الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أريد أن أكون كاتبا ...

عائشة مشيش

2014 / 2 / 17
الادب والفن



قرأ قصة بأصابعه الطويلة الرقيقة فأعجبته ، قرر فجأة أن يصير كاتباً ، ماذا يحتاج لكي يكون كاتباً ..؟
سأل نفسه ..قلم وبعض الأفكار ..؟..
كان يوماً عظيماً ذاك وهو يركب الحافلة مع إشراقة الصباح ليصلَ إلى المكتبات ، متنقلاً بينها لاقتناء قلم يليق بالحدث ، ومذكرة كبيرة ، وكتاب يسع أحلامه ، وأوراق بيضاء للكتابة سيملؤها بذخيرته التي تنتظر الفرصة لإشباع حاجة الناس إلى الإبداع ..
ومن غيري يستطيع أن يشبع حاجتهم ؟ ألم أقرأ للمعري والجاحظ والمتنبي ..؟
ألم أقرأ لديكارت وابن خلدون وسقراط ..؟
ماذا ينقصني لأكون كاتباً ..؟
حتى تجربتي الإنسانية غنية ، فقد جئت للدنيا أعمى ، هكذا شاء القدر ، أحببت منذ ولعي الأول بالمدرسة أبا العلاء المعري ، و " ابرايل " ، فهما صنوان ، عين القلب عندهما ترى مالا يراه ذو الاثنتين الجاحظتين ...
تعلمت رغم حكم القضاء، فقد كان مرافقي قلمي وناقل دروسي، لا معرفة لي بالألوان
ولا بإشراقة الشمس ولا نور القمر ، حتى المسافات تنقص عندي أو تزيد حسب رغبتي بالوصول ..
الحواس صارت أقوى بعناد مستميت، أول أبجدية مرنتني هي ذبذبة الأصوات، وهي تنطلق عبر جدار الغرف الحاجزة بيني وبين الحياة، لكل صوتٍ خاصيةٌ على سمعي ، مع مرور الوقت صرت خزاناً لتفاصيلها ، أتفهم الآن كيف يمكن للإنسان أن يستعمل الحواس الأخرى التي مع وجود العين تهمل .. تشكّلت كل حواسي وصارت قوية حافزة منتصرة لنفسها..
كانت الحافلة مستمرة في دورانها ووقوفها ، إلى أن وخزه مرافقه ، فنهض معتمداًعلى نفسه، قائلاً في سره : " أعرف الطريق فلا تبالوا " .. ...
كان سعيداً ، شعره ممشوط ، وياقة قميصه مزررة ، ومساعده يحمل في يديه كراسة كبيرة واقلاماً مختارة بعناية ، فأصابعه تمرنت على الإختيار ، وأوراق بيضاء ناصعة ، تنتظر مِلْءَ بطنها بذخيرته من المعرفة ....
عاد إلى الحافلة زهواً بكنوزه ، اتكأ على النافذة بكتفيه ، وما لبث أن نام فاتحاً فمه ، يتململ مع رجرجة الحافلة ، غير عابئ بانعطافاتها الكثيرة المتوالية ، إلى أن جاء صوت السائق الأجش معلناً اسم المكان للذين سينزلون ، التفت يميناً وشمالاً وكأنه ينظر ويتحقق من أنّ المحطة هي وليست غيرها ، ناسياً مساعده ، الذي بدأ بوخزه على كتفه أنْ انهض فقد وصلنا...
مرت الأعوام وقد أصبح كاتباً أيضاً ككل الكتاب الذين قرأ لهم ، طبع كتباً باسمه وبدا له الأمر جيداً وسهلاً خصوصاً حين يقوم بإمضاء كتبه وكتابة إهداء لمقتنيه .. يزداد صدره اتساعاً وتتقوّس حواجبه ، ويزداد شعره شيباً .. فالشيب يضفي على الكاتب بعض الوقار وأيضا دليل معرفة ...
أصبح لديه مقهى ثابت ورفقاء ومعجبون ، وشعر بقيمة نفسه الكبيرة وبأهميته في العالم ......... لكنه ما أن يبتعد عنهم ويخلو إلى نفسه ويغوص في ذاته حتى يجد نفسه بدون أهمية تذكر ، وكل المارة من أمامه وبجانبه لا يعيرونه اهتماماً ، تهب عليه رائحة عرقهم وأنفاسهم دون أن يقفوا ليسلموا عليه ولا أن يستوقفوه لأخذ صورة تذكارية معه ..
لقد أصبح شغله الشاغل هو ملء الصفحات البيضاء مستعيناً بما قرأه ، مضيفاً له بعض التواريخ والمعلومات التي ينتقيها في مقهاه في أمسياته تلك....
ترى هل حقق ما كان يحلم به ..؟ .. هكذا تساءل ..
كان يعرف أن ما ينقصه هو أن يكون كاتباً ، ولم يكن أبداً ذلك الكاتب !! ..
كان دعاؤه الأخير وهو يقفل درجه على أوراقه مودّعاً إياها : " أتمنى من كل قلبي أن تُبهجي قلوب العميان مثلي وأن تريهم الحقيقة " ... هكذا قال مخاطباً الأوراق ..
كان آخر سطر كتبه ..
هذا ما جناهُ أبي علي ..وما جنيتُ على أحد ...

عائشة مشيش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس