الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البصرة طالبت بالفيدرالية قبل قرن من الزمان

سردار عبدالله

2005 / 6 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إننا اذ نقف اليوم ولا يفصلنا عن موعد الانتهاء من كتابة الصياغة النهائية للدستور الدائم للعراق الجديد إلا قليل, يجب ان ندرك حساسية المسألة بدقة كبيرة ونرى جميع ابعاد ما حدث فعلا, لكي نستطيع ان نقرر بصورة دقيقة وصحيحة وعادلة مستقبلا لائقا ببلدنا وشعبنا, لكن الوصول الى هذه النتيجة ليس هينا كما قد يبدو, وهو يحتاج الى قدر كبير من الحكمة ووضوح الرؤية, وكذلك الى كم هائل من الشجاعة. اننا نقف امام التحدي الكبير الذي يتوقف عليه الكثير مما ينتظر مستقبلنا ومستقبل المنطقة برمتها, نقف امام اشكالية الماضي والمستقبل, انها معادلة التاريخ المصير التي لا يوجد مهرب من حلها حلا منطقيا وصحيحا, انها المعادلة السرطانية التي يتوقف كل شيء على حلها, والمشكلة الاكبر هي انها لا تحتمل حلا خطأ وليس هنالك فرصة او هامش لارتكاب اخطاء, لذا فليس امامنا من مهرب سوى النجاح, وللحقيقة ايضا فهو ليس بتلك الصعوبة التي قد تبدو لاول وهلة والعراقيون قادرون على اجتياز هذا الامتحان بامتياز كبير . المسالة ببساطة شديدة هي اننا لكي نضمن مستقبلا مشرقا يجب ان نتمكن من الاجابة على اسئلة الماضي بصورة صحيحة ودقيقة ومنطقية, او بعبارة اخرى لكي نضمن المصير علينا ان نجتاز وبامتياز امتحان قراءة التاريخ قراءة دقيقة متانية. اي بوضوح اكثر لكي نتجنب النتائج الكارثية التي رافقت البناء الاول للدولة العراقية الحديثة علينا ان نتجنب الوقوع في الاخطاء نفسها التي حدثت على الرغم من ارادة العراقيين ومن دون مساءلتهم, او تمت مساءلتهم لكن القرارات اتخذت فيما بعد ليس بناء على مصلحة العراقيين وبناء على رغبتهم وارادتهم, بل ان تلك القرارات وللاسف فرضت على الشعب العراقي من قبل الانكليز, وهذه الحقيقة صبغت العراق وتاريخه الحديث بصبغتها الدموية الخاصة, ولان التاسيس الاول جاء على اساس من القمع وتجاهل كبير لارادة العراقيين فلم يكن هناك من طريقة للاستمرار سوى القمع, فكانت النتيجة الحتمية انهيار دولة القمع التي يجب ان تتاسس على انقاضها دولة الحق والعدالة, الدولة التي تعبر عن اماني ورغبات جميع العراقيين بمختلف الوان الطيف العراقي ودونما استثناء لاي لون من الوان هذا الطيف, الدولة النابعة فقط من ارادة العراقيين والمعبرة عن مصالحهم ووحدتهم ووحدة بلادهم.
عندما تأسست الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الاولى كانت معضلة التاسيس حاضرة بكل اسئلتها الوجودية الكبيرة, لذا فقد رافق التاسيس شد وجذب وصراعات مريرة لم يكن منطلقها الرئيسي هو الحرص على العراق ومصالح العراقيين, فقد لجا الانكليز الى القمع وفرض خياراتهم بالقوة, هذه الحقيقة تبدو ظاهرة للعيان بقليل من التدقيق في بدايات التاسيس في كثير من الامور ولكن يكفي ان نركز هنا على ثلاثة من هذه الامور لكي تتضح الرؤية على اشدها. الخطا الاول الذي ارتكبه الانكليز هو انهم لم ياخذوا ارادة العراقيين بنظر الاعتبار في حسم قضية عرش العراق, بينما كان الكثير من العراقيين يطمحون في اعتلاء عرش بلادهم - وهذا حق طبيعي - قرر الانكليز فرض الامير فيصل بن الحسين الذي كان قد خرج لتوه من مشاكل الشام الدموية, والجانب الاكثر قتامة في هذا المشهد والمغيب عن الذاكرة العراقية هي ان هذه العملية القسرية كان لابد ان تتم على حساب قمع رغبات الكثير من ابناء العراق ورجالاته, فعلى سبيل المثال قام الانكليز برفض جميع المرشحين العراقيين المؤهلين لاعتلاء عرش بلادهم ووصل الامر حتى الى نفي السيد طالب النقيب الى خارج العراق. المسالة الثانية التي ارتكب فيها الانكليز خطا كبيرا هي مسالة نظام الحكم في العراق, فقد طالب الكثير من سياسيي العراق ورجالات ذلك العهد بتاسيس نظام جمهوري في العراق لكن الانكليز تجاهلوا هذه المطالبات بذريعة ان العراق لم يصل بعد الى درجة من الرقي تؤهله لتاسيس نظام جمهوري, وعلينا ان نتصور هنا حجم الاهانة التي لحقت بالعراقيين, هذه المطالبات بدات مع بداية تاسيس الدولة العراقية واستمرت بالظهور بين الفينة والفينة, حتى انها ادت الى اغتيال توفيق الخالدي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في الوزارة النقيبية الثانية, في هذه المسالة بالذات لم يكتف الانكليز بقمع العراقيين فقط بل ان قمعهم طال حتى السياسيين البريطانيين الذين كانوا يدعمون العراقيين في هذه المطالبات, فعلى سبيل المثال قاموا بنفي السياسي البريطاني الذي اسلم وكان يعرف باسم عبد الله فيلبي وكان يشغل منصب المستشار في وزارة الداخلية العراقية انذاك.
المسالة الثالثة والاخطر اطلاقا هي ان الانكليز تجاهلوا راي العراقيين وارادتهم في شكل الدولة التي يريدون العيش فيها, فقد كانت نتيجة الاستفتاءات التي اجريت بين الكرد على تولي فيصل عرش العراق سلبية, فجاءت النتيجة ان اهالي السليمانية قاطعوا الاستفتاء بينما صوت اهالي كركوك ضد فيصل فيما صوت له اهالي لواء اربيل والموصل بشرط الحفاظ على حقوق الاقليات المنصوص عليها في معاهدة سيفر, ومع ذلك فلم يحسب لهذه النتائج اي حساب. على الجانب الاخر وفي اقصى جنوب العراق كانت البصرة تغلي حتى قبل وصول الامير فيصل الى العراق. فقد قام رجالات البصرة واعيانها المتنفذين كما تصفهم ((المس بيل)) في مذكراتها برفع الكثير من العرائض مطالبين فيها معاملة البصرة معاملة خاصة, حتى انهم قدموا عريضة مفصلة ومهمة جدا الى المس بيل والمندوب السامي البريطاني في العراق انذاك السير بيرسي كوكس في اليوم الذي صادف وصول الامير فيصل الى ميناء البصرة, ان ما يطرحه اعيان البصرة في تلك العريضة من صلاحيات اقليمية واسعة للغاية, فهم يطلبون ان يكون لولاية البصرة شرطة وجيش وسلطات جباية ضرائب خاصة بها وان تكون تحت علم وسيادة ملك العراق. وكما نعلم فان هذه المطالبات قوبلت بالرفض والقمع ايضا.
والان ونحن نقف امام لحظة استحقاق مصيرية كبيرة وحساسة للغاية علينا ان نرتقي الى المستوى الذي يؤهلنا لاستيعاب الدرس الكبير الذي يقدمه لنا تاريخ العراق في بدايات تاسيسه كدولة حديثة, وعلينا ان نتجنب الوقوع في الاخطاء نفسها, فمن الواضح بان القمع لم يفلح الحيلولة دون تاسيس النظام الجمهوري في العراق, ولكن لان المطالبة باعتماد النظام الجمهوري جوبهت بالقمع فانها لم تاتي طبيعية وباساليب مدنية, فكانت النتيجة هي ان العراقيين كانوا اول من علم العرب طريق الانقلابات العسكرية التي تواصلت الى ان جاءت بالنظام الجمهوري, ولكنها جاءت به على طريق مليء بالدماء صبغ تاريخ العراق الحديث بمرحلة دموية انتهت بالمقابر الجماعية التي تاوي عشرات الالاف من العراقيين الابرياء. كما ان قمع مطالب الكرد وكذلك قمع مطالب اهل البصرة بنوع واسع من الفيدرالية انذاك لم تنجح في واد احلام العراقيين في التمتع بنظام لامركزي عادل يضمن المحافظة على الخصوصيات والحقوق المشروعة, وها نحن نشهد اليوم ازدهار المطلب الفيدرالي الذي دشن في كردستان ويستمر في التقدم على طريق الترسيخ في بقية مناطق العراق وفي مقدمتها البصرة. بعد كل هذه السنين الطويلة المريرة, وبعد كل هذه الانهار من الدماء, وبعد اثبات الفشل الذريع للنظام المركزي الذي تحكمه اقلية طائفية ضيقة, بات لزاما على العراقيين ان يفهموا هذا الدرس التاريخي الكبير ويستوعبوا مضامينه ودلالاته العميقة, فلا يمكن الاستمرار بالحفاظ على كيان هذه الدولة بنفس الاساليب القمعية البالية التي لم نجن منها سوى الدمار والخراب. فالمهم ونحن نقف امام امتحان صياغة واقرار الدستور الدائم ان نتجنب اخطاء التاسيس الاول, اي ان نشرك جميع العراقيين في عملية رسم مستقبل بلادهم ولا نستثني منهم اي طيف مهما كان حجمه, وان يكون الدافع والمنطلق الاساس هو مصلحة العراق ووحدته التي لا يمكن ضمانها الا ببناء دولة ديمقراطية فيدرالية عادلة تعبر عن رغبات وطموحات جميع العراقيين دون استثناء اي طيف من الوان الطيف العراقي الزاهي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل