الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعطف الأحمر (قصة قصيرة)

أحمد سعده
(أيمï آïم)

2014 / 2 / 17
الادب والفن


" أهم شيء في الحياة أن نتعلم كيف نحب ، ونسمح للحب بدخول قلوبنا" .. موريير شفارتز
لم يكن يعلم أن اليوم سيكون مختلفا لهذه الدرجة، في الزاوية ذاتها من المطعم نفسه في أحد ضواحي لندن بالقرب من بيته؛ جلس وبجواره معطفه الشتوي الأسود، انتهى من تناول الغداء، والآن يشرب عصيره المفضل، على الباب تقع عيناه على امرأة غاية الحضور، تدخل وتجلس في الركن المقابل، شاردة الذهن، ومُتقلبة بعض الشيء، تنظر في قائمة الطعام لتختار ما ستتناوله، وبعد عناء البحث طلبت مشروبا ساخنا، رغبة بداخله في الاقتراب منها تزداد بمرور الثواني، فتح كتابا في يده لكن دون أن يقرأ فيه ، فقط كان يقرأ عينيها، يراقب حركة يديها، تلامس شفتاها مع كوب مشروبها الساخن، وجهها الهادىء الملامح، لونها النبيذي الرائع، أناقة ملابسها التي تكمن في بساطتها، تسريحة شعرها البني التي تلائمها جدا، متعة احساسه بكل ما يحيط بها من أشياء، بجمال ولطف وروح موسيقى بيتهوفن التي تملأ المكان.
انتبهت لنظرات الاعجاب في عينيه أثناء قيامها، وودت فى قرارة نفسها لو مكثت قليلا، غير أنها دخلت بكل جدٍّ فى صراع مع رباطة جأشها وبادرت بالقيام، ولمحته يرتدي معطفه الأسود ويستعد هو الآخر لمغادرة المكان، السماء كانت على وشك أن تمطر، سارت على الرصيف وهي تشعر بخطواته خلفها، وبدأت الأمطار تضرب الطرقات، الجو بارد بشكل ترتجف معه السيارات.
الشارع رغم حيويته يقل زحامه بحركة بالغة السرعة، والبعض يودّ أن يزحف مبتعدا؛ وأن يختفى من هذا الطقس الشرير، وهي لا تدري لماذا لم تستقل سيارة أجرة وتهرب هي الأخرى، ربما تنتظر ما قد تخفيه لها الأقدار، لم تعد قادرة على تحمل المزيد من عنف المطر وبرودة الجو، لكن لم تعد قادرة أكثر على تحمل الانتظار؛ رغم روعة هذا الانتظار، وأمام إحدى المكتبات توقفت، ودخلت من بابها الزجاجي؛ هروبا من المطر، أو بحثا عن ذلك المجهول، ومن داخل المكتبة تأملت الشارع بنظرات متلهفة لكنها لم تجده، شعرت بقدر من الاحباط، وحينئذ أدركت أن إعجابه بها لم يكن أقوى من عنف المطر، وأنها أُفْسحت المجال بسهولة أمام ما ليس صحيحًا تمامًا.
سألها بائع الكتب عما إذا كانت تريد مساعدة ؟ فانتبهت أنها داخل مكتبة، فأخذت تتجول بين المؤلفات لعلها تجد شيئا يُثير فُضولها، يُعوضها لحظات خيبة الأمل التي انتابتها، وعلى أحد الأرفف وجدت مجموعة من النسخ لكتاب؛ على غلافه صورة نفس الشخص، انه هو بالفعل، نفس العيون الحزينة ونفس الملامح الواثقة، سحبت إحدى النسخ، على ما يبدو أنه كتاب في تعليم رقص التانجو، ذهبت للبائع، ومن شنطتها أخرجت ورقات مالية لشراء الكتاب، وأثناء انتظارها لباقي النقود؛ وقعت عيناها على الباب الزجاجي للمكتبة، لتجد نفس الشخص واقفا كإلهًا شابًّا مقدامًا، واضعا يدا في جيب معطفه بشكل مهيب للغاية، وفي اليد الأخرى يحمل معطفا آخر أحمر اللون وينظر إليها برقة بالغة، شعرت هذه المرة بأن هناك شيئا ما يهاجم مشاعرها، قلبها يدق بشكل أسرع من المعتاد، ولم تنتبه حتى لبائع الكتب الذي يمد يده إليها بالباقي من النقود، اتجهت نحو الباب وكأنها تمشي إليه على أرضية من زجاج، ابتسامة واسعة ترسم وجهها ولا تستطيع حتى اخفائها، وما أن خرجت حتى مد يده إليها بالمعطف الأحمر بطريقة حنونة للغاية، فسرت رعشة عبر جسدها، أخذت منه المعطف شذىّ العطر وارتدته في استسلام دون أن تتفوه بكلمة، الابتسامة ماتزال تسيطر عليها، مذهولة من الرقة التي تغمره، والدهشة والإعجاب مايزالان يملآن وجهه، رغم مسحة الحزن في عينيه عميقة الأبعاد، عيناه التي لمحت طرف مؤلفه في حقيبتها، الشارع صار وكأنه ملكهما، معدا ليسيران في انفصال تام عن الزمان ولا يعرفا إلى أين الذهاب.!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة ممتعة
رانيا سلامة ( 2014 / 2 / 17 - 22:26 )
قصة رائعة بروعة مقالاتك السياسية
جميل اوي انك تكون بتكتب في كل حاجة
تحياتي

اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب