الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتلالات:من كرومر الى بريمر

محمد سيد رصاص

2005 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تحوّل كتاب "الملل والنِحَل" للشهرستاني منذ ترجمته إلى الانكليزية في أربعينيات القرن التاسع عشر، إلى مرجع دراسي رئيسي لإعداد رجال الاستخبارات والديبلوماسية البريطانيين المقرّر إيفادهم إلى العالم الاسلامي.
يمكن لثلاثة من ألمع الديبلوماسيين ورجال الاستخبارات الانكليز الذين ساهموا في صياغة مصر والعراق الحديثين وفي نشوء دول "الشام" بعد عام 1918 ـ مثل (المعتمد كرومر) و(جيرترود بيل) و(لورانس) ـ أن يعطوا صورة معبّرة عن ذلك: الالمام الدقيق بتفاصيل المكونات المحلية للبلدان المعينة، بناء السياسات البريطانية على إدارة الممكنات التي توفرها تلك المكونات بتناقضاتها مع بعضها بعضاً أو عبر توافقات بعضها مع المصالح والتوجهات الانكليزية، عدم وجود نزعة تبشيرية ـ ثقافية في السياسات الاستعمارية البريطانية تهدف إلى "تنوير" أو تغيير عقائد مكونات الواقع القائم التي اتجهت بريطانيا للتعامل معها (أو مع بعضها) كما هي وفق مصالحها (عشائر وطوائف: العراق، طوائف: الأنصار ضد الختمية في السودان، مناطق: الجنوب ضد الشمال في السودان، أديان: المسلمون والهندوس في الهند، قوميات ـ أديان: التاميل الهندوس ضد السنهال البوذيين في سيلان) لبناء ممكنات السياسة البريطانية في البلد المعني، هذا اذا لم يترك ذلك كألغام للانفجار بعد الخروج الاستعماري من هذه البلدان كما في الحالات المشار إليها.
منذ نابليون قدّمت فرنسا نهجاً استعمارياً مختلفاً: التبشيرية الثقافية سواء أخذت شكلاً مستوحًى من أفكار الثورة الفرنسية (أتباع سان سيمون) أو من افكار الوضعية (رينان) أو من النزعة الراديكالية (كليمنصو) او من اليسوعية (لامنس)، أو من أفكار كاثوليكية تحاول اخذ الشكل الانسانوي المنفتح (ماسينيون)، العداء لمكونات ثقافية (اللغة العربية والإسلام في الجزائر) لصالح مكونات أخرى (البربر)، العداء للمكونات المحلية التقليدية لصالح نخب ذات طابع ثقافي تغريبي، مصادقة طوائف والاعتماد عليها (الموارنة) دون أخرى (البروتستانت والأرثوذكس)، وجود محاباة للمسيحية على حساب أديان أخرى في البلدان المستعمرة (فيتنام: الكاثوليك والبوذيين).
دائماً كان هناك شعور بالنقص السياسي ـ العسكري عند الفرنسيين تجاه الانكليز، وشعور بالتفوّق الثقافي تجاههم منذ عهد إعادة الملكية (1660 ـ 1688) عندما أصبحت الثقافة الفرنسية سائدة في البلاط البريطاني: ربما كان اللجوء للعامل الثقافي تعبيراً عن نقص السلاح، أو نوعاً من التعويض عن هذا النقص. ومن اللافت في هذا الصدد أن (دانتون) و(روبسبير) قد فكرا في وجه تحالف الدول الأوروبية بزعامة انكلترا عام 1793، باستخدام مبادئ الثورة الفرنسية لاجتذاب الشعوب الأخرى من أجل كسر التوازن المختل لمصلحة الطرف الآخر، في استباق لتجربة نابليون، ومن ثم لتجربة فرنسا مع الجزائر أو في الساحل الشرقي للبحر المتوسط.
هناك الكثير من البهار الثقافي في صحن السياسية الاستعمارية الفرنسية، حتى عند سياسي يؤمن بتوازنات القوى كمقرّر أساسي للسياسة مثل ديغول، وربما أتت تنافراته مع تشرشل وروزفلت في أثناء تحالفه معهما بالحرب العالمية، من إيمانهما بالتوازنات "العارية" كمقرّر وحيد للسياسة (وهو ما حاولا تطبيقه على الجنرال اللاجئ إلى لندن)، الشيء الذي يمكن أن يمتد إلى فرانكوفونية شيراك بالقياس إلى بلير وبوش وإيمانهما بالقوة العارية.
هنا، أظهر الرئيس الأميركي، في أثناء الأزمة والحرب على العراق، الكثير من صلف القوي ليس فقط تجاه العرب والعراق، وإنما تجاه الدول الكبرى (فرنسا ـ ألمانيا ـ روسيا)، وتجاه الأمم المتحدة، كما أنه أعطى درساً بليغاً حول وزن "القانون الدولي" و"الشرعية الدولية" في تقرير ورسم السياسات العالمية، وهو على الرغم من حديثه الذرائعي عن "أسلحة الدمار الشامل"، واستخدامه احياناً لمقولة "الديموقراطية" في وجه "الديكتاتورية"، الا ان المراقب الدقيق لسلوكه في الأزمة والحرب يلمس مدى إيمانه العميق بالمدلولات الفكرية القائمة في سؤال ستالين الساخر عن أهمية الفاتيكان في الحرب على هتلر: "كم فرقة عسكرية يملك البابا؟"..
كان من الواضح عند مجيء (جاي غارنر) إلى بغداد، انه لا يملك معلومات عن العراق تتفارق كثيراً عن معلومات (القاضي وليام كلارك)، في عام 1981، عندما رشح لمنصب ضمن الخارجية الأميركية قبل أن يصبح في العام التالي مستشاراً للأمن القومي عند الرئيس ريغان، لما لم يستطع تحديد موقع زيمابوي على الخارطة أمام احدى لجان الكونغرس قبل تعيينه في المنصب المذكور: ربما كان خليفته (بول بريمر) على اطلاع اكبر، الا ان السياق العام لمجرى التعامل الأميركي في الأشهر الأربعة الأولى لسقوط بغداد، يظهر ضعف الالمام الأميركي بتعقيدات بلد يتميز بالفسيفسائية واللااندماجية في مكوناته (التي تختصر وتكثف مكونات منطقة بكاملها، اذا لم يكن تاريخاً بأكمله)، ويظهر ايماناً من قبلهم بأن القوة العارية كافية لحل كل شيء. وإذا اصيبت بانتكاسات على الطريق، فإن الازدهار الاقتصادي والدولار والبيبسي والهامبرغر كفيلة بتجاوز تلك دون ان يعتبروا من فشل تجربة تضافر واجتماع معرفة (يهوشفاط هركابي) و(موشيه ماعوز) و(ايتامار رابينوفيتش) عن العرب مع القوة الوحشية العارية لأرييل شارون على اخضاع شعب محتل (فلسطين) وأمة محتلة ومهزومة (العرب).









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل