاهدين الفتحاويين وآخرون قرءوها بسياق آخر، يقول بقسمة ثلاثية، أضافوا إلى الطرفين جماعات عرسان الحور من الفرقة الناجية، أما فلسطينيو الشتات فما زال شعارهم كما هو: ( والله أنها لقسمة ضيزى..!!). و(الجولان) في آخر استطلاع لوطنية سكانه طلبوا وبصريح العبارة البقاء تحت رحمة احتلال الكيان الغاصب.. قالوا أن هذا أرحم لهم من العودة إلى نقمة أحضان الوطن..!! بل قيل أن البعث السوري قد تخلى تماماً عن (الجولان)، خصوصاً بعد احتلال العراق واكتشافه بالصدفة أن ثمة حي في (الفلوجة) اسمه (حي الجولان) عندها قال قائلهم (لقد وجدتها..!!) ستكون معركة الأمة العربية في (الفلوجة) لتحرير (حي الجولان).. ومن جانبي سوف أخفي عنهم معلومة صغيرة تقول بوجود نادي رياضي في منطقة سكني اسمه (نادي الجولان)، خوفاً على حياة الغلابة من سكان منطقتي، لئلا تكون معركة الأمة القادمة لاسترجاع النادي. أما اللواء السليب (الاسكندرون)، فهذا أمره أمر. إذ تحولت عقوبة المسؤول الحزبي أو الحكومي الذي يتفوه سهواً باسمه إلى الطرد وربما إلى دهليز مخابراتي، لماذا؟ لأن البعث السوري لم ينس بعد أن الجيش التركي هز العصا هزاً خفيفاً في واقعة المسكين (أوجلان) الذي ضاقت بوجهه الكرة الأرضية حتى غدت بحجم كرسي طائرة دوارة في السماء.
أما خبر الشعوب العربية المحصورة بين بغداد وتطوان فحدث ولا حرج؛ لأن حراس الزنازين القومية والقبائل الملكية وبعد اللتي واللتيا وبمعونة لوجستية من الأسلاف الصالحين، قد نجحوا وبعد التوكل على الله في عمليات تحوير الشعوب..!! ألم يتلاعب العلماء من خارج الزنزانة القومية بالجينات الوراثية وعمليات الناسخ والمنسوخ للحيوانات.. نحن كذلك كان لنا إنجازنا العلمي الهائل.. لقد نجحوا عندنا في إقصاء الجينات المسؤولة عن حب الحياة والجمال والموسيقى والغناء والرسم والرغبة في التغيير والتطوير، تاركين الملعب للجينات المسؤولة عن حب الموت والاندفاع للهلاك بسرعة الصواريخ حتى أصبح شعار أمتنا (نحن أمة تقدم على الانتحار.. كما تقدم الأمم الأخرى على الحياة..!!) هذا بعض من شؤون وشجون آخر إمبراطورية للبعث الصامد.. عسى أن يوفقني الرب الرحيم وأكمل ما تبقى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو