الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار العيون الحلقة الرابعة

الرفيق طه

2014 / 2 / 22
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف



اعلن هاتف السيد الاربعيني اذان صلاة العصر ، طلب الاستىًذان من السيدة للذهاب للمسجد . و بينما وقفت تحدثه بصوت غير مسموع ، كان حديثهما عبارة عن اوامر من السيدة للرجل ، هذا يظهر من حركاتهما ، كان اعوان الفندق يهيوًون ماىًدة هناك داخل القاعة .
استاًذن الرجل الاربعيني من احمد و خرج . دعت السيدة ضيفها للماىًدة التي تم تهييوًها . رافق احمد مضيفته الى ان اشارت له على مكان جلوسه ، شكرها و اخذ مكانه على الماىًدة ، جلست الى جانبه . كانت القاعة قد خلت من الكل الا احمد و السيدة المنقبة .
على الماىًدة كل ما يمكن ان تشتهيه الانفس من اطعمة خفيفة و سلطات و مشروبات مختلفة الشكل و الالوان . تتوسط كل ذلك قارورة الشامبانيا . بداً الحديث بين احمد و السيدة محتشما كشخصين لم يسبق لهما ان تعارفا من قبل . لكن المثير ان السيدة هي المبادرة .احمد في حالة ارتباك ، بينما يشعر بالاحترام و التقدير الذي لاقاه من مضيفته و كل اعوان الفندق ، و انبهاره بالمكان و حسن المعاملة ، يزعجه جهله لكل هوًلاء الذين يحيطون بالسيدة و ماذا وراء هذا كله . رغم ذلك حافظ على هدوءه المعهود و تظاهر بتعامل عادي مع كل ما يجري .
نزعت السيدة الخمار عن وجهها ، و ابتسمت . كانت ابتسامة عريضة و بصوت انثوي رخيم حتى ظهرت اغلب اسنانها . قالت لاحمد اراك غير مرتاح .
اجاب : لا لا. بالعكس . نظر اليها بحذر شديد تشوبه الحشمة الزاىًدة .
الوجه الذي اخفاه الخمار كان ملاىًكيا . بياض ثلجي و كاًن الشمس لم تراه من قبل ، يتكسر بحمرة الخدين . سواد الحاجبين واهذاب العينين ترصع الوجه. زرقة العينين تجعل الناظر فيها يغرق في نهر هادىء . اما الاسنان ليست الا جواهر بيضاء بين شفتين منتفختين بعض الشيء و حمرتهما طبيعية و كانها سطرت بريشة فنان .
نظر احمد في وجه السيدة و اعاد النظر دون ان يدري لماذا . يتساءل في دواخله لمن تشبه السيدة .
بادرت السيدة مرة اخرى بالكلام ، اقدم لك نفسي . اسمي حسناء ، انا الرىًيسة المديرة العامة للفندق .
امتلك نسبة ثلاثة و سبعون من الماىًة من اسهم هذه الشركة . و اعتبر نفسك في بيتك .
قال احمد تشرفت بمعرفتك سيدتي . هذا التوضيح من السيدة خفف عنه عبىًا ثقيلا كان يحمله ، لكن ملامح السيدة تثير فضوله و شغفه . يقلب في ذاكرته عمن تشبه السيدة التي امامه . هل هي امراًة يعرفها ام شبيهتها ام ان حسناء احدى السيدات المشهورات في السنيما او التلفزيون .
قدم نفسه لها . احمد ، رجل اعمال و لدي مهام ادارية في شركات دولية مهمة .
اجابته حسناء و الفرح يسطع منها ، انا سعيدة بك و بمعرفتك يا احمد
اجابها بارك الله فيك يا حسناء
فتحت قارورة الشامبانيا و ساًلته ان كان يشرب ، اجابها طبعا .
صبت في كاسين نسبة الثلث من كل كاس . وضعت القارورة و وقفت تنزع عنها البرقع . عادت لمكانها . كان البرقع اللعين يخفي تحته احدى حسناوات العالم . سيدة كاملة متكاملة .
الابتسامة و طريقة الاكل و الكلام و حركات اليدين تنضاف للبذلة التي ترتديها تظهر ان حسناء امراة راقية .
جلست بتنورتها السوداء و قالت : "الله كم ان الحرية مريحة" .
ابتسم احمد و قهقه قليلا و قال لها و من فرض عليك السجن الثوب . قالت انه سجن حقيقي ، و قصته طويلة .
كلما طال الحديث بينهما كلما اقترب احمد من تحديد ملامح حسناء و لمن تشبه .
عادت به الذاكرة الى ايام الدراسة بالاعدادي ، و احدى التلميذات التي كانت تدرس معه في نفس القسم . كانت طفلة مدللة .
لم يقدر على التريث و ربما القليل من الشامبانيا شجعه على السوًال . هل كانت لك اخت تدرس في اعدادية دار السلام في الثمانينيات . اجابته : ليست لي اخت و لا اخ ، انا وحيدة والدي ، لكني انا درست بهذه الاعدادية .
قال احمد انت حسناء بنت فلان ؟؟ ( اشارة الى اسمها العاىًلي ) . قالت نعم انا .
كانت طفلة مدللة . جد جميلة . ملابسها مميزة في القسم و المدرسة . تجلس في الطاوولة الامامية و من خلفها احمد . كانت التلميذة الوحيدة التي لا يجلس بجانبها احد . كانوا يقولون عنها انها ابنة الوزير . بقيت فريدة في الطاوولة الى ان التحقت بالقسم بنت احد كبار الموظفين الذي عاد من الخارج بعد انتهاء مهمته .
كانت هذه الموًسسة خاصة بابناء كبار موظفي الدولة و ذوي الاسماء الشريفة ، يتم انتقاوًهم من كل المدارس للالتحاق بهذه الاعدادية . اعدادية لها نظام خاص .
كانت التلميذة حسناء محروسة اشد الحراسة من طرف المدرسين و موظفي الادارة و حراس الاعدادية .لا تفارقها مراقبتهم حتى يتسلمها ساىًق السيارة . هذا الذي ترافقه شابة تجلس مع حسناء في الكراسي الخلفية للسيارة و تحمل لها محفظتهاو مظلتها .
كان كل التلاميذ يلاحظون هذا و يراقبونه دون ان يعيروه اي اهتمام . و كانت حسناء التلميذة النظيفة المهذبة ، قليلة الكلام جميلة الوجه و اللباس ، رشيقة بريىًة الملامح ، زرقاء العينين و شعرها يميل الى البني . لا تلعب مع اقرانها في الساحة ، بل كانت لها لعبة اليكترونية يحتفظ لها بها المدرس حتى وقت الاستراحة لتسلمها له فيما بعد . كان الصمت و الهدوء من شيمها .
لم تكتمل السنة الرابعة اعدادي حتى غابت حسناء عن القسم و المدرسة . قيل انذاك انها ذهبت الى امريكا مع ابيها الذي عين في مهمة ما .
رغم ان احمد يشعر بالاثارة و الاعجاب بالانيسة الجميلة حسناء ، الا ان الحراسة المشددة عليها لم تسمح له بالتواصل معها و لو بشيء . و رغم ذلك احتفظت ذاكرته بالوان ملابسها الجميلة و بتسريحة شعرها المميزة و جمال وجهها اللامع و باقلامها الخاصة و حتى دفاترها كانت من نوعية مختلفة . و الاجمل هو براءتها .
قالت حسناء تذكرت حين كنت تجلس في الطاوولة خلف طاوولتي . اتذكرك تنزع مقابض شعري من خلفي و اشعر بذلك دون ان تثير احساسي بذلك . و كنت تعيد لي المقبض في اليوم الموالي تضعه في مكانه حتى و ان كان غير منسجم مع تسريحتي و لباسي . كان ذلك يثير تساوًلات امي ، لكنها لم تكن ترضى ان تسال عن اشياء بسيطة . ضحك احمد و هو يتذكر مشاكسته .
رغم انه كان من ابناء العاىًلات المعروفة في المدينة و رغم انه من المحظوظين الذين يدرسون بهذه الاعدادية . الا انه كان داىًما يميل الى المشاكسة ، بل كان يرفض ان يرافقه الساىًق الى باب القسم او الى ان يسلمه للحارس العام . كان يشعر بضيق شديد و يشفق على حسناء من الوضع الذي تعيش فيه .
تبادل الاثنان الذكريات التي مازالت محفورة في ذاكرتهما بتلك الاعدادية .
لم يعد احمد يشعر بالوحشة في القاعة الفسيحة . اخبرته حسناء انها تحتفظ له بتذكار قد يكون نساه . سلسلة من الفضة يتوسطها قلبان ملتصقان كتب على اليساري احمد و اليميني حسناء .
ابتسم احمد و اثار ذلك اعجابه و شعر بلهفة لروًية التذكار . اعاد شريط احداثه . فقد اشتراه من مدينة اسطياف في الجنوب اثناء العطلة الصيفية ، و لما كان من الصعب عليه محادثة ابنة الوزير فقد وضعه لها على الطاوولة . اختطفته حسناء و احتفظت به لمدة سبعة عشر سنة .
سافرت حسناء الى الولايات المتحدة الامريكية صحبة والدها الذي عين هناك في مهمة دبلوماسية بواشنطن. هناك اكملت دراستها الثانوية و الجامعية . و بقيت تحتفظ بالتذكار دون ان يكون لها امل في ملاقاة صاحبه .
تابعت دراستها العليا بامتياز . قدمت رسالة الدكتراه في تسيير المقاولات . حصلت على الدكتوراه من احدى جامعات نيويورك بميزة ممتاز ، بل كانت في المقدمة و بمعدل لم يسبق تحقيقه في تلك الجامعة .
طوال تلك المدة و حسناء فريدة ، لم ترتبط باي شخص . كانت تعاشر الرجال و النساء في حدود علاقة الدراسة و فقط . طلاب هذه الجامعة من الامراء و ابناء ملوك و كبار رجال المال و الاعمال في العالم . كانت حسناء تحظى بحب و احترام الجميع . طالبة لا تظهر عليها اية علامات الانتماء للشرق عامة و المغرب خاصة . تعيش كالامريكيات ، خاصة انها تتقن اللغة النجليزية وتثقن الموضة بشكلها غير المثير . كانت من طالبات عصرها في المجتمع الامريكي .
في اليوم الذي ستقدم فيه رسالة الدكتوراه لاحظت ان ذلك لن يتم في حرم الجامعة ، و لكن باحد الفنادق الفخمة بنيويورك . لم تعر الامر اهتماما . اعتقدت ان هذا اختيار ادارة الجامعة فقط . لم تكن تنتظر رحابة المكان و لا ما تم تقديمه للحضور من مشروبات و حلويات مغربية ، خاصة ضيوفها المدعووين . و الحفاوة الخاصة التي تلقاها والديها وسط الحضور بتمييز مكان جلوسهما .
و بعد ان اعلن الفريق المشرف على الرسالة نجاح حسناء و حصولها على اًعلى ميزة في تاريخ هذه الجامعة المميزة دوليا ، تفاجاًت حسناء باعلان غريب ، مفاده ان الذي تحمل تكاليف القاعة و الاستقبال بهذه الفندق المشهور هو احد زملاءها في الجامعة .
تقدم الزميل للمنصة و قدم نفسه بعد تحية حسناء و الفريق المشرف و خاطب حسناء امام الملا . من هنا اتقدم للدكتورة حسناء طالبا يدها للزواج .
لم يكن للدكتورة حسناء وقتا للتردد، و اعلنت قبولها . صفق الجميع و كان الحفل حفلان . حفل الدكتوراه و حفل خطوبة .
تزوجت حسناء براشد . انه احد امراء المشرق . كان يعاملها في الجامعة معاملة خاصة ، و لكنها لم يخطر في بالها الزواج منه . بعد سبعة اشهر من الزواج ظهرت علي راشد اعراض مرض لم يمهله سوى اربعة شهور ليوارى الثرى . ثمرة هذا الزواج ابنا يسمى اسعد .
رن هاتف حسناء و هي تحكي لاحمد بلهفة متناهية ، و تذرف دموعا تجففها بليونة ، تستعيد شريطا من ايامها و الرشاقة لا تفارق وجهها الجميل . انه الرجل الاربعيني الذي عاد من مشواره و يخبرها انه رهن اشارتها . امرته بالانتظار بعض الوقت .
وضعت يدها على ركبة احمد و امعنت في النظر اليه و قالت " سنلتقي في موعد اخر لاحكي لك اصعب ايامي يا عزيزي " .
الرفيق طه 21/02/2014.......23:35








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عندما تتكلم العيون
عمر ( 2014 / 2 / 24 - 12:45 )
.واخيرا بدا حوار اخر ممزوج بخلطة معقدة من رواسب عواطف لم تمت.
في هده الحلقة يتقزم الزمان ويعانق الماصي الحاصر علئ ايقاع الصدفة الجميلة

فالقدر رتب كل شيئ فكان اللقاءارتفع الايقاع
والوجع واصبحنا مبهورين امام نفس قصصي عميق وحوار جوارح عطشئ للارتواء


2 - عفوا يا عمر
الرفيق طه ( 2014 / 2 / 25 - 17:15 )
كل ما يبوح به القلم لم يكن له طعم الا باعترافك ، انا مدين لك بالكثير من الخيال و الصور و لكني انتظر منك فتح الكنز الذي تختزنه في دواخلك .
اشعر بفخر كبير باطراءك هذا ... شكرا


3 - عفوا يا عمر
الرفيق طه ( 2014 / 2 / 25 - 17:18 )
كل ما يبوح به القلم لم يكن له طعم الا باعترافك ، انا مدين لك بالكثير من الخيال و الصور و لكني انتظر منك فتح الكنز الذي تختزنه في دواخلك .
اشعر بفخر كبير باطراءك هذا ... شكرا
اتمنى ان تكون المغامرة على الاقل في نفس المستوى في الحلقات المقبلة فقط و فقط لانال رضى القراء .
تحياتي لكم جميعا .

اخر الافلام

.. الحيادية والتحليل القوي والسليم أبرز صفات المحلل السياسي


.. الزراعة مصدر دخل رئيسي للعائلات الريفية




.. الصحفية ريم السعودي


.. أغنية قالوا سعيدة في حياتها




.. نساء فلسطين عندما تصبح الأرض هي القضية