الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة بمنزلة نبيَّ

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 2 / 22
كتابات ساخرة


القات نبتة ذات سلطةٍ غريبة و مُرعبة..فمن يصدق أن نبتة تستطيع اقتلاعها بيد واحدة و بكل سهولة من جذورها تتلاعب ساخرةً كفتاة تجيد ألاعيب الهوى بكرامة شعب بأكمله!!..بل أنك تجد أن أغلبية اليمنيين تدافع عن القات باستماتة غريبة..إستماتة تذكرك بدفاع الرجل عن "حريمه"..و من ضمن تلك الوسائل الدفاعية أننا لو توقفنا عن زراعة القات سنعاني من البطالة و انهيار الاقتصاد بالإضافة إلى انحراف الشباب..فالقات تلك النبتة التي تشبه النبي المُرسل من السماء أتت لتنقذ شعبنا و يومياً من الانحراف و ذلك بشغل وقتهم و الذي قد يُهدر فيما لا يفيد بهدرِه فيما قد يفيد كالتفكر في ملكوت الله!!.

حسناً بالنسبة للاقتصاد المُنهار فلا أتوقع أن القات هو من سينقذنا من الانهيار المالي و الاقتصادي الوشيك..فالأفيون يُباع في أفغانستان بمليارات الدولارات و بالرغم من ذلك لم نرى أن أفغانستان أصبحت قوة اقتصادية تنافس الدول العظمى..اليمن اقتصادياً لن تنقذه أموال القات و إلا لكانت فعلت في سنوات زراعته التي ستقارب الثلاثين قريباً و لكنَّا حينها جنة الله على أرضه..فاليمنيون في الماضي لم يكونوا يعرفون القات و بالرغم من ذلك لم يموتوا من الجوع..إذاً نحن هنا نتحدث عن "الطمع" في المال و ليس عن "الحاجة" إليه..و الفرق بينهما كبير..فلو استبدلنا القات بمنتجاتٍ أخرى سننجو كما نجا من هم قبلنا من الموت الذي يصوره البعض رديفاً لقلع شجرة القات.

و بالنسبة للبطالة نحن نعاني من نسبٍ مرتفعةٍ منها منذ أن عرفنا كلمة "نسبة"..و البطالة في اليمن سببها أيضاً الفساد الإداري و الحكومي..و العاملين في تجارة القات ليسوا من حملة الشهادات الجامعية في معظمهم فزراعة منتج بديل لن يكون إلا كعملية تغيير التخصص الزراعي بالنسبة لهم.

المؤلم أن البعض يخبرك و بكل ثقة أن القات -ذلك النبات الأسطوري- يحمي من الانحراف أيضاً بالرغم من أنه في أغلب حالات الفساد يكون حاضراً و بقوة بل إن اسمه أرتبط في لا وعينا به..فلم أجد موظفاً يمنياً ينجز لي أو لأي شخص أعرفه على الأقل أي معاملة حكومية من دون دفع "حق القات"..و هكذا نجد أن القات هو سبب سقوطنا الأخلاقي الدائم في "مطبات" الفساد المالي و ليس بسببٍ لترفعنا عنها.

البعض أيضاً يصور لنا أن لولا القات لهِمنا في الشوارع بسبب الفراغ القاتل!!..متناسين أن هناك منتجٌ قديم و لكنه فعَّال يُدعى "الكتاب"..و عملية تثقيف الذات تستغرق لدى الغربيين عُمراً فوق العمر و لكننا لا نكترث بذلك طالما أننا نمارس بناء الحضارات "عن بُعد".

بصراحة بدأت الاعتقاد أن القات هو بالفعل كنبيَّ مُخلِّص..فهو من يحمي اليمنيين من الانهيار النفسي الأخير..و هو الأمر الوحيد المتبقي لنا لنمارسه كتمثيل لفكرة "الإرادة الحُرة"..هكذا يمارس أغلب الشعب اليمني عادةً تنفرد بها البهائم و هي عملية الاجترار الحُر..اجترار القات اجترار الذكريات الكرامة الأمجاد و الذكورة المفقودة..فالقات هو عارنا الذي نمارس تجاه فكرة فقدانه التوحش..و هو نبينا القادم من السماء لينقذنا..فنستميت للدفاع عنه و لا فرق هنا بين أن يكون المُدافع مُتعلماً أو أُمياً..فكلهم في التوحش سواء.

صديق لي يخبرني أنه كلما حظر مجالس الإجترار تلك و امتنع عن تناول القات يسخر منه الحاضرون بأنه ليس برجل!!..يا صديقي إنهم يحقدون عليك و يكادوا يجنون بسببك و لسبب بسيط و هو أنك استطعت أن تصمد من دون وهم يُقاتلون لاجتراره لأطول فكرة ممكنة..أنت بالنسبة لهم تمثل شخصاً استطاع أن ينجو من محرقة الكرامة العقلية المهدورة..فلا تتوقع أن البشر يعشقون المنتصرين في حضور انكسارهم.

لماذا اليمني يرفع شعار "مُس قلبي و لا تمُس قاتي"؟؟..لأنه الأمر الوحيد المُتبقي لهذا الشعب ليتمكنوا من الحلم و تحقيق المعجزات..فهو المُنقذ و المُخلِّص و المُلهم..هو القرار الوحيد الذي يعتقدون أنه قد بقي لهم ليصدرونه بعد أن صُودرت منهم جميع أدوت حياتهم و أدوات القرار.

تخيل أن الرسول الكريم و صحابته كانوا يمضغون القات بشكل يومي في المدينة المنورة..أعتقد حينها أن الرسول لم يكن ليجد الوقت لكي يمارس أي من مهامه كنبيَّ و كمُحاضر أخلاقي..و لكن لا بأس فهنالك ما هو أهم..فحينها كان سيظهر لنا بنظريات عبقرية كما يتحفنا عشاق القات و كان حينها أيضاً سيُحَّرم اقتلاعه بل و يحارب المتآمرين عليه كما يحدث الآن..فالحضارة الفكرية التي بناها الرسول قامت بلا قات و لكنها حضارة للسقوط تدنو..بعكس الحضارة التي بُنيت على "التخدير" و التي ستبقى..و لا بأس إن متنا عطشاً أو بلا كرامة إنسانية أو بموادٍ مُسرطنَّة أو حتى عشنا بلا بقية من إحترامٍ للذات و لنعمة المال الذي نهدره يومياً في شراء ذلك الوهم..فبالرغم من كل شيء سنحيا..و لكننا لا نستطيع أن نحيا بلا وهمٍ يمنحنا القات إياه في لحظاتنا الحميمة معه.

ذات مرة شاهدت رجلٌ يجلس بين مخلفات القمامة و هو في قمة اتساخه الجسدي و أمامه كيس يتناول منه أغصان القات..البعض سيقول لي:"بالتأكيد أنه شخص مجنون"..لا أبداً لم ألمح الجنون في عينيه و لو للحظة بل لمحت "اليمن"..فهو استحق أوراق هويته و جنسيته عن جدارة بتلك الوضعية المُسترخية بين القمامة و المخلفات و لكنه بالرغم من كل شيء سعيد!!..و لماذا؟؟..لأنه يمضغ قات يومه و يعيش ساعات أمجاده و أحلام بطولاته المُمكنة..الآن هو إنسان بكرامة و بقدرة على إتخاذ القرار الوحيد الذي يستطيع أن يتخذه كمواطن يمني..قرار أي ورقة من غصن القات الذي أمامه يقتلع؟؟..و ليذهب بعدها كل شيء إلى الجحيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال


.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا




.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د