الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولتان إلى جانب دزلة الأسد

نزار آغري

2014 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



أعلن حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي ( وهو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني) وفي أجواء احتفالية صاخبة عن إنجاز ما أسماه "الإدارة الذاتية في غرب كردستان". وغرب كردستان هو مصطلح يستعمله هذا الحزب في إشارته إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا. وعلى مصطبة هذه الإدارة الذاتية أقام الحزب حكومة محلية تضم، شأن أي حكومة في العالم، وزراء ومدراء ومسئولين. ويفترض أن تسري سلطة هذه الحكومة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا وتمتد من المثلث الحدودي الذي تلتقي فيه أطراف سوريا والعراق وتركيا وصولاً إلى الشمال السوري الأقصى أسفل سهل حران التركي. وتضم هذه الرقعة، التي تفتقد إلى اللحمة الجغرافية، مناطق الجزيرة وكوباني ( عين العرب) وعفرين. وعلى الجانب الآخر من تخوم هذه "الكانتونات"، كما ورد في بيان الحزب الكردي، تمتد الأرض التي تسيطر عليها قوات دولة العراق والشام ( داعش) مثل اليعربية والشدادي ومنبج وإعزاز والباب وسواها. ولولا أن ثمة نزاع دموي بين الجانبين، أي دولة الحزب الكردي ودولة العراق والشام، لربما عمدا إلى تبادل السفراء وأقاما علاقات إستراتيجية ونقاط حدودية مشتركة.
وهكذا ففي الوقت الذي كان نظام بشار الأسد يواصل حربه الرهيبة على السوريين في دمشق وحلب وحمص وحماه ودرعا ودير الزور ويلقي عليهم البراميل المتفجرة ويدك البيوت على رؤوس ساكنيها ويمنع الغذاء عن الناس ليموت جوعاً من لم يمت بالبارود، كان أنصار الحزب الكردي ينزلون إلى الشوارع يرقصون ويغنون، في سلوك مجلل بالعار ينعدم فيه أدنى حس من أحاسيس التعاطف الإنساني، دع عنك أحاسيس التضامن مع أبناء البلد الواحد، مع ضحايا بربرية دولة بشار الأسد.
وليس غريباً أن النظام لم يعترض على قيام هذه الحكومة، الانفصالية، هو الذي دأب يرسم نفسه قلب العروبة النابض والمدافع الأمين عن وحدة البلد وسيادته واستقلاله. وهو لم يعترض من قبل على ظهور دولة داعش التي انبثقت من تحت التربة في شرق سوريا وشمالها ولم تجد صعوبة في الاستيلاء على مدن وبلدات بأكملها إلى حد أنها جعلت من الرقة ما يشبه عاصمتها. فهذه الدولة، الإسلامية، التكفيرية، التي شرعت من فورها في ذبح الناس وترهيب أبناء الأقليات الدينية والمذهبية لم تصطدم باعتراض النظام الذي لا يكف عن تسويق نفسه، أيضاً، بأنه نموذج الحكم العلماني المدافع عن الأقليات.
ورغم الاختلاف الكبير بين دولة داعش ودولة الحزب الكردي، من حيث المرجعية الإيديولوجية والأهداف، فإن أوجه شبه كثيرة تجمع بينهما وتجعلهما تبدوان وكأنهما توأمان خرجا من بطن واحد.
كان قادة وأنصار الحزب الكبير معتقلين عند النظام، حالهم حال القادة والأنصار في دولة العراق والشام. فلما فجر السوريون ثورتهم وأدرك النظام عجزه عن كسر الثورة، وسعياً في الالتفاف عليها وتقليص دائرة المنضوين فيها عمد، من دون إبطاء، إلى إطلاق سراح المعتقلين لديه من خصومه السابقين.
كان أنصار الحزب الكردي، من قبل ، أعضاء في حزب العمال الكردستاني الذي دأب النظام يستعمله ورقة ضغط على تركيا منذ زمن طويل. وقد أقام الحزب قواعده في المدن السورية وأنشأ معسكراته في منطقة البقاع اللبناني الذي كان خاضعاً لسيطرة الجيش والمخابرات السورية. وكان زعيم الحزب، عبدالله أوجلان، يقيم في شقق محروسة في دمشق واللاذقية. وحين هددت تركيا بالقيام بعمل عسكري وشعرت السلطات السورية بجدية التهديد عمدت إلى طرد أوجلان وأغلقت معسكراته. وتحسنت العلاقات بين الجانبين حتى توجتها صداقة شخصية متينة بين طيب أردوغان وبشار الأسد. ووجد أنصار الحزب الكردستاني أنفسهم وراء قضبان سجون بشار الأسد، فيما انتهى الحال بأوجلان سجيناً مؤبداً في جزيرة إمرالي في بحر إيجة.
غير أن ثورة السوريين غيرت الكثير من الوقائع. لقد تحطمت صداقة أردوغان والأسد وتحولت تركيا من دولة حليفة شديدة الوثوق إلى أكثر البلدان حماساً في مواجهة الحكومة السورية. وكان هذا هو الوقت المناسب للعودة إلى الأوراق القديمة والاستفادة منها في أوقات الضيق. ووجد صالح مسلم، رئيس النسخة السورية من حزب العمال، نفسه، شأن سواه من رفاقه في الحزب، طليقاً. بل إن السلطات السورية طلبت إليه السفر فوراً إلى جبل قنديل في كردستان العراق للاجتماع إلى قادة حزب العمال الكردستاني. ولم يمر وقت طويل قبل أن يعود ومعه المئات من المقاتلين مع أسلحتهم. وجرى منحه جواز سفر وصار يسافر، من مطار دمشق أو بيروت، إلى عواصم العالم ويشترك في المؤتمرات وأصبح هو وحزبه ورقة صعبة على الساحة السياسية السورية.
كان الكرد السوريون يشاركون بقية السوريين نزوعهم للتمرد على واقع الحال والسعي في التخلص من استبداد الحكم. غير أن ظهور حزب الاتحاد الديمقراطي المفاجئ وانتشاره السريع وتعزز قوته وتسلح أنصاره شكل ما يشبه قوة ردع هائلة أمام الحراك الكردي. وعمد الحزب إلى وضع ما يشبه الجدار العازل أمام التحام الكرد مع بقية السوريين وصار يلاحق الناشطين ويضرب المتظاهرين ويقمع المخالفين لأوامره وأقام نقاط تفتيش مشتركة مع قوات الأمن السورية وأنشأ سجوناً يزج فيها بمن يشتبه في تواصلهم مع ثورة السوريين. وينهض خطاب الحزب الكردي على مقولة ثابتة يكررهها في كل لحظة تقوم في اعتبار الائتلاف الوطني السوري عدواً لدوداً تنبغي محاربته بكل قوة ( وهذا ما تفعله دولة داعش). وهو يقف جنباً إلى جنب رجال الأمن السوري والجنود السوريين في حماية مقرات الأمن ومكاتب حزب البعث، يساعده في ذلك مجموعة من الشبيحة المحلية المكونة من العشائر الموالية لحكومة بشار الأسد.
يبدو وكأن الحكومة التي أقامها الحزب هي هدية السلطة له على حسن قيامه بدوره في ردع الكرد والسيطرة بقوة السلاح على ميدان الناشطين والقيام بكل ما يلزم للحيلولة دون خروجهم من تحت السيطرة. ولأن السلطات السورية تعرف شغف منتسبي الحزب المرضي بالشعارات الطنانة وحبهم للاستعراض فإنها لم تجد ما يمنع السماح لهم بحشد الأنصار ورفع الأعلام ومن ثم الإعلان عن قيام حكومة هي أشبه بحفلة أطفال في عيد الهالوين.
وحين يجد النظام أن وقت الهزل انتهى لن يجد صعوبة في تفكيك هذه الحكومة الكاريكاتورية مثلما يفكك المرء علباً من الكرتون. ومن يدري فقد يجد الوزراء الأفاضل أنفسهم في طائرة تنقلهم إلى جهات بعيدة مثلما جرى للسيد عبدالله أوجلان الذي طاف في مطارات أثينا وروما وموسكو وكينيا قبل أن يحط به الرحال في سجن إمرالي الشهير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول


.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب




.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام


.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير




.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية