الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا خارج مجلس الأمن

مرح البقاعي

2014 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



من أولويات الشروط التي لم يفرضها الوفد السوري المعارض والمفاوض في جنيف2 هو وضع جدول زمني محدّد للمفاوضات بحيث لا تمتد إلى أمد غير معروف يسمح للنظام بشراء الوقت واللعب على حبل تطوّر الأحداث الذي هو خبير به. واتفاق حمص الذي حدث بين الأمم المتحدة والنظام السوري في الأسبوع الثاني من شهر شباط/فبراير، بمعزل وجهل تام من طرف الائتلاف، الذي من المفترض ان يكون جهة مشتركة في هذا الاتفاق، وتطبيقه الهش الذي كان يقطعه من وقت لآخر قصف موجّه على قوافل الأمم المتحدة أثناء إجلاء المحاصرين المدنيين منذ ما يزيد على الـ 100 يوم في المدينة المنكوبة، هذا ناهيك عن الانحراف في حيثيات الخطة المعتمدة أصلاً في جنيف2 وهي فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الطبية والغذائية قبل عمليات الإجلاء التي أقل ما نصفها بأنها عملية تمييزية تمّت على أساس الفئة العمرية بحيث لا يخرج من المحاصرين من تجاوز عمرهم الـ 15 عاماً، بما يؤكد القراءات السياسية لهكذا نهج برغبة النظام في تغيير التوزيع الديموفرافي للمنطقة، وفرزها على قاعدة طائفية سياسية وليس إخلاؤها لدوافع إنسانية، وذلك من أجل تحقيق مآرب بعيدة المدى في التأصيل لمناطق ذات طابع طائفي يتبع ويدين للنظام.

ومن اللافت أن الأمم المتحدة وافقت على هذا الانحراف الذي حدث في الاتفاق المبدئي الذي رعته جنيف2، وأن الابراهيمي لم يهتم برضى أو قبول الائتلاف، الممثَل بوفده المفاوض، بهذا التحول الذي جرى في مجريات عمليات تحرير المدنيين المحاصرين في مدينة حمص. وكأن الأمم المتحدة تعقد اتفاقات جانبية مع النظام، وهو الجهة الأقوى على الأرض الآن باعتراف وزير خارجية الولايات المتحدة، السيد جون كيري، في تصريحاته الأخيرة غير المطمئنة، والتي أشار فيها إلى التفوّق العسكري للنظام مقابل تراجع المعارضة المسلحة على الأرض، وهو يعلم تماماً ان مشروع جنيف2 كان مشروطاً منذ إطلاقه بوعود قطعتها الولايات المتحدة بتسليح متواصل للمعارضة من أجل تحقيق توازن عسكري على الأرض يضمن لقواها المسلّحة الدخول إلى هكذا مفاوضات بشروط أفضل مما هي عليه اليوم.

لم يقتصر تخاذل المجتمع الدولي، بما فيه الدول الكبرى الراعية لجنيف2، على الانفراد باتفاق أممي مع النظام في موضوع حصار حمص، بل تجاوزه إلى التغاضي عن المطالبة الملحّة من قبل المنظمات الإنسانية، المحلية والدولية، لإعلان سوريا بلداً منكوباً ومحكوماً بنظام فقد سيادته على الأرض لأنه لم يفشل في حماية مدنييه وحسب بل توجّه بقتل ممنهج لهم مستخدماً كافة صنوف الأسلحة، المشروعة نتها والممنوعة دوليا،ً ثم قام بحصارههم بسلاح التجويع والحرمان من أبسط شروط الحياة الإنسانية وهي الدواء والغذاء.

في العام 2009 تقدّم الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، بتقرير يسرد البنود الثلاثة لمبدأ مسؤولية حماية المدنيين المعتمد في الجمعية العامة، والذي ينص مبدأه الأول على ما يلي:
"تقع على عاتق كل دولة المسؤولية الدائمة لحماية شعبها، سواءً كانوا مواطنين أو مقيمن على أراضيها، من أشكال التحريض أو ارتكاب أعمال الإبادة وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية بحقّهم . وتكون مسؤولية تجنب انتهاكات حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزّء من الدور السيادي الذي تمارسه هذه الدولة، وأن احترام حقوق الإنسان هو المؤشّر الأساسي على مدى المسؤولية التي تتمتع بها هذه السيادة".

بناء على ما تقدّم يصبح من واجب الأمم المتحدة في جولة جنيف2 القادمة أن يحسم أمره ويطالب من خلال مندوبه، السيد الابراهيمي، في البدء بتطبيق البند الأول من جنيف1 فوراً، وهو تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحية للحكم في سوريا بعد أن سقطت السيادة عن النظام السوري الحالي، ليس بسبب عدم حمايته لمدنييه وحسب، بل لقيامه بالاعتداء عليهم والتنكيل بهم وقتلهم بشكل ممنهج ومتعمّد منذ ما يزيد على 1000 يوم ابتداء بتاريخ اندلاع الثورة السورية الماجدة.

وإذا أسفرت الجولة الثانية من جنيف2 عن المزيد من التمييع لرسم خارطة طريق ـ محدودة زمنياً ـ بغية تطبيق بنود جنيف1 الستة كاملة، والانتقال بسوريا إلى حكم مدني ديمقراطي تعدّدي لا وجود لبشار الأسد وزمرته القاتلة فيه، لابد في حينها من اللجوء إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة من أجل تطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين كحلّ أخير لانقاذ ملايين من النازحين والمحاصرين والمعرّضين يومياً للقتل في الداخل السوري.

الأزمة السورية المستعصية تقدّم نموذجاً للتدخّل الإنساني تحت مبدأ مسؤولية الحماية. فسلوك النظام السوري العنفي، الذي توجّه بالاعتداء على المدنيين العزل بشكل ممنهج وعشوائي واسع النطاق، والذي آخر فصوله كانت مشاهد الانتهاكات خلال فكّ حصار حمص، إنما يؤسس لحالة جرائم ضد الإنسانية من قبل النظام على الرغم من جهود المجتمع الدولي لوضع حد لإنهاء العنف النظامي من خلال إجراءات سلمية اتخذتها الأمم المتحدة في الضغط الدبلوماسي والسياسي، وفرض العقوبات الاقتصادية والمالية على مؤسسات النظام وأفراد في زمرة بشار الأسد ضالعين في تمويل القتل المنظّم، وخطط السلام عديدة وهدن لوقف إطلاق النار وضعت وفشلت في إيقاف مسار الموت. وما قيام القوات النظامية السورية بتجاهل الإتفاقية الأممية المنعقدة إثر جنيف2 لوقف إطلاق النار في حمص، بل ومهاجمتها المدنيين المحاصرين أثناء إجلائهم، وفي حضور ومشهد من المراقبين الدوليين، إلا دليل قاطع على وجوب اللجوء إلى آخر الطب وهو الكيّ.

وبمرجعية مبدأ مسؤولية حماية المدنيين الأممي، فإن تحالفاً من الدول أو المنظمات الإقليمية يمكن أن يتدخّل بشكل مشروع في سوريا، مع أو بدون تفويض من مجلس الأمن، من أجل حماية المدنيين من إررهاب وعنف الدولة الممنهج بعد أن فشلت كافة السبل الدبلوماسية والسياسية والعقابية في إيقافه. إن تدخّلاً في سوريا ربما يكون الأمل الأمثل للمجتمع الدولي لتجنّب مزيد من الكوارث الإنسانية، وهذا التدخّل الإنساني في سوريا سيكون متناغماً مع القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة والشرعة افنسانية العادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟