الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يكون القمر مقبرة الزعماء !

عدنان سلمان النصيري

2014 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


منذ بدأ الخليقه حمل الانسان جدليته في عقدة تبرير مأساته امام عنفوان عواطفه وتاملاته ، فكلما إنفلت لديه جماح العاطفه بالكُرْه ،تاججت في قلبه نيران الحقد ، وكلما تراخت لديه حبال القلب تأرجحت فيه مراجيح احلام الود والعشق والتأمل . وأبى هذا الانسان ان لا يستفيق على واقع هزائمه ، لكي لايصدم بمرارة الحقيقه ، وسعى جاهدا لتحويل فشله الى حالة انتصار نرجسي مؤجل قد يحصده في مستقبل الاجيال .
وما دام هذا الانسان واقعا بين قطبي الاضداد ،يبقى خاضعا لقانون جاذبية وتنافر طبيعة الاشياء ، فكلما ازداد انجذابا واستقطابا نحو إحدهما زاد نفورا وابتعادا عن الاخر. ولم يستطيع المحافظه على حيادية المنطقه الوسطى الا القلائل من المحصنين، بالمدارك والمفاهيم الصحيحه والتجارب الواقعيه ،التي اكسبتهم جذورا قويه، وعميقه في الثبات وعدم الانجراف للهوى ،اوالتاثر بالاعاصير الطارئه .
و على مر التاريخ ، ترتبت اولويات الاستقطابات وتحقيق الولاءات على طبيعة استثارة الاحاسيس العاطفيه واثارة النزعات والنعرات المجسده للمصالح الضيقه بالافراد والمجتمعات واستغلالها بالشعارات والاهداف المثاليه . كوسيله للهيمنه على العقل الانساني المغيب باستفزاز حاجاته المفقوده التي صارت في معظمها احلاما له ، وبادعاءات والقاب مزعومه لقادتها ، وبمساعدة تاثير بطاناتهم ،في ترويج هذا الاعتقاد على الناس ،بانهم يمتلكون صلاحيات لقدرات خارقه مستلهمه من وراء الطبيعه ، لاضفاء مزيدا من الشرعيه بقبول الاذعان للتسلط ، والاستعباد للفكر وللانسان ، كمافي ادعاء التنصيب الالهي ،أوظل الله على الارض بحكمه وقدره ، او الادعاء بالانسلال من انساب وبيوت الانبياء أوالاولياء والصالحين ،والبيوتات الشريفه من ذريةالابطال المنتجبين، او التلبس بصفاتهم ، وانهم هدية القدر الالهي المكتوب على الناس .او بالتوسل ببركات إلرب ، بامتلاك وسائله واسراره ، أوحيازة رموز مقدسه ، كشعرات الانبياء اوالاولياء الصالحين،او بامتلاك درعهم المهشم أوسيفهم الصدأ الذي تحمله الملائكه بالجهاد والنصر ،اوعباءتهم المهترئه التي ترتدى كلما اريدالارتجاز وقت المحن والازمات، لاستثارة حشود الناس اثناء الاستنفار والقتال .. ،او بطريقة التخدير لتفادي الازمات ، كالتمهيد بالغيبه الموقته للرموز المهمه والظهور بوقت غير معلوم ، من اجل الاستمرار وعدم الاعتراف بالهزيمه او الخساره ، واشاعة العوده بالتزامن مع ظهور رموز عقائديه عظيمه ، ترافقهم ظواهر واحداث مجلجله ومزلزله للنظام الكوني برمته ، و ينعم الناس بالخير والعدل والامان .
وقد دأب اكثر هؤلاء(القاده والزعماء ) منذ اليوم الاول مع حركاتهم واحزابهم او شيعهم على ترسيخ طبيعة قدراتهم الشخصيه بالفكر والقياده ،وتسليط الضوءعلى ذاتهم ،والعمل على تكريس كل الوسائل مع اتباعهم ومؤيديهم لتسهيل الانقياد والولاء ، ولم يترددوا بالتصدي لكل عناويين المعارضه وخصوصا الداخليه منها ، بتصفيتهم او معاقبتهم بكل وسائل القمع ، بعد اتهامهم بالخيانه العظمى ، وحسب عرفية الاحكام لكل الحركات التي تدعي الثوريه .
وعندما يصادر كل شيئ ولم يتبقى للانسان البائس اي شيئ ، وسط النكبات و الانكسارات النفسيه ،لا يملك الا الانتفاض داخل احلامه لانقاذ نفسه المقهوره قبل الاستسلام الاخير . كما لو كان مشرفا على الغرق في الرمق الاخير ،عند حدوث الطوفان ، ليصارع من اجل البقاء والخلود . فكيف اذا ما كانت قشته هذه المره ،موجوده باعماق عقله ووجدانه ، وهو يحاول استصراخ كل القوى الخفيه من حوله، ومنها ارادة السماء ، لرفع الحيف والظلم المتسبب في ماساته . وهذا لا يكتمل تحقيقه الا باستحضار رموزه الغائبين ، وتنصيبهم بذروة السماء على وجه القمر ، وليتجلى نفوذهم اكثر باطلالتهم البهيه ، كلما اكتمل البدر .
وهكذا يتصور كل المفجوعين باستمرار خلود احلامهم مع ارواح مفقوديهم ، وهكذا يبقى نداء ضميرهم يهتف دائما بحفظ قدسيةالولاء لاوليائهم من الزعماء، حاثين كل الناس من حولهم ، ليكونوا مصدقين لهم وسائرين على نهجهم وخطاهم ،وتأكيد تحديهم لكل معارضيهم على استمرار ادلجة الاجيال اللاحقه ،مراهنين على اهمية طبيعة حقوق ارث الاجداد والاباء، لنقله وديعه الى الابناء والاحفاد ، كموروثات ادبيه وفكريه واخلاقيه مقدسه جيل بعد جيل .
*قد تتباين طبيعة الامثله المقرونه بالشواهد والحقائق ، في تكوين جماعات فكريه وعقائديه تبني تنظيمها بشكل متجدد، كلما زاد التضييق عليها أومحاولة عزلها أوابادتها ،انطلاقا من ارادة التحدي واثبات الذات الانسانيه بعناويين مختزله وراسخه . كما هي شواهد التاريخ بكل حقباته المختلفه، ، كما ورد عن شخصية ابو مسلم الخرساني واعتقاد فرقة الراونديه بالوهيته ، وقبل ان يستطيع ابو جعفر المنصور من اعادة غْسَل دماغ قسما من اتباعها لصالحه واستمالتهم اليه ، وليؤله من قبلهم مجددا، بعدما اغدق عليهم بالمال ، ولكن بقى الاعتقاد والفكر راسخا في جماعات اخرى مثل الخرميه أوالمسلميه الذين ثاروا لمقتله واستمروا على نهجهم منذ سنة 137 هـ واعتقدو بغيبته المؤقته وأنه الإمام الذي سيعود لينشر العدل في الدنيا .
وكذلك الحال في فرقة البابيه والبهائيه ، قبل ان تتسع وتعظم لتصبح تنظيم عقائدي ، مفتوح على المذاهب والملل والاديان ،عندما كانت تقدس زعمائها المؤسسين وخصوصا بعد اعدام زعيمها سنة 1850 الملقب بـ(لباب) وهو علي محمد الشيرازي ومن ثم بزعيمها الميرزا حسين علي المازندراني الملقب ( بهاء الله) .
وازدادت الظاهره لتشمل الحركات والاحزاب العلمانيه الحديثه ، وخصوصا كلما شارفت على مرحلة الانهيار والهزيمه والاحباط ، بالانقلاب الايديولوجي وربط مشروعها العاطفي فجأة بارادة السماء أوالايحاء بظهور رموزها على وجه القمر ، كما حدث سابقا في ظهور صورة الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم امام رؤية محبيه ومناصريه ممن عرفوا ب(القاسميين )بعد اعدامه في انقلاب شباط 1963 ، او بعد الوفاة المفاجئه للرئيس عبد الناصر وظهوره ( حسب مخيلة كل الناصريين) ،عندما شاهدوه كذلك لوحدهم على وجه القمر عشية فقدانه . ليتكرر نفس المشهد مع صدام حسين سنة 2004 ومشاهدته من قبل اغلب عاشقيه في دول عديده مثل اليمن وفلسطين وبعض مدن العراق وافريقيا ..الخ. وهكذا ايضا مع ابن لادن عندما شوهد في شاشة القمر وخصوصا على ارض السعوديه وافغانستان .
وتبقى الاثاره مستمره وغير مقصوده بمهزلة العقل السياسي ، لطالما مستمده من طبيعة هزالة العقل البشري،او قد تكون مؤدلجه كما في واقع بعض السياسات العلمانيه الحديثه ، عندما حاولت التناقض بخطابها السياسي ،ورسم علاقاتها و تحالفاتها بشكل مختلف ، وحملت شعارات الشرعية الدينيه ، كجزء من تطبيق خطة طوارئ سياسة الانقاذ في اخر لحظات ممارسة السلطه وما بعدها ، واظهار بناء العلاقه الروحيه مع الله واعتباره السبيل الوحيد للخديعه بالاستمرار ، حتى صاروا نساكا ومتعبدين من الطراز الاول تعج بهم الجوامع وصلاة الجمعه ،واكثر حتى من السلف الصالح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا