الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منعطفات الحياة

محسن حبيب فجر
(Mohsen H. Fagr)

2014 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد الحياة، سواءا على صعيد الفرد او المجتمع، العديد من المنعطفات التي تترك بصماتها على مجمل المسيرة. غير ان بعضا من تلك المنعطفات تكون مفصلية وعلى درجة عالية من الأهمية لما تشكله من نقاط تحول واضح في مسيرة الحياة. فعلى مستوى الفرد يمثل الانتقال من مرحلة الصبا الى البلوغ منعطفا مفصليا تتغير عنده طبيعة التعامل والعلاقات بينه وبين محيطه الاجتماعي، كما يعد الانخراط في دراسة جامعية معينة منعطفا مفصليا آخر في حياته لانه سيحدد طبيعة تخصصه الاكاديمي ونوع الخدمة والدور الوظيفي الذي سيلعبه كفاعل اجتماعي، وهي أمور لم تكن واضحة قبل المرور بهذا المنعطف. واما على صعيد المجتمع فان الاحداث الكبرى التي يمر بها هي المنعطفات المفصلية في مسيرته الحياتية، فسقوط الدولة العثمانية وظهور الدولة العراقية يمثل منعطفا مفصليا ومهما في مسيرة المجتمع العراقي، وكذلك فان بريطانيا وألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية غير بريطانيا وألمانيا واليابان ما قبلها لما مثلته تلك الحرب من منعطف مفصلي في حياة البريطانيين والالمانيين واليابانيين.
ولان المنعطف المفصلي يشكل فاصلا بين حال قديم وآخر جديد، فمن المهم تلمسه وتحديده والانتباه له سواءا من قبل نفس المارين به، افرادا اومجتمعات، او من قبل من يتعامل معهم او يراقبهم وكذلك من قبل الدارسين للسير التاريخية.
بالنسبة لدارسي ومراقبي ماضي وحاضر الافراد والمجتمعات، تأتي أهمية تلمس وتحديد المنعطفات المفصلية في الحياة بسبب ما تقدمه من إجابات على احداث ومواقف ليس من السهل تفسيرها فيما لو تم النظر الى الحياة على انها خطوات منتظمة ورتيبة تأتي اللاحقة منها على انها نتيجة طبيعية لتراكم أسبابها في سابقتها مما يستصحب طريقة واحدة في التعامل مع الفرد او المجتمع قبل المنعطف المفصلي وبعده وعدم ملاحظة مدى التغير الذي يشهده من يمر بذلك المنعطف فردا او مجتمعا.
اما بالنسبة للمتعاملين، فتأتي الأهمية من ضرورة التقييم والفهم الموضوعيين للآخر وصولا الى إيجاد التفاهمات ومد الجسور وتحديث خريطة الفرص مع الآخر وصولا الى تحقيق الأهداف التي تقف وراء التعامل. فالمنعطف المفصلي سيفتح ابوابا ويغلق أخرى، ويغادر اوصافا وظروفا بلا عودة لها.
واما بالنسبة لنفس من يمرون بالمنعطف المفصلي من الافراد او المجتمعات، فان الأهمية تأتي مما تستلزمه مرحلة ما بعد المنعطف من تحديث في الخطط والستراتيجيات وتحديد الأدوات بناءا على معطيات المرحلة الجديدة، والنظر الى مرحلة ما قبل المنعطف على انه ارث تاريخي تستخلص منه العبر لترسيخ ما نصع من جوانبه وصفحاته وتجنب تكرار ما كان اسودا منها.
ولذلك فمن اكبر الأخطاء التي نقع فيها هو النظر الى الحياة على انها خط مستقيم وان احداثها ليست سوى نقاط على هذا الخط، وان النقاط السابقة هي مقدمات نتيجتها النقاط اللاحقة. ان خط الحياة متعرج في واقعه، وهو يغير اتجاهه عند كل منعطف كبير (مفصلي) في اعلان لدخول مستجدات على تراتب إيقاع الحياة لابد، لمن يريد اغتنامها، من التفاعل معها واتقان الاستفادة منها. ولذلك فالمنعطف المفصلي يمثل نافذة جديدة وفرصة ذهبية لابد من اقتناصها لاعادة ترتيب أوراق الحياة بشكل من شأنه ان يدفع باتجاه الامام شريطة عدم التعامل معه والنظر اليه على انه مجرد حدث كبقية الاحداث التي تشهدها الحياة.
لقد مثّل سقوط صدام حسين في نيسان 2003 اهم المنعطفات المفصلية التي مر بها المجتمع العراقي منذ منعطف تشكيل الدولة العراقية الحديثة على اثر هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى. فغياب الحكم القمعي وترسانة القتل خاصته، بالإضافة الى طبيعة التغيير وحضور العنصر الأجنبي وخصوصا الغربي فيه وما يعنيه ذلك من انفتاح واسع على العالم، بالإضافة الى دخول الأحزاب العراقية ذات الإرث العريض في معارضة صدام والغني بالدماء وقضبان السجون، وكذلك حجم السخط الذي ملأ العراقيين والالم الذي يعتصرهم لما آل اليه حالهم وحال بلدهم على يد الدكتاتور، كل تلك المعطيات مجتمعة شكلت منعطفا مفصليا في حياة المجتمع العراقي كان من شأنه ان ينطلق به الى آفاق رحبة وأوضاع حياتية يحسد عليها.
غير ان اخطاءا قاتلة وقع فيها العراقيون كانت كفيلة بتدمير عدد غير قليل من الفرص الذهبية وغلق العديد من النوافذ التي وفرها هذا المنعطف. منها تغييب المجتمع لدوره بصورة شبه تامة في معادلة ما بعد المنعطف في حالة من اجترار لدوره في مرحلة ما قبل المنعطف متكئا على حلم وردي ظلت اطراف مهمة تزقه إياه طويلا خلاصته انه، أي المجتمع، طفل له اب يقوم على رعايته وتحقيق مصالحه. ومنها انعدام التعامل المتبادل لفكرة الراعي والرعية بين المجتمع العراقي عموما وشيعته خصوصا وبين مرجعيته الدينية، فقد ازداد تمحور شيعة العراق بصورة تكاد تكون تامة، كنيتجة لوقوعهم تحت الضغط السياسي والاقتصادي، حول مراجع الطائفة بالإضافة الى حضور السيد علي السيستاني الاوسع نفوذا وتأثيرا من غيره على الاطلاق كمرجع وحيد في المنعطف مضافا اليه الثقافة العقائدية التي تطرح المراجع على انهم قادة للمجتمع واجبي الطاعة واحترام حتى غير الشيعة لهم، كل ذلك أدى الى تسليم عموم المجتمع العراقي قياده لمرجعية السيستاني، لكن مجريات الأحداث اثبتت ان المرجع لم يكن يبادل المجتمع هذه الفكرة بصورة تامة وانما كان تدخله في المفاصل المهمة ابتداءا ثم اخذ بالاضمحلال تدريجيا وصولا الى التلاشي منذ عدة سنوات مكتفيا بدور النصح عبر منبر جمعة كربلاء مبتعدا تماما عن دور القيادة والأداء القيادي الذي انتظره منه المجتمع (وهذا الامر جدير بالتوسع في بحثه لكن لا محل له هنا). ومنها، وخضوعا واجترارا لما فرضه الانقسام المجتمعي في العراق طائفيا في مرحلة ما قبل المنعطف، ابداء الولاء الاعمى والدعم غير المستحق من قبل المجتمع بشيعته وسنته لاحزاب اثبتت خيانتها لطموحات ومصالح العراقيين عموما متحولة الى كابوس ومانع يحول دون الاستفادة القصوى من معطيات المنعطف.
ان اهم عامل يوفره المنعطف ثم يعود للاستناد عليه في رسم ما بعده من أحوال وأوضاع هو فرصة إعادة انتاج الثقافة المؤسِّسة للسلوك في مختلف المجالات. ولان العديد من فرص منعطف 2003 لاتزال متاحة لحد الآن، مضافا اليها اننا لانزال نعيش المنعطف بالنظر لقياس زمنه بعمر المجتمعات لا بعمر الافراد، فان ثقافة مؤسِّسة صحيحة من شأنها لو توفرت في العراق ان تعيد بوصلة الاحداث الى اتجاهها الصحيح. ولكي يتم ذلك فاننا بحاجة الى الخطوة الأولى والمتمثلة بإعادة رسم التوجه المجتمعي وإعادة هيكلة أولوياته مبتدءا بمصالحه وحقوقه كخطوط حمراء ومقدسة يجب العمل على توفيرها وصونها تحت اشراف ومراقبة من نفس المجتمع وعدم ايكال هذه المهمة الى الغير أيا كان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى النكبة.. -لماذا لا تستقيل الأنظمة العربية بعد فشلها


.. إردوغان: أكثر من 1000 عضو من حماس يتلقون العلاج في تركيا




.. مغامران يحلّقان لأول مرة عبر جسر البرج الشهير في لندن


.. شحادة: واشنطن أصبحت مقتنعة أنه لا حل لتهدئة الجبهة الشمالية




.. حشود عسكرية إسرائيلية على تخوم رفع استعدادا لهجوم واسع النطا