الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع البترودولار والبترودينار-ثانيا

حمزة الجواهري

2014 / 2 / 19
الادارة و الاقتصاد


إنها حقا لقسمة ضيزا:
قبل عام تقريبا كتبنا حول مشروع البترودولار عندما كان دولارا واحدا، أي قبل أن يتعملق ليصبح خمسة ثم يزداد تعملقا ليصل إلى عشرة دولارات تقريبا، وذلك بعد اضافة الغاز وتصفية النفط، ولا ندري غدا ما الذي سيضاف؟
وقتها، أي قبل عام، طالبنا أن يكون الدولار الواحد مخصصا للمحافظات الغير منتجة للتعويض عن حالة الخلل التنموي الذي سينشأ بين المحافظات، حيث استفادت المنتجة للنفط من مشاريع تطوير الحقول وما سيرافقها من تشغيل أيدي عاملة ومشاريع واستثمارات أخرى تساهم بتحريك الاقتصاد فيها بقوة، في حين ستبقى الغير منتجة، ورغم فقرها، لا تحظى بشيء من هذا القبيل، لكن الذي حدث هو العكس تماما، وهذا هو شأن العراق العظيم، كل شيء بالمقلوب، فذهبت العشرة دولار للمحافظات المنتجة، في حين بقيت تلك الفقيرة تزداد فقرا، ذلك لأن الدولارات العشرة ستؤخذ من حصتها في الميزانية، وبالتالي ستكون ميزانيات تنمية الأقاليم المخصصة لها أقل مما ستكون عليه.
الحكومة، وبعد أن استشارت مجموعة من خبراء الاقتصاد والسياسة والفنيين في ندوة عقدتها هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، بعد النقاش وجدت الهيئة أن الخلل التنموي سيكون كبيرا بين هذي وتلك من المحافظات والأقاليم، لذا قررت معالجة الموضوع وفق رؤيتها التوفيقية، لكي لا يزعل أبناء المحافظات المنتجة، وهو تخصيص مبلغ تم تسميته ""بالبترودينار"" هدفه سد الخلل التنموي الذي لا مناص من حدوثه، فاقترحت رقما خجولا وهو ثلاثة آلاف دينار لكل برميل، أي أقل من ثلاثة دولارات، في حين كان يجب أن تمنح هذه الثلاثة آلاف للغير المنتجة من دون منح المنتجة ما يقرب من عشرة دولارات، أو على الأقل تضاف عشرة دولارات للثلاثة آلاف بترودينار، لكن، مع ذلك، ارتفع زعيق السياسيين من المحافظات المنتجة معتبرين هذا التخصيص، الذي لم يقر لحد الآن في مجلس الوزراء، أعتبروه نوعا من الإلتفاف على حقوق المحافظات والأقاليم المنتجة، أي إلتفاف على مشروع العشرة دولار وعشرين دولار لللإقليم، وكأن أبناء المناطق الغير منتجة ليسوا عراقيين ولا حق لهم مساو لغيرهم بعائدات النفط!
إنه العجب العجاب، ولا أعتقد أن شيئا من هذا القبيل يمكن أن يحدث في بلد غير العراق العظيم.
وهكذا دخل البترودينار، التوأم للبترودولار، ومن قبل أن يرى النور، دخل في صراع مع شقيقه التوأم في صراع من أجل البقاء.
أنها حقا لكوميديا سوداء، وليس قسمة ضيزا وحسب.
الدستور والتوزيع العادل للثروة:
الدستور الذي يحاول أخوتنا الكورد تحويله إلى خرقة بالية لكثرة التجاوزات عليه، هذا الدستور يتحدث عن المحرومية ولا ريب، فقد نص في مادته112- أولا على:
"" تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة، على ان توزع وارداتها بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدةٍ محددة للاقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورةٍ مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد.""
نرى بوضوح تام، لم يحدد الدستور أن يكون التعويض عن المحرومية مقتصرا على مناطق دون سواها، بل لكل مناطق العراق، وحيثما وجدت المحرومية، فإذا كان هناك حق بالحصول على بترودولار أو بترودينار لتعويض المحرومية يجب أن يخضع لمعيار اقتصادي مبني على أسس علمية سليمة وليس ديماغوجية مشوهة بلا معالم تمنح الأكثر نموا لتزيد من محرومية المحروم منذ الأزل ومازال في قاع سلم النمو الاقتصادي.
حيث أن هذه المادة تشير بوضوح تام إلى أن الحكومة الاتحادية ملزمة بتوزيع الثروة توزيع عادل وتمنح المناطق المحرومة حصة إضافية من الثروة لفترة محدودة لسد الفجوة التنموية بينها وبين المناطق التي حضيت بقدر أوفر من التنمية، على اعتبار أن الجميع محرومين، وأن معدلات الفقر والبطالة ومؤشرات التنمية الأخرى في مناطق العراق المختلفة تشير إلى أنها متدنية، أو متدنية جدا، في جميع مناطق العراق وليس في المناطق المنتجة فقط كما يدعي سياسيوا المناطق المنتجة للنفط، لذا لا يمكن اعتبار الثرثرة على الفضائيات مؤشرات منطقية لمنح البترودولار أو شقيقه التوأم بترودينار.
كما وأن المادة 111 تنص على أن "" النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات""، أي أن للجميع حقا متساويا بعائدات النفط سواء كانوا من أبناء المحافظات المنتجة أو الغير منتجة، لذا لا يوجد مسوغ قانوني أو دستوري يسمح بمنح المحافظات والأقاليم المنتجة مبلغ خمسة دولارات، وصلت إلى عشرة فيما بعد، أما في كردستان فإن الرقم قد وصل إلى عشرين، وهذا سنحاول شرحه في السياق، في حين تحجب عن المحافظات غير المنتجة رغم أنها الأكثر محرومية من غيرها.
كيف نحسب العشرة دولارات للمحافظات المنتجة أو العشرين بترودولار لكوردستان؟
كما أسلفنا، الخمسة دولار هي في الواقع أكثر من ذلك بكثير، فهناك خمسة أخرى للبرميل المصفى، وخمسة لكل 150 متر مكعب من الغاز المصاحب أو الحر، وخمسة للغاز المصنع، وها نحن نتحدث عن رقم كبير يصل إلى أكثر من8 دولار للبرميل، وقد يصل إلى10، كون الغاز هو بالأصل مصاحب للنفط ومعظم المصافي والمصانع البتروكيماوية مستقبلا كلها ستكون في المحافظات المنتجة، أضف إلى ما تقدم، أن عقود كوردستان تمنح الإقليم حصة أخرى من النفط مقدارها10%، أي أكثر قليلا من10 دولار كريع قبل تقسيم حصص الدولة والشركات، وهكذا ستكون حصة الإقليم مضاعفة، أي تصل إلى عشرين دولار للبرميل قبل أن يأخذ الإقليم حصة17% من الميزانية، والشركات هي الأخرى ستأخذ حصة من النفط تصل إلى38% وحصة أخرى من الغاز تصل إلى40%، وهذه الأخيرة تعادل تقريبا9% من النفط المكافئ، وهكذا نستطيع القول أن ما سيتبقى للعراقيين من نفط كوردستان تحديدا سوى الفتات الذي لا يغني من جوع، لأن حصة الإقليم والشركات معا تصل إلى حوالي82% كما هو واضح، وما سيتبقى للخزينة المركزية هو18% من النفط المنتج من كوردستان.
إن النشاط الاقتصادي المرافق لتطوير حقول النفط يمكن حسابه بشكل تقريبي من خلال حجم المشاريع الاستثمارية فيها ، حيث أن الشركات تصرف أموالا طائلة في البلد قد تصل إلى أكثر من30% من قيمة مشاريع التطوير، ولو عرفنا أن قيمة مشاريع التطوير حتى اكتمالها قد تصل إلى300 مليار دولار، أي أن المبالغ التي ستصرف في المناطق المنتجة كنتيجة لعمليات التطوير قد تصل إلى100 مليار دولار خلال الخمسة أو الستة سنوات القادمة، وهذه أموال ستجعل من عجلة الاقتصاد تدور بسرعة هائلة، ولا مجال لمقارنتها باقتصاد الغير منتجة.
باختصار الخلل التنموي سببه:
ما تقدم، يعني أن المناطق المنتجة للنفط والغاز تتمتع بثلاثة مزايا عن غير المنتجة، هذه المزايا تعتبر من أهم أسباب الخلل في النمو الاقتصادي بين المناطق.
الأول- يتمثل بوجود مشاريع تطوير الحقول العملاقة وما يرافقها من أنشطة اقتصادية.
والثاني- أن البترودولار والريع الكوردستاني، سيزيد من قوة نشاطها الاقتصادي.
والثالث- وما يزيد الطين بلة هو أن الأموال التي ستخصص للبترودلار ستكون على حساب حصة المحافظات الغير منتجة، فالمحافظة الغير منتجة التي كانت تستلم قدرا معين من المال، ستستلم قدرا أقل منه بنسبة تتراوح ما بين8% و12% تقريبا.
المناطق المنتجة، بهذه الحالة، وبعد فترة قصير من الزمن، ستتمتع بمستويات تنمية عالية جدا مقارنة بتلك الغير منتجة، وليس أدل على ذلك من مثال كوردستان نأخذه كشاهد حي، فقد تمتع الإقليم بنوع من الاستقلالية الاقتصادية عن المركز منذ العام1993 ولحد الآن، وقد وأخذ أكثر من حصته بكثير، لذا نجد حاليا أن الفرق بالتنمية كبير جدا بين الإقليم ومناطق العراق الأخرى، ولو تركنا الأمور تسير على هذا المنوال سنجد بعد عشر سنوات من الآن، أن مدن المحافظات المنتجة للنفط والإقليم تبدو كما نيويورك بالمقابل مدن أخرى يعيش سكانها في صرائف أو بيوت من طين.
أود الاشارة هنا إلى نقطة أخرى تتعلق بالاجحاف بالتوزيع للثروة، وهو اجحاف نسبي، متمثلا بعدم عدالة التوزيع بين المحافظات المنتجة والمصنعة للنفط ذاتها، فقسم منها تحصل على قدر يسير من الأموال كنتيجة لوجود مصفى صغير فيها مثل النجف أو القادسية، مقارنة بأخرى تتمتع بوجود حقول عملاقة ومصافي عملاقة أيضا.
وعليه أجد أن هذا التوزيع غير عادل بالمرة، وأن من مسؤولية الدولة حساب المسألة على أسس اقتصادية وليس على أساس صراخ ديماغوجي هدفه الأول والأخير استدرار عواطف أبناء المحافظات المنتجة للنفط للفوز بمقاعد انتخابية في الدورة القادمة، وللأسف الشديد، ركب هذه الموجة كتل سياسية كبيرة راحت هي الأخرى تغازل سكان المناطق المنتجة للنفط من أجل أصواتهم أيضا.
لذا يجب على للدولة، وعلى وفق المواد الدستورية110 و111 و112- أولا تخصيص صناديق تنمية لسد الخلل التنموي بين المحافظات والأقاليم الغير منتجة، قد تكون هذه الصناديق واحدا منها مخصص للتنمية الصناعية وآخر لتنمية الزراعية وآخر للتنمية البشرية، وهكذا يجب أن يتم انشاء عدة صناديق تنموية كمؤسسات اقتصادية راقية تحدد مواطن الخلل التنموي القطاعي بين المناطق المختلفة من العراق لتوجيه الشقيقين "دولار ودينار" نحو سد فجوات الخلل التنموي، ذلك لأن الدولة يجب أن تحرص على تنمية متوازنة بين مناطق العراق المختلفة على وفق ما جاء بالدستور، وهذه مسؤولية الحكومة الاتحادية تحديدا، ويجب مراقبتها مراقبة شديدة من قبل البرلمان.
الخلاصة:
الثروة في الأساس يجب أن توزع على شكل تنمية وليس أموالا يتم تقسيمها بالمعارك البرلمانية البائسة، وعليه يجب إلغاء قانون البترودولار، وكما أسلفنا، إنشاء صناديق تنموية متعددة الوظائف يديرها اقتصاديون ومهنيون في مجالات اختصاصهم وبعيدون عن أروقة السياسة لسد الخلل التنموي بين المناطق سواء كانت منتجة للنفط أو غير منتجة، وهذه الصناديق عبارة عن مؤسسات اقتصادية متكاملة تنسق عملها مع المحافظات والأقاليم مباشرة.
هذه الطريقة تعد الأكثر عدلا من غيرها بتوزيع الثروة، وذلك من خلال التركيز على التنمية القطاعية للنهوض باقتصاد البلد بشكل متوازن.
وبهذه المناسبة أدعو الاخوة الاقتصاديون لدراسة هذه الفكرة المتواضعة وإنضاجها لتقدم كمشروع للحكومة وتشرع كقانون في البرلمان.
ولمن فاته قراءة الجزء الأول من المقال يمكن الرجوع إليه من خلال الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=400790
ولقراءة المقال المنشور قبل أكثر من عام حول نفس الموضوع، من خلال الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330127
19-02-2014
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام


.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با




.. كلمة أخيرة - 60 طن ذهب..رئيس-أيفولف-: مصر الأولى عربيا والثا