الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناهج حقوق الإنسان بالأونروا ...فلسفة تربوية وطنية أم رؤية المانح ؟!

طلال ابو شاويش

2014 / 2 / 18
الادب والفن




لاشك بأن مناهجنا التعليمية الوطنية لا زالت تعاني من حالة عميقة من " الاغتراب " وعدم الاستجابة لأهداف تربوية محددة يؤدي تحقيقها إلى بناء الثقافة الوطنية الأصيلة المنسجمة مع الذاكرة الجمعية التاريخية لفلسطين الأرض والشعب والقضية والمستقبل.
ويعود ذلك لغياب الرؤية الموحدة لفلسفة تربوية فلسطينية بسبب العوامل السياسية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية وغيرها من العوامل التي أبقت العملية التربوية برمتها أسيرة لحالة من التبعية والاستهداف والتجريب المستمر.
لقد غمرتنا السعادة وانتفضنا تحت وطأة الإحساس العالي بالمسئولية الوطنية حين نزعت وكالة الغوث إلى تبني توجه تربوي مستجد يسعى لتعليم مفاهيم حقوق الإنسان عام 2002 ، لشعورنا العميق بأننا من أكثر شعوب الأرض حاجة لهذا التوجه ، إذ لا زلنا نعاني قهراً مركباً على صعيد انتهاك حقوق الإنسان الأصيلة من آخر احتلال كولونيالي طال الإنسان والأرض والحجر والشجر ...
كنا بحاجة إلى تحرير هذه الثقافة / حقوق الإنسان من الغرف المغلقة وعقول النخب والمثقفين لتصل إلى كل إنسان فلسطيني لاستكمال عملية بناء الوعي الحقوقي القانوني لقضيتنا الوطنية ... واستمرت المحاولات الحثيثة في وكالة الغوث تتراوح بين الصعود والهبوط ، الحماسة والإهمال ، الاهتمام واللامبالاة ، إلى أن فاجأتنا وكالة الغوث بطباعة وتوزيع مناهج جديدة " أنيقة " لمادة حقوق الإنسان للمرحلة الإعدادية في الأسبوع الأول من فبراير – الفصل الثاني من العام الدراسي 2013-2014 .
وبعد الإطلاع على هذه المناهج والتأمل في محتواها ، يصاب الإنسان بحالة من الدهشة والاستغراب ... ومع التعمق أكثر يسقط من جديد في حالة من الاغتراب ، بل والانفصام تجاه هذه المناهج المغتربة كماً ونوعاً عن البنية المعرفية الثقافية الوطنية ... ولتثير هذه المناهج حالة من الجدل الكبير حولها انتهى بتجميد أو تعليق تدريسها باتفاق معلن بين إدارة وكالة الغوث ووزارة التربية والتعليم في الحكومة المقالة في قطاع غزة !
وفي هذا السياق وبعد إطلاعي على المناهج أود تسجيل الملاحظات النقدية التالية :

أولاً : لم نعلم أو نشعر بأن هناك لجان متخصصة تشتمل على أكاديميين وحقوقيين مختصين ومدراء مدارس ومشرفين ومعلمين وممثلين عن المجتمع المحلي ، تعمل ضمن خطة إستراتيجية ذات رؤية ورسالة وأهداف محددة لبناء هذا المنهاج ، ولهذا جاء محتواه باقتباساته الواضحة مباغتاً وأثار حالة من الجدل بين مختلف الأطراف أدت أخيراً إلى تعليق تدريسه ، مما أظهر وكالة الغوث في حالة من الإرباك لم نعهدها عليها من قبل !

ثانياً : بالقياس مع حجم المناهج الأخرى فقد جاء المنهاج / المفاجأة كبيراً واسعاً ويزدحم بكمية هائلة من المعارف والمعلومات والاقتباسات المتناثرة ، مما يشكل عبئاً دراسياً إضافياً كبيراً على الطالب والمعلم والمجتمع المحلي !

ثالثاً : افتقدت المناهج / المفاجأة إلى معيار التوازن بين البعدين الوطني الفلسطيني والعالمي، فنحن مع تكريس مفهوم " الأسرة الكونية الواحدة " ، ولكن ليس على حساب القيم الوطنية والذات الفلسطينية الأصيلة .
كما أننا نرى أن تصليب البعد الثقافي الوطني يساهم في تعزيز مفهوم " الأسرة الكونية الواحدة " ... وقد جاء الخلل وفقدان التوازن على مستويين :
1- الوقائع التاريخية :
فكما جاء المنهاج على وقائع تاريخية عالمية شكلت محطات هامة في تطور الكفاح السلمي للشعوب المقهورة أو في مجال تطوير مفاهيم حقوق الإنسان ، فإن التاريخ الفلسطيني وعلى مدار عقود الصراع الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي يشتمل على العديد من الوقائع الهامة التي كان يجب أن يتم تناولها في المناهج الجديدة لنتمكن من بناء وعي تاريخي متكامل يربط الخاص بالعام ، الوطني بالعالمي ويسهم في بناء رؤية شاملة تحفظ كينونة الذات الفلسطينية في الخليط البشري العالمي الكثيف ، ونذكّر هنا بالحملة الشعبية السلمية لمقاومة جدار الفصل العنصري الذي أدانته مختلف المحافل والمنظمات الدولية القانونية كذلك اللجان الشعبية وحركات التضامن العالمية السلمية لمقاومة التطبيع ومقاطعة بضائع المستوطنات... ولدينا أيضاً الانتفاضة الشعبية السلمية عام 1987 ... وأيضاً التوجه السلمي الفلسطيني للأمم المتحدة ومؤسساتها والذي شكل ذروة النضال الفلسطيني السياسي السلمي ... والكثير الكثير مما يمكن الحديث حوله في هذا السياق.
2- الرموز والشخصيات :
إننا لا نتجاهل دور الفرد في التاريخ ونؤمن إيماناً عميقاً بأن ثمة شخصيات تاريخية عالمية لعبت دوراً بارزاً وأحدثت إزاحات هامة لصالح الإنسانية في مراحل دامية ، وخلقت وقائع جديدة للأمن والسلام والعدالة والحرية وغيرها من القيم والمفاهيم السامية ... لكن المنطق العلمي والأخلاقي أيضاً لا يقبل بتجاوز وتجاهل رموزنا الوطنية أو العربية أو الإسلامية ، أو المرور عليها بإشارات موجزة في حين يتم التركيز بصورة كبيرة على رموز عالمية لم تتجاوز آثارها حدود بلادها وربما شرائح معينة في مجتمعاتها !!!
إننا نحب ونحترم مارتن لوثر كنغ ، لكننا نجلّ ونقدر القائد الوطني الكبير ياسر عرفات الحائز على جائزة نوبل للسلام !
نعشق غاندي ونستلهم من تجربته الكثير ، لكننا نجلّ ونقدر القائد الوطني الكبير حيدر عبد الشافي !!!
إننا نثمن محاكمة مجرمي الحروب ونرى في محاكمة " نورمبرج " بعد الحرب العالمية الثانية ، محطة حقوقية تمنحنا الثقة بأن العدالة الدولية بالإمكان تطبيقها على المجرمين ، ولا ضير أن يعي أبناؤنا ويؤمنوا بذلك .... لكن وعيهم سيبقى منقوصاً ومشوهاً ما لم يوشم على جدران ذاكرتهم الوطنية جرائم ومجازر الاحتلال الإسرائيلي والتي لا زالت صدمة الحربين الأخيرتين على غزة حاضرة في الروح والوجدان ... ألم يكن من الأجدر الحديث في المنهاج الفلسطيني لحقوق الإنسان عن مجرمي إسرائيل والدعوة لمحاكمتهم دولياً كما حدث مع مجرمي النازية في محاكمة " نورمبرج " ؟!!!

رابعاً : إن إفراد هذه المساحة الكبيرة في المنهاج للحديث عن الكفاح السلمي للشعوب ومحطاته ورموزه دون التطرق إلى قرارات الأمم المتحدة التي شرعت حق الشعوب في استخدام كافة أشكال المقاومة بما فيها الكفاح المسلح يبقي مفهوم المقاومة والقيم المحيطة بها مشوهاً ، كما يخلق حالة من الإرباك والتشكيك في وعي أبنائنا تجاه المقاومة الفلسطينية ... وهنا لا نقصد التحريض على إيذاء المدنيين السالمين كما لا يعني تجاهلاً أو انتقاصاً من أهمية المقاومة السلمية وجدواها ... فكما نجحت بعض تجارب الكفاح السلمي في التاريخ الإنساني ، فقد نجحت تجارب أخرى تكاملت فيها أشكال المقاومة ضد جنود الاستعمار ومعداته ومنشآته العسكرية ... فالكفاح المسلح والمقاومة العنيفة ليست اختراعاً فلسطينياً ، بل إن بعض القوى العظمى التي تدين كفاح شعبنا المسلح وشجبته عبر العقود الطويلة للصراع ، قد دعمت بالمال والسلام شعوباً أخرى قاومت محتلين آخرين !!!
فلماذا لا تقدم الصورة الكلية للمقاومة وأدبياتها وأخلاقياتها متضمنة البعد القانوني الدولي الذي شرع هذه المقاومة بأشكالها المتعددة في مواثيق مختلف الهيئات والمؤسسات الدولية ؟!

خامساً : إن إدعاء الأونروا بأن المشكلة تكمن في افتقار معلمي مادة حقوق الإنسان للكفايات والمهارات اللازمة لتدريس هذا المنهاج ، يعد هروباً مقصوداً من المشكلة الحقيقية ... والقضية ليست تدريب المعلمين وتأهيلهم للتعامل مع هكذا منهاج ، أي قبول المنهاج كما هو وتوجيه المعلمين لفلسطنة المنهاج داخل الغرف الصفية !!
إن هذا التوجه يبرز ضعف هذه المؤسسة وخضوعها لابتزاز المانحين والممولين لهذا المشروع !
فتدريب المعلمين عموماً أمر حيوي وضروري ولكن المطلوب هو إعادة النظر في المنهاج نفسه قبل البدء بتطوير أدواته !

وبناءً على ما تقدم فإننا نناشد القوى الحية والفاعلة في مجتمعنا الفلسطيني أن تنتفض فوراً للتصدي لأية محاولات لتشويه ثقافتنا الوطنية وذاكرتنا التاريخية الأصيلة ... وأن تبادر فوراً إلى تشكيل اللجان والهيئات المتخصصة من مختلف الأطراف ذات العلاقة لتصويب المسار والعمل على إنتاج منهاج لحقوق الإنسان يسهم بصورة حقيقية في بناء الذات الوطنية الفلسطينية ويخلق أجيالاً فلسطينية جديدة تمتلك الثقافة الحقوقية والقانونية بعيداً عن رغبات المانحين ورؤاهم الخبيثة !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا