الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نورس باشا بين حبكة السرد ووجع الإنكسار

ندى الخوام

2014 / 2 / 21
الادب والفن


تطل ( نورس باشا ) على قارئها من نوافذ فعلين مهمين يحدان من قدرة الإنسان على التواصل بصورته المتعارف عليها مع الحياة ألا وهما فعلا العجز والانكسار اللذان استحوذا على مشهد الافتتاح للسرد الروائي المتمثل بيد البطلة والمُوحي إلى انكسار المرأة في مجتمعها الشرقي وتوثيق هذا الانكسار بالموروث الشعبي من خلال ممارسة عملية دفن رمزية المرأة في التراب ولسبع حفر متتالية في كل حفرة تدفن قطرات من دم الحيض ومن أجل طمر هذه النجاسات ، الأمر الذي يضمن للأم التي أجبرت ابنتها على ذلك لأنها ستكون في مأمن من وقوع العمل الفاضح كالحمل والإنجاب حتى لا تمسها الأقاويل وتصبح حملاً ثقيلاً تلوكه الألسن بارتكابها لفعل الخطيئة ، ومن ثم انغماسها في طين الرذيلة المدنسة وهو الاتهام السائد والعام لكل امرأة فقدت ارتباطها بالرجل بطريقة أو بأخرى ، وحملت لقب مطلقة أو أرملة إذ يعني فقدانها لسترها وخدرها ومن ثم تحجيمها في أطر الشبهات والاتهامات .
ولهذا انطلقت الرواية ومن مشهدها الأول في دائرة الهم النسوي للمرأة العربية إذ أخذت تكشف عن وصف معاناة (الضاوية) وسط ما يحيط بها وما تعيشه في مجتمع محافظ ، وإن تشكلت للقارئ من الوهلة الأولى للقراءة أن السرد الروائي يصب في الهم الإنساني أولاً ، ولكن اختيار الكاتبة للمرأة البطلة أخذ بعدين بعد الإنسان العام وبعد عالم المرأة الخاص ويمكننا القول أن صمت وخضوع (الضاوية) بطلة الرواية تجسده الروائية وبحبكة مواربة في شخصية (العقونة) وحقيقة الأمر لم يكن للإبداع حداً منتهياً للكاتبة في رسم هيكيلة وفعالية هذه الشخصية، إذ كان لصمت (العقونة) مئة لسان ناطق داخل الرواية وسارداً للحدث بداية من استغلال قواها في خدمة الآخر الأقوى الذي استغل ضعفها وبرائتها ووضعها الصحي حتى عملية اغتصابها وهو اغتصاب لصمت المرأة في بيئتها حتى التحاقها بالركب خلف الضاوية فلا تريد الانسلاخ عمن رعاها وكان ملاذها الآمن ، وكون الضاوية ترعاها وتفهمها ؛ عدتها الشخصية الأقرب إلى قلبها وراحت تفصح لها عن وفائها باللحاق بها وهو الوفاء الذي يكني عن الشخص المتضرر من مجتمع يحتقر عاهته إلى من رعاه تحت أجنحته وأهداه له اهتماماً متميزاً . وهذا جزء من الهم الإنساني الذي تطرقت له الرواية حول معاناة المعاق في مجتمعه والعقونة مثالاً يضرب لاسيما بعد معاملة الخالة وكناتها القاسية لها.
المساحة السردية التي استغلتها الكاتبة تكشف الستار عن دربة الروائية في صياغة الحدث بأسلوب رشيقٍ خالٍ تماما من التكلف والصنعة ، لم تبالغ هاجر قويدري في ثرثرة السرد المفتعل داخل روايتها فضلا عن توظيفها للسرد في خدمة النص وفي طرح الأفكار وتعميق رؤيتها للحدث الدائر .. ففي كل مرة تنحدر به الكاتبة إلى هموم النسوية بحيادية ومن دون تجني أو خلق نقطة عداء من الرجل للمرأة في ذلك ، فقد أظهرت شخصية الرجال بكامل أناقتهم الأخلاقية انطلاقا من شخصية رجل القبيلة ( ضيف الله) الذي كان سنداً للضاوية ومن ثم هو سند للمرأة المغلوبة على أمرها ، وشخصية زوج الضاوية الأول وشقيقه وحتى شخصية الوزير والكاتب وإن كانت قد تطرقت إلى شخصية الرجل الأجنبي الذي استغل طيبة العائلة وسرقهم وهرب وهي رؤية الأدنى للآخر الأقوى الذي يستغله ولذلك حصرت الكاتبة هذا الأقوى في شخصية أجنبية متمثلة في استغلال الغرب للعرب إلا أن المرأة هنا تفهمت أسباب الرجل وبررت موقفه وسامحته ليبدو لنا مشهد الولادة وكأنه عالم آخر من البياض والأمل المزدوج في خلق مجتمع أفضل مما هو عليه، وهو ما أشارت اليه الروائية في عنوانها ورمزيته البيضاء المرتبطة بالنوارس ومشاهد افتتاح النوافذ على البحر وأسراب النوارس الجميلة.
لم تمهل الكاتبة النقد في استغلال حبكتها والدخول إلى قضايا الإيروتيكية التي يشار إلها بالبنان كلما كانت كاتبة النص امرأة ؛ وذلك لاتهامها بتكريس الجسد لعبة للسرد بل لم تجتمع رواياتها إلا مشاهداً ، تكاد لا تتجاوز المشهدين تبين رغبة الضاوية في زوجها وهنا أغلقت هاجر منافذ الدخول إلى الطعن في النص الذي تكتبه المرأة .
فضلا عن استقلال الرواية الباهر للتاريخ في بيان مرحلة تاريخية عاشتها الجزائر في القرن التاسع عشر وهي خطوة مباركة ليتعرف القارئ على ذلك الوقت وكأنه عاصره بين حاشية الملك ووزيره وبين طيبة رجل القبيلة العم ضيف الله وبين دائرة الأفق المنفتحة بنظرتها للمرأة من دون شكوك وتساؤلات كما حصل مع زوج الضاوية الأول الذي أبهرته المرأة وعمد للزواج بها دون الرجوع إلى أرشيف حياتها
تنزلق الكاتبة في النهايات التقليدية الصادمة للقارئ من خلال رسم الخاتمة بنفسها بعد أن أشارت لقارئها في حقه معها برسم نهايات الحدث وتركت المساحة له للتخيل هذا ما لمسته بنفسي كقارئة للوهلة الأولى على الأقل . لكنها أخنقت مشاركته بعد ذلك وسرعان ما هدمت وحيه وسعادته في صناعة المشهد النهائي ، كان بإمكان الكاتبة غلق الرواية عند مشهد فقدان الضاوية لوعيها وإصرارها على ملازمة الباب لانتظار المجهول والقدر الغامض الذي يحيط مصير زوجها البش كاتب ، وهو ما سيسمح للقارئ بترتيب نهايات عدة ومختلفة من قارئ لآخر ولكن أغلقت تلك النافذة عندما أعلنت هزيمتها أمام البطلة وزجت بمشاهد باهته في سير أحداثها ؛ إذ عاد الوزير الزوج لزوجته واخذ الضاوية والعقونة وإبراهيم للهروب بهم بالباخرة وتم الكشف عن شخصية الوزير وذبحه من الوريد إلى الوريد ..اغلق المشهد بإحباط تام من قبل القارئ الذي طرد من عملية رسم الحدث في آخر اللحظات وحصره في التلقي فقط .
الرواية استطاعت وبقوة لتكون في مقدمة كل الأعمال التي نافستها في حينها لتحتل المرتبة الأولى وبجدارة ... وما يسعد القلب هو انبثاق قلم متمكن ومتميز كقلم هاجر قويدري في المشهد الروائي العربي ننتظر منه المزيد من الإبداع والتألق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي