الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتاة لليلة واحدة

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 2 / 17
الادب والفن


كانت ليلة طويلة..ليلة كانت أقصى أمانيَّ فيها هو صوت ينتشلني من ذاتي و يغرقني في ذاته..أنها من تلك الليالي التي تبدأ بقلب متناثر كذرات الغبار..ليلة تبحث فيها عن أجزاء قلبك المتناثر و تحاول إعادة تجميعها و لصقها لعله يعمل من جديد..لا لن أقول أنها كانت ليلة قاسية..فهي من تلك الليالي التي تبدأ بأن تكف فيها عن الشعور بأي شيء..فقلبك يتوقف عن الشعور و هو ما يخيف أكثر مما لو كان يتألم..فعندما تتألم فأنت تكون حينها واثقاً أنه ما زال هناك و لكن عندما يتوقف عن الشعور بأي شيء حينها ترتعب من فقدانك للروح التي تسكنه..فهل غادرت روحك قلبك للأبد و ولت هاربة و لن تعود إليه أبداً؟؟..هل ستمر عليَّ الليالي هكذا و أنا عالق في حالة اللا شعور؟؟..حينها سأبتهل إلى الله لكي يهبني الألم و حينها ستكون هذه أغرب ما أقوم به من صلوات.

لم أفعلها يوماً..فلقد كنت أعتبر اصطياد الفتيات عبر الهاتف عملاً سخيفاً لا يليق بي أن أقوم به..أو لعلني لم أفعلها لأني كنت أجد أنها هناك تنتظرني دوماً لأصغي إليها فلم أبحث عن الإصغاء لسواها!!..و لكني كنت خائفاً من قضاء الليلة لوحدي..كنت أريد من ينفيني بعيداً عن ذاتي فلا "أجدني" في انتظاري عندما أحاول النوم لتذكرني بفقدانها..كنت أريد أي رفيق..و لكني لم أكن أريد رفيق يعرفني..يتحدث طويلاً عن حدوث ما توقعه طوال الوقت..لا أريد رفيق يعظني و يتخذ معي هواية الوعَّاظ في وصف الجحيم الذي ينتظرني بعد ابتعادها عني و لا أريده أيضاً أن يصف الجنة التي كانت من قبلها و كنت خارج أبوابها و لكنها الآن ستكون لي!!.

لعل لهذا السبب لم أتردد كثيراً عندما اخترت رقماً عشوائياً و أنا آمل أن تجيب فتاة..أي فتاة..فقط لكي أتحدث لأنثى تنتمي لعشيرتها و أسألها حاقداً:"هل تتألمون عندما تلقون بنا على قارعة الطريق أم أنكم تعتبرونه حادثاً مؤسفاً يستمر في ذهنكم لبضع لحظات قبل أن يتوارى أو يسقط من ذاكرتكم؟؟"..حينما أجابت لم تنهرني أو حتى تقاومني و كأنها كانت تنتظر مثلي أي صوت في تلك الساعة..أو ربما كانت تنتظرني أنا..كانت تتحدث و كأنها تستكمل محادثة سابقة بيننا!!..تحدثنا كثيراً..عشقت دفيء صوتها..كنت أشعر بألمي ينحسر أمام مد دفيء صوتها..لم أكن أبغي إلا أن تستمر في الحديث لكي تغتال أفكاري قبل وصولها إلي..كنت أصغي إليها و هي تتحدث في كل شيء..كانت تتحدث و كأنها خارجة من معتقل الصمت لسنوات من توها..و كنت كأني ألهث وراءها محاولاً التقاط عباراتها قبل أن تفلت مني فتشعر أني لا أكترث حقاً للإصغاء إليها..تحدثنا في كل شيء في السياسة ثم في الأدب ثم في تأثير الإعلام علينا حتى أننا تحدثنا عن جرائم الشرف في الأردن!!..لم تكن تتحدث و كأنها تقارف إثماً..بل أنها حدثتني أيضاً عن الشخص الذي تحبه و ما الذي تحبه فيه و ما الذي تكرهه!!..أرعبتني أريحيتها في الحديث و خفت أن أكتشف بعد دقائق أنها تعرفني شخصياً و لهذا لا تكترث كثيراً لما تقوله أمامي..تحدثنا في كل شيء إلا أننا لم نقترب في حديثنا من الحب..و لا أعلم لماذا؟؟..ربما لعِلمنا أن كلانا لا يبحث عنه في تلك المكالمة فلماذا نمارس اللعب المُتوقع؟؟.

لم أحاول أن أدعي جاذبية رجولية لا أملكها و لم أحاول أن أقتنصها لعلاقة عاطفية عابرة و لم تريني أي اهتمام بأي علاقة أياً كان نوعها بقدر اهتمامها بالحديث فقط..و كأنها كانت تنتظرني طوال سنوات لكي تتحدث..فتقفز من موضوع لآخر بلا فاصل لألتقط أنفاسي أثنائه..لم أكن أقاطعها و هي تتحدث فلم أكن أريد أن أفقد لحظات كانت تدوخني فيها بسرعة تدفق أفكارها و ذلك الصوت الذي لم أكتفي من إدمان تقلبه..فهو في لحظة دافيء و في لحظة يتلاعب بي و في لحظة أخرى أشعر بأنه حزين و للحظة أقتنصه سعيداً ليخدعني فيصبح ماجناً و عندما أبدأ أتيقن أنه صوت يمتهن المجون أتفاجأ به يتحول في لحظة لأطهر الأصوات و أرقها!!..هل دوماً تتلون أصواتنا في عدة ساعات بكل هذه المشاعر دون أن ندركها فقط لأننا لم نكن "نصغي" إليها!!.

كانت تضحك لدعاباتي الساخرة بشكل عفوي و كأنها تعرفني منذ سنوات و لكني في ذات الوقت لم أستطع أن أشعر تجاهها بالشعور التقليدي بأنها فتاة تفتقد إلى الأخلاق أو حتى التدين الكافي..فلم أكن في قرارة نفسي أشعر بأنها تقارف خطيئةً ما..فأنا أريد من ينتزعني من ذاتي في هذه الليلة و هي ترغب في الحديث و التحرر من حالة الصمت التي تمارسها تقريباً طوال اليوم كما يبدو..أنها علاقة بسيطة و لا تحتمل أن أضع على كاهلها أي عبء شرقي يسوقني إليه تفكيري الآثم.

عندما بدأت ضحكاتها تتلاشى مع قرب نهاية المكالمة اختفت البهجة من روحي..فحاولت أن أطيل المكالمة بأي طريقة لعلي أتمكن من صوتها فأجعل ضحكتها تستمر و لو لعدة دقائق إضافية فقط لكي أشعر بأني ما زلت -رغم كل هذا اللا شيء الذي يملأني- قادراً على منح الآخرين سعادة و لو مؤقتة..فلا توجد سعادة دائمة في الدنيا لكي أسعى إليها واهباً إياها لنفسي أو للآخرين.

سألتني قبل أن تغادرني:"هل نشعر بالبهجة بعد أن نكون نزعنا عن الأشياء رونقها و طُهرها؟؟"..حينها أجبتها:"لعلنا نزيدها طُهراً و لعلنا نزيدها قُبحاً..و لكننا في نهاية الأمر نجعلها كما تحب أن تراها أرواحنا أو أرواحهم"..و لا أعلم حينها هل راقها أني منحتها حرية الاختيار بين الطُهر و القُبح أم كانت تُفضل أن أختار أنا نيابة عنها؟؟.

حينها أردت أن أسألها:"هل تمتهن هي الدفء أم أن قلبي المتوقف عن العمل كان بحاجتها لكي يشعر بنبضاته من جديد و لو للحظات؟؟"..و لكني كالعادة جبُنت..كنت لا أريد أن تعلن عن نهاية المكالمة لأني أعلم أني لن أجد حينها من يمتهن الحديث مثلها و يحترف انتزاع اللا شيء بلا مجهود يذكر..و لكني كنت أحمق فقد منحهن الرب ذلك الأمر من دوننا فقط ليريني أني رغم كل جبروتي كرجل في مجتمع يمنحني كل السلطات فيه فأنه سيكون دائماً هناك أنثى تُميتني و أنثى تحييني فأسبح بحمدهن و لا أكفر بهن.

عندما صادفت صوتها كنت أتوق لأن أجد أي أنثى فقط لكي تصغي إليَّ و لكني معها قضيت الليلة دون أن أتحدث كما فعلت بالإصغاء إليها في أغلب الوقت..ذلك الأمر منحني ما كنت أتوق بحثاً عنه و لكني كنت أبتعد عنه هارباً في ذات الوقت!!..هل تحدثنا مرة أخرى؟؟..ليلة طويلة كانت..و لكنها كانت ليلة واحدة فقط..و كانت لها تكفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسة شؤون الحرمين: ترجمة خطبة عرفة إلى 20 لغة لاستهداف الوص


.. عبد الرحمن الشمري.. استدعاء الشاعر السعودي بعد تصريحات اعتبر




.. قطة تخطف أنظار الحضور بعد صعودها على خشبة المسرح أثناء عزف ا


.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي




.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في