الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهارات سود

سعدي عباس العبد

2014 / 2 / 18
الادب والفن




• أنا أسود .. وأمّي سوداء , .. امّي تزداد سوادا باسمالها السود , الرثة الملّتفة على بدنها الضامر .... وأبي والأيام وانفاسي وصوتي ورموشي وذكرياتي , كلّها سوداء , انا غيمة سوداء تتبدّد حالما افرش ضحكة سريعة على شفّتي , ضحك يكشف عن وهج حليبي يشّع من اسناني البيض , اسناني البياض الوحيد الملّتمع في وجهي الاسود .. اما البياض الاشد بريقا . فلا احد يراه .. يلتمع هناك في اعماقي البيض مثل الشمس ..
• تنزلق قدمي في مياه الجرف وتغوص غاطسة في الطين , فيغيّب سواد عورتي وسرّتي ..ويبتلع الماء سوادي الاسفل تماما , .. ومن بعيد المح الرهط الابيض قادما لنهر . الرهط الذين هم اترابي ولكن ما كان يفصل بيننا غالبا هو السواد الذي يطبع بشرتي القاتمة ..نزلوا إلى النهر وثبا .. فرأيت جلودهم البيض تلتمع في نور النهار .. وحالما لمحوني رشقوني بكتل الطين ..فاطلق صياحا ممدودا يتصاعد في الهواء وابادلهم التراشق بالطين وانا اطفو مثل لوح اسود فوق الماء ... وعندما خرجت من النهر لم ارَ ثيابي ..فيصيبني الاضطراب وسرعان ما اجهش بالبكاء وقبل انّ اسألهم عنها يرشقونني باكوام من الطين وهم يردّدون : اسود .. اسود مثل القير ...يقفز قفزات الخنزير ... , فيخفق قلبي الابيض , يثب خارج سوادي .... فاعود إلى البيت عاريا ..اضع يدي على عورتي وامشي ..في الطريق لمحت بنت الطبيب البيطري , كانت ترى اليّ دهشة ,وانا ابكي بصوت عال .. وعلى مقربة من البنت صديقتي بنت الطبيب لمحت امّي السوداء , فجرت ناحيتي وقادتني إلى المزرعة التي يرعى فيها أبي قطيعا من ابقار الطبيب.. كنا نقطن كوخا قائما جوار بيت الطبيب .. تتوغل امّي بكامل سوادها ناحية المساحات الخضر في المزرعة , وانا اقتفي أثرها , واحدّق في البنت البيضاء صديقتي التي ما زالت ترقبني على مقربة وهي تفرش ابتسامة لامعة على شفتيّها فيزداد وجهها بيضا واشراقا .. فامد يدي الراعشة إلى ما بين فخّذي واجري مرتبكا ..وعندما استدير برأسي للوراء ناحية البنت ,المح بياضا يلتمع جوار البنت , كان يشع من وجه ولد يقاربني في السن كان واقفا جنب البنت صديقتي ,.. كان احد اقربائها التحق الى بيت الطبيب قبل اسبوع ..ومنذ اسبوع لم اعد ارها او منذ هبوب العاصفة البيضاء او الولد الابيض , فاستحالت نهاراتي الى اشد سواد من وجهي , سواد مطبق ..فتلاشى ذلك الجزء الابيض الذي كان يصلني بالمساحات لبيض ..كانت هي النقطة البيضاء التي كانت تغمر سوادي بشعاع من المودّة ..كانت تجلس جنبي تحت الشجرة , يدها على ذراعي ينسفح بياضها غزيرا فيبدّد جزءا من مساحة السواد ,.. كانت يدي كمظلة سوداء تمتد الى رقبتها البيضاء العارية فيندلق لون اسود يغمر البياض ........ اتسلق الشجرة وهي تضحك فيشع في داخلي فرح ابيض . فاخرج من فمي صفيرا كألغناء , فاسمع امّها تهتف من بعيد . فتختفي رائحة البنت في الريح ..ولما لم اعد اراها , اهبط من على الشجرة مثل قط اسود . واستلق على العشب .. فتقع عيناي على قامتها الراكضة ناحيتي , فامتلاء بالغبطة وانا اراها تقف فوق رأسي , يتدلى من بين اصابع يدها عنقود عنب اسود ..[ اعطِ عنقودا للعبد الاسود صديقكِ ] تقول البنت هكذا قالت ليّ امّي .. فيتلاشى الفرح وتنطفأ جذوة الغبطة في داخلي ..فاشعر بهوة عميقة راحت تفصلني عن البنت . فتتملكني رغبة حارة في البكاء ..ولما رأيتها مسمّرة في موضعها تنتظر ان امد يدي لتناول العنقود من يدها ,..ازددت حزنا وسكوتا فبقيت جامدا لا ابدي حراكا .. لكني لمحتها تمضغ حبات العنقود وجعلت تجري متوغلة في المدّيات الخضر .. تلك المدّيات التي انغمرت بسواد حالك منذ حلول البياض العالق في وجه الولد الوافد من المدينة والذي اشاع الخوف والعزلة وضاعف من امتدادات مساحات السواد في روحي . فبدت البنت غريبة عن عالمي المتخم بالسواد ..وكم بكيت لفراقها . ولم ينجدني من توقي اليها سوى النهر .. فشرعت اتوغل كل نهار في الامتدادات الترابية الموصلة الى حافات النهر ........ ولما دخلت الكوخ بسوادي العاري راحت امّي تؤنبني وهي تبحث عن اسمالي وتطلب اليّ عدم العودة الى النهر ولكن اين سامضي نهاراتي السود ......................... / انتهت /








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر