الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانحطاط الشامل والاختراق الممكن

بدر الدين شنن

2014 / 2 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


من الصعب والموجع ، الكتابة عن حدث تاريخي ، هام وعزيز ، أصبح من الماضي ، لكنه مازال ينبض في أعماق ضمير أمة .. وشعوب .. وأفراد . ومازال ظله العملاق ، يطوف في الفضاء العربي ، واعداً بتلبية نداء التاريخ مرة أخرى .. مثل حدث قيام الوحدة السورية المصرية في 22 شباط 1958 ، الذي شكل في حينه مفصلاً تاريخياً بارزاً ، بين ما قبله وما بعده .. ومازالت مقدمات اسحتقاقاته الأسطورية في الماقبل ، وتداعيات انهياره الكارثية في المابعد ، تنكأ جراحاً قديمة ، وتفتح جراحا ً جديدة .. تغذي ، وتستدعي استعادته ، والتشبث الأبدي به ، حتى بزوغ فجر وحدوي جديد .

إن الصعوبة في إنارة ذكرى الوحدة ، أنها تأتي في مرحلة تحمل تناقضاً موجعاً ، بين واقع التجزئة ، وهيمنة الأنظمة " ال’قطرية " صنيعة مؤامرة ( سايس ـ بيكو ) وتقسيمات قوات الاحتلال الاستعماري البريطاني في مصر والسودان وشمال إفريقيا والخليج العربي ، التي عزلت وتعزل شعوب البلدان العربية عن المسارات القومية ، التي توفرلها الاستقلال التام ، والكرامة والقوة وامكانية مواكبة الحضارة الإنسانية ، في مرحلة انتشار الحروب التدميرية الإرهابية ( الامبريالية بالوكالة ) في أرجاء عدة من الوطن العربي ، وبين انحسار الفكر القومي المؤسف ، وغياب القيادات والجاهير القومية الفاعلة ، حاملة الجواب على سؤال المرحلة العربية الراهنة الأكثر انحطاطاً في التاريخ العربي المعاصر .

كما أن الصعوبة قائمة في الدعوة لإعادة بناء دولة الوحدة الآن ، كونها تأتي في وقت تختلف فيه الشروط السورية والمصرية والعربية والدولية في أواسط الخمسينات من القرن الماضي ، حين نشأت دولة الوحدة المعاصرة الأولى ، عن الشروط ، على اختلاف مستوياتها ، في وقتنا الراهن . من أبرز تلك اشروط .. توفرالنهوض الشعبي القومي العارم في الفضاء العربي ، ووجود حكام في مصر وسوريا ، يتقاربون ، بحكم تفهمهم الواعي للمصير العربي المشترك ، وأهمية الارتقاء في علاقاتهم السياسية والعسكرية ، إلى مستوى الاندماج في دولة واحدة ، بينما الشروط الراهنة لا يتوفر فيها ، حتى اللحظة ، وزن جماهيري قومي ضاغط . ولا يوجد حكام في سوريا ومصر يتقاربون سياسياً وعسكرياً ، إلى المستوى الذي يتوج بتحول مصر وسوريا إلى دولة واحدة مرة أخرى . ورغم ذلك يبقى هناك شرط ربما هو الأهم ، وهو أن هذين البلدين هما الآن معاً ، كما في أواسط الخمسينات الماضية ، يتعرضان للتآمر والعدوان الخارجي ، الذي تمثل في تلك الفترة ، بالعدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956 ، وبالحصار الاستعماري المحكم على سوريا عام 1957 ، والمتثل الآن بالعدوان الإرهابي الدولي على البلدين ، النموذج الأحدث لحروب التدخل الاميريالية ، لفرض أنظمة عميلة موالية تسهل الهيمنة الإمبريالية الشاملة ، لاستغلال ، الجيوسياسية ، ولنهب الثروات الوطنية .

وقد برهنت الحروب الإرهابية ، أنها أكثر فاعلية ونتائج تدميرية مادية وبشرية من الحروب التقليدية ، مثل حرب السويس على مصر عام 1956 ، وحرب حزيران 1967 الإسرائيلية على سوريا ومصر والأردن ، وحرب تشرين المصرية السورية الإسرائيلية 1973 ، وكذلك حروب إسرئيل على لبنان بين 1982 ـ 2006 . كما برهنت على أنها متنقلة متحركة عابرة للحدود والقارات . ولايمكن السيطرة عليها في زمن محدد وفي مكان محدد . لأن مخططات القوى الإمبريالية ، التي أسستها ، وتدير حركتها ، وتسلحها ، وتمولها ، وتفتح لها الحدود والعابر ، تتطلب ذلك . ما يتطلب تعاوناً عربياً سياسياً وعسكرياً ممنهجاً وموحداً لمواجهتها بفعالية وقوة ورد أخطارها ، لاسيما الدول العربية المستهدفة بهذه الحروب . وأنجع أشكال هذا التعاون ، هو وحدة القيادة السياسية والعسكرية والاقتصادية في دولة واحدة .

ومثل هذه الخطوة التاريخية المصيرية ، لاتحتاج إلى قيادة مطابقة تماماً مثل " جمال عبد الناصر وشكري القوتلي " حتى يتم إنجازها ، وإنما تحتاج إلى قيادات في موقع المسؤولية قادرة أن تتفهم جيداً خطورة واقعها والواقع العربي المضطرب المهدد ، وتتعاطى معه بقناعات ومشاعر وطنية وقومية صادقة . وأكثر هذه البلدان تماثلاً في ظروفها ، وأكثرها ضرورة للعمل الوحدوي المشترك ، هي سوريا ومصر والعراق . فهذه البلدان تقاتل عدواً واحداً ، وإن تعددت تفاصيله ، في وقت واحد .

لقد بدأ مخاض الوحدة الرئيس ، في عام 1954 ، يوم طردت مصر قوات الاحتلال البريطاني ، وكسرت احتكار الغرب للسلاح ، وسلحت جيشها من المعسكر الاشتراكي ، ويوم أسقطت سوريا ديكتاتورية الشيشكلي عام 1954 ، وأقامت العهد الوطني الديمقراطي ، وسلحت جيشها أيضاً من المعسكر الاشتراكي ، وأطلقت التطوع في المقاومة الشعبية ، التي ضمت مائة ألف مقاوم ـ كان عدد سكان سوريا حينها 3 مليون نسمة ـ . وقد بدأ هذا المخاض يشتد ، ويتصاعد ، مع إقامة حلف بغدا الاستعماري عام 1955 لإعادة السيطرة الاستعمارية على بلدان المشرق العربي " المستقلة " ومنها سوريا بخاصة ، وكذلك مع طرح مبدأ " أيزنهاور " الأمريكي عام 1957 في الشرق الأوسط ، لملء الفراغ الناتج عن هزيمة بريطانيا وفرنسا عام 1956 .ثم كان الحصار الاستعماري على سوريا من الجهات الأربع .

وخلال سنوات 1955 ـ 1958 ، تبادل البلدان سوريا ومصر الدعم في مواجهة العدوان والحصار الاستعماري . أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، قدمت سوريا كل ما تستطيع من مساعدات سياسية وعسكرية وإعلامية وغيرها ، وفتحت باب التطوع للدفاع عن مصر ، وكان " جول جمال " ابن اللاذقية الملازم البحري ، كان نجم الشهداء العرب في القوات المصرية ، وصار راديو دمشق يبث " هنا القاهرة " . ولما اشتد الحصار على سوريا عام 1957 ، وقفت مصر بقوة ضد حلف بغداد وضد مبدأ أيزنهاور ، ودعمت سوريا بكل طاقاتها ، ما أدى إلى إنضاج قرار إقامة دولة واحدة تضم سوريا ومصر ، التي شكلت اختراقاً صارخاً للواقع العربي المزري آنذاك وللحصار على سوريا ، وكانت دولة الوحدة مجالاً حيوياً لثورة الجيش والشعب في العراق في 14 تموز 1958 ، التي حررت العراق من النظام الملكي العميل ، وأسقطت حلف بغداد ، ونسفت مبدأ أيزنهاور .

ما بين 22 شباط 1958 و 22 شباط 2014 ، جرت مياه سياسية كثيرة بين ضفاف الوطن العربي .. لم يكن الجيد فيها كثيراً . لقد انطلقت وتوسعت حملات لتصفية الوعي القومي الوحدوي ، ولإسقاط المشروع القومي . تمثلت بحركة فصل سوريا عن مصر عام 1961 ، وبعدوان حزيران 1967 . وبطرح البدائل الليبرالية الجشعة والإسلاموية المفوتة ، والأنشطة الطائفية والأقلوية المتخلفة . بيد أن هذه البدائل التي طرحتها القوى الإمبريالية والرجعية والمتخلفة ، قد فشلت أن تكون هي البديل . وبقي السؤال القومي المصيري يبحث ، في الواقع العربي المتردي ، في ظل أنظمة قطرية عفا عليها الزمن ، وبين أطلال تدمير العقل والفكر ، يبحث عن جواب مطابق . وها نحن بعد أكثر من نصف قرن على إسقاط دولة الوحدة ، نعيش الفراغ القاتل . وقد اتضح أن القوى التي كانت وراء إسقاط دولة الوحدة ، كانت ترمي حقيقة ، إلى إحداث هذا الفراغ ، لتعبث كما تشاء ، بمقدرات وثروات الشعوب العربية .

نحن الآن في ذروة الفراغ القومي ، من قوى عربية قادرة بشكل حاسم ، على التصدي للمخططات الأجنبية المعادية المتغطرسة . بل إن الدول العربية الرئيسية ، مصر ، وسوريا ، والعراق ، تتعرض للعدوان الإرهابي الدولي ، المدعوم بقوى داخلية ، مغامرة ، متطرفة ، أو مأجورة خائنة . كما أن هناك بلداناً عربية عدة تتعرض بأشكال مختلفة لمثل هذا العدوان ، مثل لبنان وليبيا وتونس واليمن والجزائر . ما يعني أن الفراغ العربي المستباح ، قد جرى تبديل نوعية أدواته ، المكلفة بملئه ، أدوات قادرة على أن تحدث عمقاً أوسع في هذا الفراغ ، وفي توسيع مساحة زمن الهيمنة على البلدان العربية .

على أنه رغم السواد المشؤوم ، الذي يكتنف المشهد العربي ، فإن عوامل تداعياته التدميرية المرعبة والمقلقة ، تحمل بعداً محفزاً للشعوب العربية ، وللدول العربية الرئيسية ، لإحياء المشروع القومي الوحدوي ، بصيغة ديمقراطية معاصرة .
إن الحاجة لإحياء المشروع القومي الوحدوي ، فكراً ، وسياسة ، وفعلاً وحدوياً ، تستدعيها توسعات العدو الإرهابي الإمبريالي نفسه . فهو يضرب على امتداد الوطن العربي تقريباً . وآخر تجلياته ، تشكيل تنظيم جديد باسم الدولة الاسلامية في ليبيا ومصر " دالم " تيمناً بالدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش " . كما يستدعيها التكالب الغربي على وضع الوطن العربي طله تحت الهيمنة الغربية المطلقة ، العسكرية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والستراتيجية ، تكشف ذلك بشكل واضح ووقح ، التصريحات الأمريكية والغربية الموجهة للبلدان العربية وكأنها مستعمرات تحت سيطرتهم .

وهذه الحاجة تستدعي المسؤولين ، في مصر وسوريا والعراق ، الذين تتعرض بلدانهم للاستهداف الإرهابي الشرس الواسع ، لانتهاج سياسة تعاون وتنسيق وتكامل ، في مكافحة الإرهاب أولاً ، ولوضع أسس وحدوية ديمقراطية معاصرة ، لإقامة دولة ، أو اتحاد ، بين البلدان الثلاث .
ومن الجدير ذكره في هذا السياق ن أن الحاجة للمشروع القومي الوحدوي ، لاتتعارض ، بل تتكامل مع المشروع الديمقراطي ، الذي تطمح إليه الشعوب العربية ، بل إنهما وجهان لنظام حكم ناجح قوي يتمتع بفرص النهوض والنمو بكل مستوياته . وعلاوة على ذلك ، إن المشروع الديمقراطي على المستوى القطري ، معرض للضعف والفشل ، لأنه دائماً ضمن دائرة الابتزاز الإمبريالي ، وإملاءات الدول الأقوى في المحيط وعلى المستوى الدولي . ولدينا أمثلة واضحة على ذلك في المشرق والمغرب .

المطلوب ، مشروع قومي وحدوي ، ديمقراطي ، متكامل الأبعاد ، الاجتماعية ، والسياسية ، والاقتصادية ، ووفق ما يقرره الشعب .. مشروع يخترق الحصار الإرهابي الإمبريالي ، الصهيوني ، الرجعي ، الراهن ، للإنسان العربي وللواقع العربي .. مشروع ينهض بالمجتمعات العربية إلى مستوى الكفاية والعدالة والكرامة والازدهار .

والسؤال الآن .. هل يمكن في هذا الانحطاط العربي الشامل .. أن يحدث مثل هذا الاختراق ؟ ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس