الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخبز و الماء أو نشيد الجوعى في محفل المقاومة.

رضا كارم
باحث

2014 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



في عالم مغلف بالزيف،يتيم الى الحقيقة،تبرز قوة واحدة لإدارة المسرح و توزيع الأدوار و قتل الممثلين بعد انتهاء أدوارهم...العولمة، هذه المقولة التي تم تقديمها بما هي حل إنساني لمشكلات الانغلاق الإثني ، و جواب فلسفي على سؤال الخصوصية،و حل لمأزق "التنمية" و الطريق الى الأفضل الاقتصادي و الاجتماعي ،استتباعا،تتعين في التاريخ االرسمي بما هي بناء و تأسيس.
وهي تحضر،حاملة لمشروع كلي،تضمن من خلاله عالما منفتحا ،لكل فيه القدرة على الفعل.و قد بدت من خلال وسائل الإعلام، رسالة سلام و أمان ،كما هي رسالة نمو اقتصادي و رفاه اجتماعي. و صوحبت بأفكار و كتب و مفكرين ،يبشرون بإنساني جديد،حتى لو كانت الجدة متأسسة على صراع ثقافوي متهافت بين الحضارات؟؟
أي حضارات يهذي بها هؤلاء، و التقنية محتكرة في جغرافيا جزئية؟
نقلت السي ان ان، الحرب القذرة على العراق، و نقلت مشاهد الموت،بوصفها دلائل الانتصار العسكري، و مبشرة بعصر جديد من الهيمنة الاقتصادية المشرعنة بقوة السلاح و الاحتلال المباشر...
و مجددا ، بعد فقاعة الحواسيب،جاء بوش رافعا راية حماية الجنس الغربي المتفوق ،من وحشية و استبداد الإسلام ... و ضخت وسائل السيطرة و التحكم كميات هائلة من "المعلومات الموثقة"التي تدين بن لادن، (و هو عميل أمريكي بالاصل استخدم ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان)...إنما تعود القطبية الأحادية لتنظيف مسرح الجريمة الاقتصادية، عبر تصدير الأزمة خارج جغرافيتها الحقيقية، و افتعال حرب دفاع عن "القيم الديمقراطية و عن الحرية و نمط العيش الغربي" ضد التوحش الإسلامي الممثل في بن لادن و طالبان...
و مجددا ، تستخدم العولمة أدوات مدمرة و لا أخلاقية لتبرير استمرارها في تسيد المشهد العالمي متمثلة في القوة العسكرية،عبر الإدارة الجوية لعملية إبادة مقننة من مجلس أمن دولي بلا قيم إنسانية. العولمة هذه السلطة الامبريالية و الاحتلالية في آن، تخفي حقيقة كونها مشروعا للهيمنة على الإنسان و الوجود، و تموه على المشروع المذكور عبر تمرير رسائل إعلامية تصور العالم في حالة صراع بين خيارين، يكون خيار العولمة خيار الخيرين و يتحول نقيضه الى خيار عدو،يجب محاربته فكريا و إعلاميا و قانونيا و عسكريا..
و لذلك تمتلك العولمة أذرعا فكرية تبرر السيطرة و تفهمها بوصفها حرية . حرية أن تعتقد ، أو أن لا تعتقد. المتلبرلون العرب مثل شاكر النابلسي أو سيد القمني أو أحمد الجلبي فهموا تماما أن الأمر يتطلب استعداء حقيقيا للإسلام و حماس و صدام...النابلسي يعرض على الجزيرة أبشع أشكال نقد حركة مقاومة ، و يحولها الى حركة إرهابية تماما كما تصفها العولمة. القمني تحول الى مفكر حر ضد الدين، و ساوى بين تجربة محمد و تجربة بن لادن، متعسفا على التاريخ ، و مكررا للمقولة الأمريكية ذاتها. و كذلك تصدى الجلبي لضرب ما عناه صدام لكثيرين في العراق و محيطه الجغرافي من رجل قنبل الكيان الصهيوني ، الى مجرد سفاح قاتل مستبد دكتاتور شر مطلق...صاحب سلاح نووي و بيولوجي، تيمنا بما تشيعه العولمة الإعلامية بالضبط.
و بمعزل عن مدى جدية الطروحات الليبرالية المتعولمة المذكورة، و رغم أهمية النقد الذي تسوقه أحيانا، إلا أن انتمائها الى حقل إديولوجي عدائي ذو طبيعة استعمارية صريحة، يجعلهامجرد عسكر إضافي في جيش المتأمركين أو المتعولمين.
وتمكنت العولمة أيضا من تنفيذ سيطرتها عبر وسائل الإعلام، و الإشهار لمنتوجاتها الاقتصادية، و الدعاية لمشروعها السياسي، و لطبيعة الحياة السياسية التي تريدها و تديرها...حزبان قويان و ناخبون غير مهتمين و مجتمع موجه بشدة...
و أردفت كل ذلك بالهيمنة على قرار مجلس الأمن الدولي، الذي انتقل من مجلس لحماية السلم العالمي، الى مجلس لحماية مصالح الكارتلات الاحتكارية الكبرى و الشركات متعددة الجنسيات...بحيث تكون الحرب على العراق الغني جدا نفطيا، مجرد حرب عادلة أوحيَ بها لبوش الابن، فيغدو حكم الرب أعدل من حكم مجلس الأمن الدولي الذي اعترض على تلك العملية الإبادية القذرة...
إنها عولمة تسلع القيم و تكممها،لكي يكون ممكنا للخبراء الأمريكيين قيس تفاعل الإنسان في امريكا أو الغرب عموما مع أي منتوج اقتصادي أو فني أو فكري جديد. فهم يصنعون الأفكار و الأذواق و يوجهون الرأي العام نحو خيارات بعينها، و يعتقد الإنسان أنه حر ، في حين أنه يختار ما قُدّم له على أنه الأفضل ، و لم يختر الأفضل حقا... الإنسان يفكر وفق النمط الذي تحدده وسائل الهيمنة، و ليس طبق الخيارات الحرة الناشئة وفق شروط تاريخية ما...بل حتى تلك الاشتراطات التاريخية تظل في معظمها محددة بشكل مسبق و مختارة أصلا. في ظل هذه العولمة تغيب الحرية تماما، و يغيب الاختيار و يصبح الاختلاف مسألة مرتبطة بالشكل و التفاصيل ،لا بالعمق و المحتوى.
عولمة القيم الأمريكية، مزيد من الإنتاج و مزيد من الاستهلاك و مزيد من الربح و مزيد من الثراء...الفقر و السكن على قارعة الطريق، ضحايا جانبيون يمكن عدهم و نثر فتات الدولارات على رؤوسهم أو تجاهلهم باختصار...
هذا الوحش الكاسر، الذي هدم الإنسان، نظرا و ممارسة. و أفسد الطبيعة عبر استغلال مفرط ، لا يجدد عناصرها، بل يزيدها أفولا...إنها المعركة الحقيقية التي تم تأجيلها طويلا ، و التي يجب أن تخاض بكل مقومات القوة التشاركية في المقاومة و الصمود
المقاومة خيار:
و لقد تشكلت الأحزاب ذات الطابع الثوري، لمحاولة إسقاط النموذج الرأسمالي عبر صناديق الاقتراع، و لكنها لم تنجح كثيرا في ذلك...بل تحولت المعركة الى داخل تلك الأحزاب ،لأنها مثلت بدورها استبدادا و تعاليا غير مبررين.
و فشلت الحركات النقابية طويلا في تغيير جذري ، بل استهلكتها الآلة الرأسمالية و أصبحت جزءا من بنيتها العامة ، تحركه بين الفينة و الأخرى لمجرد خفض الصوت العمالي المحتج المطالب بدولارات إضافية أو ساعات عمل أقل...
و حتى الأحزاب التي فشلت أصلا في إقناع مناضليها بجدوى صراعاتها، تحولت الى عنصر من عناصر الديكور.لأن تلك الأحزاب فشلت في تنفيذ أنظمتها الداخلية في أوساطها الخاصة، و باتت تلك الأنظمة، معرقلات إضافية يجب تجاوزها أو تأويلها بما يناسب كل مقام ،لتدل في كل الأحوال على قداسة فكر الزعيم ، و قداسة خياراته ،و قداسة قرراته..
إنها أحزاب إيمانية "تصوفية" بالغريزة الكامنة في طبعها. فيكون الزعيم بالتعريف، من تماثلت روحه بروح الإلاه، ثم لا اختلاف..

و ليست الحياة السياسية داخل الأحزاب الشيوعية بمنأى عن الضعف و الفشل بل تتصف بالانفراد بالقرار و طغيان الذات المتعالية على المجموعة، و تغييب المناضلين في الجهات و عزل النافذين جماهيريا داخل الحزب من بينهم...
و قد أدى تشبث هذه الكيانات السياسية بالمشاركة في انتخابات 23أكتوبر، الى خروج مناضلين عديدين .يؤكدون على الطابع الاستبدادي للإدارة الحزبية، و على تقديس شخصية بعينها، و على تشبث القيادات بمواقفها و تسفيه كل فكر مختلف أو موقف متناقض.. كما يشددون على الإحساس بأن وجودهم داخل تلك التنظيمات قصد به طويلا، تزيين الواجهة الثورية لهذا الزعيم أو ذاك ، و إثبات قدرته الثورية عبر الشعارات التي ترتفع مناسباتيا ضد بن علي سابقا...و في العموم فإن القرار مركز بيد مجموعة مضيقة ، و أحيانا يختزل في شخص الزعيم وحده...
و لا يتجاوز دور الآخر ، غير التنفيذ دون نقاش أو التبني دون برهنة، أو التفعيل و الطباعة و التوزيع دون تفاعل من أي درجة مهما كانت بسيطة،ومتسامحة...
و بالحفر أكثر في التاريخ الأقدم، نكتشف أن حركات سياسية توالدت من بعضها البعض كالفقاقيع ، دون أن يكون لخروجها عن الحزب الأم مبرر تاريخي فرضته النضالات أو الواقع الطبقي أو التباعد الجغرافي ..فقط كان ممكنا لكل شخص يبرز و يستطيع إقناع أكثر من بضعة أنفار بموقفه، أن يؤسس حزبه الخاص، و يعلن خصي من سبقه ، و يشرع في تحبير كراسات لإثبات عجزه ، و يتبنى بدائل نظرية توحي بأنه سيتجاوز السابقين ، و سينفذ الى الناس...لكنه يستمر في الصراخ سنوات ، حتى ينبت ذئب جديد يجذر فن العواء أشهرا إضافية، ثم يمرر سابقية العواء الى ذئب يخلفه...حتى وصلنا الى قرقورة...كما بدأنا مع بن يوسف ليمنحنا التاريخ محمد براهم و زهير المغزاوي...و منحنا مية الجريبي و آمنة منيف...و منحنا سمير ديلو. و ياله من تاريخ.
إن الحزب السياسي نشأ لتنظيم الناس ضمن أطر مناسبة لتأمين نضالات مشتركة ضد متغيرات غير مفيدة ،و متناقضة مع المصلحة العامة.و تراكمت اتجربة تاريخيا حتى بات الحزب عامل صدّ أمام التغيير، و كشف عن بنية داخلية تخفي الاستبداد بأن تحصر أمر الناس بين مرشحين أو ثلاثة أو حتى عشرين، و لم يقدم أي حزب نقدا جذريا للحياة السياسية و سيرها الذي يعرج نحو إبادة للإنسان، و تصد صريح لأي محاولة جادة للتغيير من خلال التشهير بتلك المحاولة و عزل صاحبها و التآمر ضده،لإقصائه و قطع الطريق أمام إمكانيات التغيير.
ما الحزب اليوم، إلا ميكانيزم إضافيا استوعبته العولمة، و تفاعلت مع أجنداته، و مكنته من وسائل السيطرة، فغدا جزءا من بنيتها الكلية، و نمطا من أنماط سيطرتها و تدجينها للإنسان.
و يتبين مما سبق أن خللا ما يصيب كل تجربة حزبية بنكسة أو نكبة أو كدمة،(وفق التأويل الخاص لكل قارئ) و أن تجاوز كل ذلك، عبر الدعوة الى حزب جديد ما يفتأ يسقط في أخطاء سابقيه و يؤسس أخطاءه الخاصة، قد أصبح عويصا على القبول ،فضلا عن التنفيذ. و لذلك يُتأمل برصد سبل مختلفة للنضال ،و طرائق جديدة و أفكار أخرى للتصدي للرأسمالية كنظام و للعولمة كأعلى مرحلة من مراحل تطورها الآن.
و جاءت انتفاضة الرديف دون تقديم عنوان بديل أمكن فهمه و استيعاب نقاطه، و تلتها بن قردان و لم نفهم الرسالة و لا استطعنا فك رموزها ، حتى حضرت انتفاضة سيدي بوزيد الثورية، لتكشف أن شكلا جديدا من الفعل المتحرر و المنفلت من السلطة، قد أعاد تشكيل ذاته ، و مارس ثورته على القائم ، بمضامين ملتصقة كل الالتصاق بالواقع المعيشي اليومي،و قد أثث لبروز لجان أهلية اعتنت بتنظيم المعارك و كيفيات التصدي لجهاز القمع ..و توضح من جديد أن الفعل الحزبي النخبوي المتعالي و الذي ادعى الثوريةطويلا ، لم يستطع أن يلتحق بالجماهير الا عبر أفراد قليلين ، ساهموا في الصراع دون أن يكونوا محورا فيه ، إلا عبر وسائل الإعلام التي نقلت أصواتهم بصفاتهم النقابية لا السياسية(و هو أمر مخجل بالنهاية).
كشفت تلك الانتفاضة إذن، عن فكرة رائعة عنونت بالتنظم الذاتي للجماهير ضمن هيئات منفلتة من الحزبي أو النقابي، تنظم تشاركي فوقي يهدف الى المقاومة ، و يصمد في معاركه ضد الاستبداد السياسي و مضامينه الاقتصادية الاجتماعية الثقافية...و قد بلغت تلك الانتظامات المتحررة ذروتها يوم الصيحة الكبرى:خبز و ماء و بن علي لا...
حزب القصرين، لا القصرين المقاطعة الواقعة في الوسط الغربي، بل القصرين الإنسان،القصرين العالم، القصرين سيمياء الصمود، القصرين المقاومة...من هذه الصرخة ، و من الشكل الجماهيري المنظم الذي أعلنها ، و تماما من مسيرةروزا ليكسمبورغ و المجالس العمالية و من كومونة باريس و دروسها في المقاومة، و من اللجان الأهلية ، تستخلص نتائج جديدة...
الجماهير قادرة على خلق تضامناتها الداخلية الخاصة و الانطلاق عبرها الى الشارع لتنفيذ أجندات الخبز و الشغل...
و هذه الاستعدادات تحتاج الى وقود مستمر، و برنامج مقاومة مستديم و ذي سيرورة.
و هنا بالتحديد يأتي دورنا...(رغم أن الضمير المتصل نا يحتاج كتبا كثيرة). فوقوفنا بين الناس و وقوعنا بينهم و تمثلنا لإحاحاتهم و وصاياهم و أمانيهم،وقوعنا بينهم كعناصر منهم كبشر يشبهونهم، يشكل طريقنا الأول لنيل ثقتهم و استحقاق تشارك المقاومة...و إن من يرنو لتشارك المعركة ، عليه أن يتشارك المحبة ،كما يتشارك الخطة و القرار...
الانتظام الذاتي للجماهير، يعني تلمس معاناتهم قبل الحديث عنها، و عيش تاريخهم قبل توصيفه مجازيا و فنيا ، و قبل النحيب لا بد من الإحساس بالألم...هكذا يفهم الناس أنك مساو لهم، أنت الذي لطالما ارتديت رغبتك في أن تتبرجز، لكنك فشلت لكونك مجرد مفقر مهمش "يتطاول على نمط عيش مختلف"...
الحل يكمن في المقاومة التشاركية مع الناس، أن نقاسمهم الأفكار و الخبز، و أن نعمل لأجلهم و يعملون كل من أجل الكل، و نؤسس إنسانيا لمقاومة الرأسمالية ، و مقارعة مظاهرها السياسية و الثقافية و الاجتماعية...
إن التنظم الذاتي للناس المرفوق بالتشارك و التساوي و الأفقية الإنسانية، و الالتحام النضالي يدا بيد ضد المعتدي، ضد العدو الطبقي، ضد الامبريالي الأصيل و الخائن الوكيل و الممثل الجهوي و المحلي...هو الشكل المتحررلمعركتنا الشاملة التي يجب أن تخاض بين الناس ، بعقل تجاوز الحزبي و انفلت من النقابي و تطور ليكون إنسانيا.
إن الانتظام الذاتي بين الصفوف الثائرة الهادرة بالتغيير، يساوي عودة الإنسان الى تسيد التاريخ. و هي عودة تتم عبر التضامن و المحايثة بين الفكر و الممارسة، و عودة الأفكار لتكون ثورة ضد بؤس الواقع كما تم اكتشافه.و لتتنفذ تغييرا لبناه و إعادة للإنسان الى أرضه التي غادرها الى مسرح العولمة المزيف.
سيخرج الممثلون الى مسرح الواقع لكنس العولمة و طرد ممثليها...
ثم تبدأ مسرحية أصعب:إنها مسرحية السيرورة.
رضا كارم-قلعة سنان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة