الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية السلطة والشرعية في النظام السوري

بدر الدين شنن

2005 / 6 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بداية ، لابد من التوضيح ، خاصة لمن هم دون الثلاثين من العمر ، أن النظام السوري الحالي ، البالغ خمسة وثلاثين عاماً ، لم يأت متوالياً شرعياً لعهد سابق ، عبر آليات ديمقراطية ، تحت مظلة دستورية ، وفي كنف مناخ عقد اجتماعي مطابق ، لم يأت عبر صناديق الاقتراع بأغلبية برلمانية مكنته من تشكيل الحكومة وممارسة السلطة ، وإنما أتى بالانقلاب العسكري تحت عنوان الحركة التصحيحية، وحطم بالقوة ماكان قبله ، وتمكن بالتواطؤ مع قوى داخلية وخارجية من فرض تملكه السلطة وقيادة الدولة والمجتمع

ومهما تراكمت السنون ، فلن تمحى من الذاكرة السياسية لشعبنا ، كيف مررت وغطت القوى السياسية في الداخل ، التي انضمت لاحقاً إلى " الجبهة الوطنية التقدمية " هذا الانقلاب ، وتغاضت عن اعتما د نظام " الحركة التصحيحية " قانون الطوارئ والأحكام العرفية والقمع في تعامله مع المجتمع ، وقبلت المشاركة باللعبة غير المشرفة لشرعنة الاستبداد، ، مقابل مكاسب حزبية وشخصية ، على حساب الشعب . ولن تمحى من الذاكرة السياسية لشعبنا أيضاً كيف مررت وغطت القوى الدولية ، زمن الحرب الباردة ، هذا الانقلاب وتغاضت عن مضمونه التعسفي ، مقابل تبني النظام الجديد تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 المتعلق بالتسوية مع إ سرائيل وممارسة " الإعتدال " في السياستين الداخلية والخارجية ذات الصلة بمصالح تلك القوى

لقد كان واضحاً منذ أن اتجه العزم لدى وزير الدفاع السابق الفريق حافظ الأسد ، على القيام بانقلابه العسكري " الحركة التصحيحية " ، للقفز فوق مسؤوليته في هزيمة حزيران عام 1967 ولتنامي نزعته في القبض على السلطة والحكم ، كان شاغله الأساس أن يتم هذا الفعل الإنقلابي ويستمر بغطاء شرعي لبناء نظامه القوي ولتوفير مقومات أكثر ملاءمة لاستدامته . ولهذا جاء بيان القيادة القطرية المؤقتة ، مساء 17 تشرين ثاني 1970 ، بدلاً من البلاغ رقم واحد الذي يصدره العسكر عندما يقومون بالإنقلابات ، معلناً أن " الحركة التصحيحية " الإنقلاب هي تصحيح بإطار العهد القائم وامتداد له أي " لشرعيته " . كما تضمن البيان توجهاته بإقامة " جبهة وطنية تقدمية ، وإحداث مجل شعب ، وإقرار دستور دائم للبلاد
ولأنه في البدء كان الانقلاب .. وكان الاستيلاء بالقوة على السلطة والدولة ، فإن معايير الشرعية التي أ سسها الإنقلاب وطبقها على المجتمع هي شرعية القوة .. شرعية الاستبداد .. التي إنبنى عليها الدستور الدائم وكذلك مؤسسات دولة الإنقلاب كافة ، بدئاً من أصغر نقابة عمالية أو جمعية فلاحية أو نقابة مهنية إلى الإدارة المحلية ومجلس الشعب ومجلس الوزراء ، والتي إنبنى عليها احتكار حزب البعث للعمل السياسي في الجيش والجامعات ، وتوسع هذا الاحتكار ليشمل ما سمي ب تبعيث " التربية والتعليم والثقافة والقضاء ... ألخ .. حتى باتت جدلية العلاقة بين السلطة والشرعية المختارة ا ستبداداً مركباً ، يتواءم فيه قسرأً السوط والقانون .. الزنزانة والحرية .. العنصرية والمساواة . ومع الممارسة ، التي أغنت مؤسسات النظام المختلفة وفي مقدمتها القمعية منها بالخبرة التعسفية النوعية ، اختزل مركب شرعية - ا ستبداد إلى ا ستبداد طاغ مطلق ، ودفع وليدته " الشرعية " البائسة إلى الإنزواء في خانة ملحقات النظام المهملة ، وإلى بروز جدلية مقابلة للخلاص منه هي حرية - قوة . بمعنى أن إلغاء الأسس التعسفية الدستورية والقانونية ل " شرعية " الاستبداد التي أوجدها فعل القوة لايتحقق إلاّ بالقوة

والقوة في الحالة السورية ، إما أن تكون تدخلاً خارجياً حسب الطريقة البوشية في أفغانستان والعراق .. تدمير .. اجتياح .. إرهاب .. آفاق مشحونة بالتمزق الوطني والحرب الأهلية . وإما أن تكون فعلاً داخلياً حسب الطريقة اللبنانية .. وحدة معارضة .. برنامج وطني موحد للتغيير .. إعلام سياسي مواكب .. توظيف جيد للتعاطف الحقوقي والسياسي الدولي الصديق .. تحرك جماهيري كاسح
التدخل الخارجي العسكري مرفوض من قبل المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية ، وإن تكن هناك أمنيات لدى البعض بحدوثه نتيجة الشعور بالإحباط والعجز ، لأنها تدرك أن برنامجها الوطني الديمقراطي لا يتعارض جذرياً مع مخططات التدخل الخارجي الأميركي فحسب ، وإنما لأنها تدرك أيضاً أن قبولها بالتدخل ، عدا عن أنه غير مشرف ، فهو يضعفها سياسياً وأخلاقياً أمام الشعب ، وسوف يفضي بها للإرتهان لقوة أعتى وأشد سوءاً من النظام . وهي بهذا الرفض اجتازت نصف المسافة التي تفصلها عن النصر على الاستبداد إذ أنها كسبت بذلك معركتها الأخلاقية والمبدئية في صراعها ضده ، وحجمت إمكانيات التدخل الخارجي المدمر ، وأسست لمقومات ا ستنهاض شعبي على خلفية إندماج الوطنية بالديمقراطية
الفعل الداخلي في صنع القوة لايعني حصراً العنف والعمل المسلح . فهذا سيفضي أيضاً إلى تفشي الإرهاب والتدمير والتدخل الخارجي وتمزيق الوطن . لقد أكدت الحياة أن للقوة أشكالاً أهم وأكثر فاعلية من العنف وتداعياته الدامية المدمرة ، وهي من التعدد بحيث يصعب تحديدها . لكنها بأشكالها وتعدديتها غير المحدودة يصنعها الشعب في تحركه ومبادراته الخلاقة عندما تتوفر له .. وتنبثق منه .. من أعماقه .. قيادات عضوية حكيمة وشجاعة
إن تجارب الشعوب أثبتت في السنوات والأشهر القريبة ، أنه عندما تتحرك الأمواج البشرية بالآلاف ومئات الآلاف تتفكك معادلات ومقومات القوة .. وشرعية القوة .. وتحل محلها معادلات ومقومات الحرية .. وشرعية الحرية

إن السؤال الملح الآن هو ، هل ستتمكن قيادات المعارضة السورية الوطنية الديمقراطية بوقت قياسي قصير، من إنهاء حالة تبعثرها وتنافسها ونخبويتها ، وترتقي إلى مستوى ا ستحقاقات النهوض الشعبي .. وتتكلم بلغة الشعب .. وتسير مع الشعب وفي مقدمته حسب إيقاعاته ومطالبه وتوجهاته .. لتصنع القوة التي تقطع الطريق على التدخل الخارجي .. واحتمالات التداعيات المدمرة .. لتصنع انتصارها على الاستبداد .. وتعيد بناء سورية موحدة قوية ديمقراطية بكل أبنائها ولكل أبنائها؟
نرجو أن يتحقق ذلك قبل فوات الأوان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض