الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (3-4)

عبدالله خليفة

2014 / 2 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بعد نمو الفئات المصرية الوسطى والعمالية وقيام ثورة 1919، فإن دخول مؤثرات الثورة الفرنسية يغدو أكبر، إن مفكرين وكتاباً عديدين يقارنون بين البلدين، ويدرسون العالم الثقافي الاجتماعي لكل منهما، وتغدو منجزات التطور الفرنسي الديمقراطي خاصة البرجوازي منه ركيزةً للتحليل، وهذا إسماعيل مظهر يقوم بنقدِ الثقافةِ العربية الدينية بإعتبارها معرقلةً التطور، ويقوم بنقد جمال الدين الإفغاني الذي يعتبرهُ إنه لم يقم بدور هام حيث المطلوب ليس تكريس الوعي الديني المحافظ بل نقد وإجراء علمنة فكرية سياسية.
في مقالته (أسلوب الفكر العلمي: نشوءه وتطوره في مصر خلال نصف قرن), (قضية الفلسفة) يعرض إسماعيل مظهر وجهة نظره في النهضة العربية الإسلامية في المنطقة عامة ومصر خاصة، وهو يوجه نقداً شديداً إلى جمال الدين الأفغاني فيقول:
(تعلم السيد جمال الدين الأفغاني منتحياً الأساليب العملية العتيقة التي عكف عليها العربُ منذ القرون الوسطى، فهو بذلك صورةٌ مصغرة أو مكبرة لعصر من العصور البائدة في تاريخ الفكر الإنساني. وهو بنزعته السياسية أشبه الأشياء في عصره بالحفريات التي تعيشُ بيننا بجثمانها وأن رجعت بتاريخها إلى أبعد العصور إيغالاً من أحشاء الزمن).
إن إختلاف الإفغاني عن الرجعيين الدينيين وقيامه بطرح أفكار إصلاحية هامة لا يُؤخذ بعين الإعتبار لدى مظهر، فهو يريد منه دوراً إصلاحياً غير ديني، وأن يتم التخلي عن الثقافة الدينية المحافظة كلياً.
وينتقل إسماعيل مظهر من النقد العنيف للأفغاني إلى النقد العنيف لكل ما أنتجه العربُ فهو في رأيه غير جدير بالحياة فيقول:
(ذاعت بينهم مذاهب فلسفية نقلها المترجمون)، (ولكنك لا تجد عندهم مدارس فلسفية يــُنسبُ إليهم ابتكارها. فليس لهم مدرسة تــُعزى إلى الفارابي أو ابن رشد أو ابن سينا مثلاً)، (وفي الواقع لديهم مدارس مثالية غيبية وفيها جوانب واقعية ولها تطورات ومستويات مختلفة ولا تُؤخذ بتعميم واحد:ع.خ).
ويواصل مظهر حديثه قائلا:
(هذه العقليةُ بذاتها هي التي ورثها السيد الأفغاني عن العرب. عقليةٌ وقفت عند حد الأسلوب الغيبي لم تتعده وتنكبت كل سبيل كان من الممكن أن يسلم بها إلى الأسلوب اليقيني).
يقيم مظهر رؤيةً مثالية فكرية نقدية مناقضة لكل المبنى الديني سواءً عند المسلمين أو عند غيرهم، فهو مبنى انتهى زمنه وتحول إلى ثقافة تجاوزتها مراحلُ التطور. ولم تعرف ما يسميه كذلك (الفكر اليقيني)، وكلا التسميتين ترجعان إلى مصطلحات فرنسية مأخوذة من مدرسة معينة، يقول إسماعيل مظهر:
(إذا كان ناموس جاذبية الثقل أعظم استكشاف وصل إليه العقلُ البشري في عالم الكون والفساد, فإن قانون( الدرجات الثلاث) الذي كشف عنه الفيلسوف الكبير (أوغست كونت) لأكبر اكتشاف وصل إليه العقل البشري في الطبيعة الإنسانية. وإن متابعتنا لشرح هذا القانون لهي النواة التي تدورُ حولها أبحاثنا), (قضية الفلسفة).
يجعلُ إسماعيل مظهر بؤرةَ التطور النهضوي في ابتكارِ النظريات العلمية فهو يبتدئ التاريخ الأوروبي بنظرية الجاذبية، ثم بالوضعية الاجتماعية، والمصطلحات التي يستخدمها هي مصطلحاتٌ مستعارةٌ من هذه المدرسة الأوروبية الأخيرة التي قسمت التاريخَ الإنساني بشكلِ مراحل معرفية، فهو يعتبر بأن هناك( قانونا ضروريا يخضع له العقل)، ولهذا فإن كلَ مدركاتنا وفروع معرفتنا وتجاربنا التاريخية لا بد أن تمر بالمراحل الثلاث:
(الأولى اللاهوتية أو التصويرية التخيلية، والثانية الميتافيزيقية الغيبية، أو المجردة، والثالثة اليقينية الإثباتية أو الواقعة).
ويقومُ بتفسيرِ تعدد هذه المراحل بشكل يعود للعقل نفسه، فيقول:
(أن العقل الإنساني فيه بطبيعته كفاءة لأن ينتحي ثلاثَ طرق مختلفة للتأمل من حقائق الأشياء وطبيعته في كل من تلك الطرق تختلف عن الأخرى تمام الاختلاف، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها تتضاد تمام التضاد)، (أما الأسلوب الأول فخطوة ضرورية يبدأ بها العقل في سبيل تفهم الحقائق أو البحث عن مصادرها، وأما الأسلوب الثالث فهو يمثل العقل في آخر حالات ارتكازه على الحقائق البارزة الملموسة. وليس الأسلوب الثاني إلا خطوة انتقالية تتوسط بين الأسلوبين).
يقومُ إسماعيل مظهر عبر هذا المنهجِ بإدخالِ العرب والمسلمين في المرحلة الثانية من منهجه طبقاً للمخطط التاريخي المعرفي الذي قال به أوجست كونت، وهو مخطط لأنه يشمل الإنسانية جمعاء, فيضع لها مراحلَ معينةً، كذلك فإنه مخططٌ معرفي لكونه يتعلقُ بالعقل، وبطرقِ التفكير التي سادت حسب قوله هذه المراحل، ووسمت كلَ مرحلةٍ بطابعٍ خاص من التفكير الذي يختلف عن سابقه.
إن العقلَ هنا منفصلٌ عن بنائه الاجتماعي الذي تكون فيه، بل أن العقلَ هو الذي يشكلُ المرحلةَ والتاريخ والبناء الاجتماعي.
هكذا بدلاً من إستمرار مصر في المرحلة الميتافيزيقية الغيبية اللاهوتية، التي يعكسها الدينان المسيحي والإسلامي، فيجب أن تخرج منها نحو الفكر اليقيني، وهو هنا فكر أوجست كونت والمدرسة الاجتماعية العلمانية.
إنه طرح ثقافي يسير لكن هل يتحقق وكيف؟
إن العقل في الدرجة اللاهوتية (يبحثُ في طبيعةِ الأشياء وحقائقها، وفي الأسباب الأولى والعلل الكاملة، يبحثُ في الأصل والماهية والقصد من كل الأشياء التي تقع تحت الحس. وعلى الجملة يبحثُ في (المعرفة المطلقة) وهناك يفرض أو يسلم بأن كل الظواهر الطبيعية ترجع إلى الفعل المباشر الصادر عن كائنات تختفي وراء الطبيعة المرئية). ولهذا فإن الدينيين ينقلون أسلوبهم الغيبي غير المنطقي إلى الظاهرات الحياتية والسياسية بدلاً من الفصل بينها، ولهذا يجب على حد قوله أن يُرفض مبناهم الفكري جملة وتفصيلاً غيباً وواقعاً.
إنها علمانية ساحقة فهي لا تفصل بين الأديان والسياسة بل تريد إزاحة الأديان من الحياة الفكرية الاجتماعية عامة على الأسلوب الفرنسي الثوري في الهجوم على الكنيسة، وهي خطوة غير دقيقة، ولا تجد صدى لها في الواقع المصري والعربي المحافظ.
قيام مظهر بنقل مدرسة أوجست كونت ليس فيه تحليلات للتطور الديني في المنطقة العربية وتناقضاته المتعددة وقراءة مساره التاريخي ومستوياته، بل هو يعمم سماته ويضعه في خانة مرحلة تاريخية متخلفة من تطور الوعي البشري حيث لا بد أن ينتقل الوعي للمرحلة العلمية، ويمثل ذلك نقلة نوعية للوعي المصري لكنها تبقى نقلة فردية وصرخة في الصحراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلس صيانة الدستور في إيران يوافق على 6 مرشحين للرئاسة


.. عقب استقالة بني غانتس.. بن غفير يطالب نتنياهو بالانضمام إلى




.. غسان أبو ستة: لو أردت أن تمحو شعبا امحي تعليمه


.. يديعوت أحرونوت: عملية النصيرات ستقللُ بشكل كبير من فرصة إنقا




.. مجهول يعتدي على السفارة الأميركية في سيدني والشرطة تحقق