الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلاميون، انفصاليون، إسلاميون.. يساهمون في إفراز -نـداء المواطنة-1؟

مصطفى عنترة

2005 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ما هي الأهداف الخفية لـ"نداء المواطنة"؟ ومن هي الجهات التي قامت بهندسة مضامينه؟ وكيف تعامل الرأي العام الحقوقي على وجه التحديد مع هذه المبادرة؟ وهل من شأن الآلية المعتمدة(أي النداء) محاصرة المد الديمقراطي المتزايد؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل المحاور الأساسية للورقة التالية.

قامت مجموعة من الفعاليات السياسية والمدنية في الآونة الأخيرة بمبادرة توجيه نداء إلى الرأي العام الوطني أطلقت عليه اسم "نداء المواطنة"، لكن قراءة مضامين هذا النداء وكذا توقيت صدوره وطبيعة الأسماء الموقعة عليه، فضلا عن الدعاية التي رافقته.. تفيد أن الأمر أكبر من مجرد نداء أو بيان يوقعه عادة المنشغلون بالهم الثقافي أو الحقوقي أو الإعلامي سواء من أجل دق ناقوس الخطر أو التأكيد على بعض القيم الإنسانية.. فهذا الأمر هو مبادرة سياسية ترمي إلى تهيئ الأجواء العامة داخل البلاد لقرارات سياسية مرتقبة أو تبرير واقع معين أو ما شابه ذلك من الأهداف التي تؤكد في آخر المطاف أن "نداء المواطنة" إشارة سياسية موجهة إلى من يهمهم الأمر. وهذا ما يجعل البعض يشير إلى أن النداء المذكور تمت هندسته من طرف فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب في الداخلية، الذي تميز في السنوات الأخيرة باحتضانه لمثل هذه المبادرات الرامية إلى شرعنة خطوات "العهد الجديد"..، وتكلف حرزني ومن معه بتبنيه وتسويقه..
لعل الزمن السياسي، الذي أطر سياسيا هذه المبادرة، يسهل مأمورية قراءة مضامينه، فالمغرب يعرف مجموعة من الأحداث والوقائع التي تعدت أصداؤها الحدود الجغرافية.. ودفعت السلطات الأمنية إلى التدخل العنيف، مما جعل البلاد تعيش حالة استثناء غير معلنة..
لقد مست هذه الأحداث جنوب وشمال المملكة ووسطها وغربها، فقد تتبعنا أحداث الحسيمة والعيون بعد إقدام بعض الانفصاليين على حرق العلم الوطني ورفع شعارات لصالح البوليساريو..، ثم قرأنا استجوابا مثيرا لكريمة الشيخ عبد السلام ياسين وقبله استجوابا مماثلا للزميل علي لمرابط إثر زيارته للجزائر وتيندوف ولقائه هناك بمسؤولي جبهة البوليساريو وعلى رأسهم محمد عبد العزيز، أيضا لمسنا التصعيد الذي عرفته الحركة الاحتجاجية التي اشتد عودها داخل قطاعات متعددة، كذلك لمسنا تشديد لهجة الخطاب الإعلامي الحر تجاه مختلف الفاعلين السياسيين بمن فيهم الملك بوصفه الفاعل المركزي داخل النسق السياسي المغربي بفعل الفراغ السياسي القاتل وانسداد الأفق وكذا انتظارية الطبقة السياسية الملحوظة، ناهيك عن تطورات قضية الصراع المغربي الجزائري، وكذا النفق المسدود الذي وصلت إليه قضية الصحراء المغربية وتصاعد حملة اليمين الإسباني ومن يدور في فلكه ضد مصالح المغرب..
لا شك أن هذه العوامل مجتمعة شكلت المناخ العام الذي أطر كما أشرنا "نداء المواطنة" من أجل تحقيق الأهداف المرسومة له من قبل المهندسين الجدد للنظام.

ــ المعلن والخفي:
الملاحظ أن آلية "نداء المواطنة" التي تم اعتمادها في هذا الباب لا تختلف في الجوهر عن تلك التي تم استخدامها للدفاع عن المغاربة الأسرى بتندوف (ائتلاف وطننا)، حيث يتم توظيف بعض الوجوه المعروفة حقوقيا وفنيا.. داخل المجتمع المدني من أجل تسهيل عملية تمرير الإشارات السياسية.. وهي آلية تبقى محدودة في نتائجها على اعتبار أنها لم تكن نتاج نقاش هادف وجاد مفتوح في وجه كل الحساسيات والتيارات يتوج بالاتفاق حول طبيعة الآلية المعتمدة وكذا تحديد الأهداف المرسومة لها..
فمبادرة "نداء المواطنة" نجدها تعتمد على مرجعية أمنية، يريد أن يظهر أصحابها أنهم ملكيون أكثر من الملك.. وعلى آلية تريد اختراق نسيج المجتمع المدني والتواصل المباشر مع الرأي العام وخلق إجماع حول طروحاتها في غياب الأحزاب السياسية التي يتم استعمال بعض وجوهها كديكور لا أقل ولا أكثر.. أما أبطالها فنجدهم ضمن الموالين للمهندسين الجدد للنظام السياسي، هم البعض منهم البحث عن موقع سياسي والتقرب أكثر من دوائر القرار السياسي.. في حين تبقى أهدافها المعلنة التحسيس بالخطر الذي تعرفه البلاد والعمل على تحصين المكتسبات المحققة..أما تلك غير المعلنة فتتمثل في محاصرة المد الحقوقي والإعلامي الحر وكذا تحجيم هامش الحركة لدى الديمقراطيين.. وخلق قوة موازنة له على شكل جبهة جديدة للدفاع عن المؤسسات الدستورية وفق هندسة رضا اكديرة الجديد!؟
مازال المهندسون الجدد للنظام السياسي متمادين في استراتيجية البحث عن الإجماع حول بعض القضايا الكبرى داخل الرأي العام في غياب قناة الأحزاب كما كان الحال عليه زمن الراحل الحسن الثاني، ذلك أن هذا الأخير كان يتحكم في المشهد الحزبي عن طريق وزارة الداخلية وأجهزتها المتعددة، كما كان يستشيرها في غالبية القضايا الهامة ولم يكن التواصل بين قادة الأحزاب السياسية والقصر ينقطع، إذ كان وزير داخلية الملك الحسن الثاني المكلف بمهمة الحوار مع هذه الأحزاب يحرص كل الحرص على تطوير قنوات التواصل مع الهيآت السياسية اعتمادا على نظام المكافآت والامتيازات أو على علاقاته الشخصية مع نخبها..أما اليوم فقد اختلفت الأمور، إذ لعب البعض من هؤلاء المهندسين الجدد دورا في تهميش وتبخيس دور ومكانة الأحزاب السياسية في محطة أولى، وتقريب بعض الفعاليات المحسوبة على المجتمع المدني لتحل محل الأحزاب في محطة ثانية تحت تبرير أن الأحزاب التقليدية على وجه الخصوص لم تستطع مواكبة التطورات المتسارعة بعد تربع الملك محمد السادس على عرش المملكة وما شابه ذلك من التبريرات التي كانت تطالعنا بها بعض الأقلام الموالية لهؤلاء المهندسين الجدد.. وما زلنا نتذكر كيف كان البعض يرسم صورة لملك شاب ووزير أول متقدم سنا في إشارة إلى الإتحادي عبد الرحمان اليوسفي!! لتبرير مجموعة من القرارات السياسية كالإقدام على ضرب تجربة "التناوب التوافقي" من خلال تعيين التقنوقراطي إدريس جطو وزيرا أولا..

ــ المـحدودية:
لعل القارئ لمضامين "نداء المواطنة" تستوقفه مجموعة من الملاحظات:
ـ أولها أن النداء اعتمد على مفاهيم ومصطلحات فضفاضة، إذ لم يحدد على سبيل المثال الفئة المستهدفة مع العلم بأن حرزني أكد في أحد لقاءاته أن الفئة المعنية من هذه المبادرة هي بعض الإعلاميين الذين تجرأوا حسب قوله على تجاوز الحدود المعقولة!!
ـ ثانيها أن النداء لا يعتمد على المرجعية القانونية في التعامل مع التطورات المشار إليها. فأصحابه لا يقدمون مقترحات لتطوير ممارسة الحريات خاصة بالنسبة لحرية الصحافة التي تظهر أنها تزعجهم..في حين نجدهم يتحدثون عن الحدود والانضباط وما شابه ذلك.
ـ ثالثها أن النداء يسعى إلى التشويش على مناخ الانفتاح وفرملة المد الديمقراطي المتنامي، وبمعنى أكثر وضوحا الاهتمام بالقضايا الراهنة وترك ملفات الانتقال الديمقراطي إلى وقت لاحق.
دون شك إن الموقع الذي أضحت تعرفه الصحافة الحرة بالمغرب يعود إلى عدة عوامل يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي والمحلي بالإقليمي والدولي، وهي عوامل قفزت على حسبان الجهات التي قامت بخرجات إعلامية للدعاية للمبادرة المذكورة وشرعنة وجودها.. مع العلم بأن الوقوف على العوامل المشار إليها يجعل المتتبع للشأن السياسي يخلص إلى أن الواقع الحالي هو نتيجة لمقدمات سياسية معروفة.

ــ الهـرولة:
يقدم حرزني نفسه إعلاميا كصاحب هذه المبادرة إلى جانب بعض الفاعلين. فهذا اليساري المؤسس لتيار "لنخدم الشعب" زمن السبعينات نجده، اليوم، قد تحول مع بداية الألفية الجديدة إلى "لنخدم ..."؟ ضد من؟ ضد تطور الحريات والانفتاح السياسي المختزل في منظوره في الخطر المحدق بالملكية، مع العلم بأن الدفاع عن المؤسسة الملكية لا يحتاج إلى نداءات أو رسائل أو بيانات أو ما شابه ذلك. فالملكية محصنة بفضل الوسائل المادية والإيديولوجية للدولة كالجيش، العدل، الداخلية وأجهزتها المتعددة، الإعلام، المدرسة... وأيضا محصنة بشرعيتها ومشروعيتها سواء التاريخية أو الديمقراطية بعد المبادرات النوعية التي قام بها الملك محمد السادس في اتجاه تحديث المؤسسة الملكية على اعتبار أنها المؤسسة الوحيدة داخل النسق السياسي التي تتوفر على عناصر التوقعية، المصداقية والاستمرارية.
لقد كان حريا بحرزني ومن معه أن يجتهد في طرح أرضية قصد فتح نقاش سياسي هادف وجاد حول أسئلة المرحلة وكيفية الولوج إلى مرحلة الانتقال الديمقراطي التي لم نلجها بعد في أفق تشكيل جبهة ديمقراطية عريضة وواسعة للضغط على جيوب المقاومة ضد التحديث والدمقرطة ودفع الدولة والمجتمع معا إلى الانخراط في التحول الديمقراطي المنشود.
ونعتقد أن الجهات التي تحاول جاهدة التحسيس بالخطر الذي يتربص بالدولة قد أخطأت الطريق، كما أن الآلية التي اعتمدتها لن تخدم الدولة في شيء بل على العكس من ذلك تسيء إليها، الشيء الذي لن يعمل إلا على إعادة إنتاج، وبشكل أعمق، الأسباب التي اعتقد المهندسون الجدد للنظام أن النداء صيغ من أجلها!!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟