الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت شاهد، ساعة الاعتداء على الجواهري.. باضراب البانزين 1961!!

عدنان سلمان النصيري

2014 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


من منا لايعرف مكانة شاعرنا الملهم الجواهري(طيب الله ثراه) فهو يبقى بين اسماء الافذاذ الذين طرزوا صفحات تاريخ الادب والفكر العربي والعالمي باحرف من نور.
كل الامم الحيه تفتخر وتعتز بمبدعيها من المفكرين والعلماء والكتاب والشعراء. وما نخبة الاصلاء النجباء مثل هولاء من العراقيين ، الا جزءا حقيقيا من هذه الشعوب ويجب ان نقف لهم حبا واجلالا . بعدما طرزوا بملاحمهم الوطنيه ومقارعتهم للانظمه الاستبداديه اروع الملاحم الوطنيه والانسانيه.
وبالوقت ذاته يجب ان لانغفل التاريخ ،عندما حفظ بصفحاته السوداء شراذم مسحوقه ،من شواذ الناس وطراطيرهم ،من ذوي العقول الخاويه، وهم ينعقون باصواتهم النشاز كمعارضين لاية انجازات وطنيه تقدميه ، ومحاولة تشويه كل الصور المبدعه والجميله ، وافساد بهجة الحياة للانسان داخل الاوطان .
وقد تناولهم الامام علي (ع) في كتاب نهج البلاغه، بمبدع وصفه : (الغوغاء اذا اجتمعوا غلبوا واذا انفضوا غابوا ) .
وكذلك فقد تم ذكرهم في موقع اخر : (الناس ثلاثة عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق).
وكلنا يعلم بان التاريخ حريصا دائما على اعادة نفسه في اكثر حقباته .
وفي بداية عقد الستينات عاش كل الناس بالعراق مرحله سياسيه قاسيه، حبلى بكثير من التناقضات ، مهددة تفكيك لبناته على صعيد العائله صعودا بكل المجتمع ، بعدما صار شيطان السياسه المتطرفه يتلبس الكثيرين ، وخصوصا للجهله منهم ،الذين يشكون من انعدام التحصين المعرفي والسلوكي والاخلاقي ، فانقسمت بعض العوائل والبيوتات ما بينها، وانقسمت بعض المحلات والحارات الشعبيه كذلك ، لتتعمم الحاله المأساويه على صعيد المدن المنتشره من الشمال الى الجنوب ، مابين موالي ومعارض ، اصطفوا خلف راياتهم الملونه كما هي كانت رموزا وكنى لاحزابهم انذاك، وصار ديدنهم اليومي الاستدراج و الاستفزاز المتبادل مثل: ( انت اذا مو ويانه ..علينا!! ) الخ.. وكان اكثر الناس في حرج شديد من امرهم ، وبطريقة التفكير بخلاصهم من مثل هذاالمأزق .
في هذا المشهد الفوضوي من الحيص بيص، وبالضبط في سنة 1961 ،كان المكان حي الكراده ،الشارع العام المؤدي الى مرقد السيد ادريس ، وبالقرب من مسشفى عبد المجيد.. وفي ظل غمرة الانجازات والوطنيه وتنامي الشعبيه والتاييد لجمهورية عبد الكريم قاسم . والتعبير بهتافات الكادحين من الفلاحين والعمال للزعيم الاوحد .. وخصوصا الهتافات التي كانت تعبرعن طبيعة سذاجة اكثر الناس وعفويتهم في ذلك الوقت ،كما في: (يحيا الزعيم اللي زيَد العانه فلس) و( كرد وعرب فد حزام)و( ماكو زعيم الا كريم كوا ....د بعثيه) (وين الخوه وين العون رديت لاصلك فرعون), ويقصد بها سياسة عبد الناصر . نرى في الجانب الاخر قوى معارضه من القوى الاقطاعيه والموالين للنظام الملكي البائد والموالين للغرب ، مع القوى التي تدعي تبني ايديولوجيات قوميه ووحدويه ،وكلها صارت تعمل على تقويض السلطه وافشال تجربة الحكم باي شكل من الاشكال. وصارت تعبئة الشارع بشعارات مضاده تدعي للسخريه والاشمئزاز احيانا مثل : (نزيهه بالت على الجسر وإتزحلكَـ المهداوي) ، ونزيهه الدليمي هي اول وزيره من النساء بعد ثورة 14 تموز1958.
في مثل هذه الاجواء المشحونه حدث هناك ومن قبل عناصر مسيسه معارضه للسلطه، وهي تحرك لفيف من الصبيه المراهقين والجهله معصوبي البصر، وفاقدي البصيره ،ممن يحملون بذور الفتنه والعداء لكل شيئ اسمه تقدمي ونظام تنموي اقتصادي،والتصدي لكل شيئ اسمه ديمقراطي حر، وممن تنطبق عليهم صفة الغوغاء اكثر مما ينطبق عليهم صفة المعارضه الجماهيريه المشروعه . امثال هؤلاء قاموا بقطع الشارع العام ومنع سير المركبات ، ووضعوا بمتاريسهم على عجل، وكانت عباره عن كرويتات خشبيه ومناضد لمقهى قديم مجاور ، مع استخدام التايرات المحروقه وسط الشارع، وعدتهم كانت من الحجاره والقناني الفارغه، معلنين احتجاجهم على سياسة الدوله ، عند زيادة سعر غالون البنزين (ويساوي 4.5لتر) حيث اصبح 10 فلوس بدلا من 6 فلوس .
وهكذا كان عليه المشهد، عندما كنت صبيا بعمر احدى عشر سنه، مدفوعا بنوازع الفضوليه لاستكشاف كل الاحداث، غير مباليا بكل الاخطار الناجمه، وحريص دائم على نيل السبق الصحفي بنقل الخبر، كما في سياق مهنة الصحافه والاعلام.
فوسط مثل هذا الهرج والمرج .لفت انتباهي رجل كهل وقور يمشي الهوينا على الرصيف وهو متأبطاً كتابا، ومرتديا طاقيته اي (عرقجين )، فسارع البعض من جمهرة الرعاع الى تاليب الاخرين على شخص شاعرنا الكبير الجواهري ،واثناء لحظة مروره على جانب الرصيف قريب من الحشد.. وصاحوا :انه الجواهري ، فتوجهت كل الانظار عليه، وتعرض له البعض بالسنتهم العفنه، وبالالفاظ النابيه بالسب والشتم. فلم يأبه رحمه الله لكل ذلك الاستفزاز ، وحاول مواصلة السير بسلام متجاهلا لصبيانيتهم وسط مظاهر الغوغاء بالصفير والزعيق ، حتى صار بعضهم يقذفه بالحجاره، وقد اصاب احداها جبهته . فتحامل الامر بشجاعه وأدب ، بصبر الفرسان ، واستل منديله من جيبه ليمسح به دمه الشريف، المسال على وجنتيه الذابلتين ، وارتجز بيت من الشعر، للاسف لم احفظه، ولكن بقيت معانيه شاخصه بذاكرتي طيلة خمسين سنه، وبما معناه :
يا ايها الهمج ..التاريخ سيلعنكم مع كل افعالكم المشينه بحق الشرفاء والوطن .
*و لم تمضي نصف ساعه حتى حضرت بضعة شاحنات مشحونه بالجنود، وترجل منها احد الضباط(امر القوه) ليتحاور مع الحشود بالحسنى . وفتح الطريق ،وليتفاجئ بوابل من الحجاره ، التي على اثرها شج رأسه هو الاخر ، وصار ينزف بغزاره ، فتملكته هستيريا نزف الدم ، وصار يصدر اوامره السريعه بفتح النار، لتفريق حشد المحتجين..مما ادى الى جرح البعض، وقتل البعض الاخر .
وتحت هدير الرصاص ،اطلقت ساقاي للريح ،لاجد نفسي قرب داري ، وصار يدوي في داخلي كلام عظيم لذلك الانسان العظيم، صاحب العنفوان الابدي ،ابو الفرات، ولم يبرح مخيلتي ولحد هذه الساعه وهو يرتجز بيت شعره صابا لعنته الابديه على كل طراطير الامه وغوغائيها.
وفي خاتمتي هذه لم اجد اروع وانسب من هذه الابيات الخالده، كما هو في مطلع قصيدة الجواهري، وهي مستنكره لكل المظاهر التعسفيه اين ومتى وجدت ،حيث فعلت هذه القصيدة فعلتها عام1945 ،و منذ ذلك الوقت اصبحت بين ليلة وضحاها ترددها كافة الناس، من كهول،وشباب ، وفتيان، وحتى الصبية. ولقد حملت هذه القصيدة أفكاراً انتقادية حاده تصلح في كل زمان:
أي طرطرا تطرطري.. تقدمي تأخري
تشيعي تسنني .. تهوّدي ، تنصري
تكردي ، تعربي .. تهاتري بالعنصر ِ
تعممي ، تبرنطي .. تعقلي ، تسدري
كوني – اذا رمت العلى .. من قبُل ٍ أو دبر
صالحة " كصالح "ٍ.. عامرة " كالعمري "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا