الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية لعبة الاسطورة المعولمة

أسامة غانم
ناقد

(Osama Ghanim)

2014 / 2 / 22
الادب والفن


وهكذا ،ففي الاستخدام الاسطوري- الرمزي في قصة " قلعة المجانين " لزهيرغانم ، او استــعارة الاســطورة لقراءة الواقع الحديث ، يجري " تكوين وضعية إسـتثنائية غير ممكنة في الحياة الاعتيادية "(1 ) ، ففيها يتداخل الناس والافكار ،على مسـتوى جدلي ،فعندما يسـود اللاحكي ،عندئذ يكون بديله الحكي الممتليء بالرمز ، أي أن يرتدي الواقع اقنعة ألاسـطورة ، لتجسـيد الحاضر ، تجسـيد شكله المدمر ، وتصوير براعته ، وفي هذة العملية ينشأ حاضر موازٍ له ، ولكن خارج النص ، بمعنى انه مسألة ادراكية قرائية ، يتفجر من النص لتشكيل ملامحـه ، فان تكوين الحاضر هو الإمر المهم والضروري كما يقول بارت فــي الاسـطورة اليـوم ، وتتم " صياغة الاسـطورة بناءً على متطلبات الحاضر ، وان الاسـطورة هـي الصوت الذي يتحدث بـه العصر الى نفسـه " (2 )، والاشـتغال على الخيال الحر ، واللغة المرمزة ، وحــدة الوعـي الذاتي للرؤيا ، وتكون غائية القصة من الصعب الامساك بها ، لاول مرة ، لانها تحمل معاني متعــددة لامحددة عن قصد ، وتهكمية مبطنة بالعنصر السياسي –السوسيولوجي ، والبنية السوسيولوجية فيها " بنية انشقاقية لاحوارية"(3 ) ، والحقيقة التي تمتلكها ، حقيقة مطلقة ، وماعداها مزيفة ، لذلك يغيب الحوار ، ويغيب معه الصوت الاخر ، وتصل الى حد التهكمية بالزمـن ، حيث تكون عند البرجوازية قضية تفتقر الى المصداقية ، فلذا لازمنية القصة تأتي منسـجمة ومتلائمة مـع البناء الفني للعمل ، ومــع شـمولية التجربة الانســانية .
والارضية التي تسـتند عليها القصة ، هـي ازمة الانسان العربي المعاصر ، مع ذاته ومـع العالم ، وتسـطير الواقع وتوظيفه لتعميق واثراء الواقع ذاته ، عند تسليط الاضواء على الانسـان الذي يولد وهو مكبل باغلال الحكومات القمعية ، ومصادرته فكراً وجسـداً ، واحياناً كثيرة الغائه عن طريق تغيبه عن الوجود ، ويتم ذلك عند قيامهم بصناعة اسـطورة الوهم ، لتكريسـها كحقيقة مطلقة ، لينفذوا بها مخططاتهم ( بصورة غول يتربص ) بهم ، وهذا مما يجعل الشـخصية فـي القلعة ، تلتقي بالصورة الجماعية دون المساس بجوهر النص ، فاللسان المقطوع للــراوي فـي بداية القصة ، يتحول بعد عدة اسطر الى لسان بحجم الانسان ، ويتكلم ، ليقص احداث القصة للنهاية ، هنا فانتازيا تخترق الصورة العادية ، لاحلال صورة خيالية معها ، مظللة بالرمزية ، مشحونة بمناخات الف ليلة وليلة ، تعمل على تغريب النص ، فـي سبيل اعطاءه ابعــاد انسـانية معاصرة ، وكثافة فـي الرؤية ، واستيعاب لتاريخ اللحظة ، عبر عالم غرائبي ينقل " الامكانات الكلية للوضع الانساني "(4) قرائية النص .
والشخصية الرئيسة هـي القلعة ، ولكن يلتبس وجودها من عدمه عند القاريء ، رغـم أن النص كله ، يدور ضمن دائراتـها ، ولايخرج عن نطاقها ، ولكن الى الاخير لانعرف أي شــيء عنها، ولاعن سـكانها ، ولاعن لغتهم ، او عاداتهم او ثقافتهم ، وبالتدريج تتحول القلعــة الــى جحيم لأهل المـدن ، فبسببها تجبى الاموال ، ويجند الناس ، وتكون البلــد فــي وضـــع طـارىء ،وتتحول " الحياة الـى بؤرة لا خروج للفرد منها الا بالموت "(5 ) ، والقاريء لايتمكن من الوصــول الى التأويل العام لقلعة المجانين ، بدون تثبيت مفارقة المعنى ، المتواجدة فـي النص وهذا يتم عند قيامنا بقراءة النص ، قراءتين مختلفتين ، لأن القراءة الثانية المختفية تعمل على هــدم القراءة الاولــى الظاهرة ، وبهذا يطفو المعنى الباطني ليغطي المعنى الظاهري ، المسـتمد الياتـه منـه، وهنا يتكون هدف القراءة ، فهو " التعبير الصادق عن الواقع الذي خارج النــص"(6 ) ، فـالقراءة تعني ايجاد المعاني ، تعني حصول القاريء على حريته فـي القراءة ، ومـن الممكن قراءتها علــى مستويين : احدما سوسيولوجي والاخر اسطوري ، المرتبطان معا بجدلية المعنى ولامحدوديتها ، وفـي ذات الوقت تعمل القراءة الثانية على تفكيك جدلية المعنى ، لتحـدد قصدية النص ، لأنها " تكشف عن وجود أجزاء وعقد ارتباط خفية ضمن الاجماليات الوحدوية الظاهرية – بول دي مان " ، وعنـد البحث عن الصراع لانعثر عليه ، فالصراع اساسا هو صراع وهمي ، يختلقه الولاة مـع القلعـة ، رغم أن القلعة مقفلة ، مغلقة ، والصراع لاينشــأ الابوجود طرفين متعارضين ، ولكن الصراع مع مـن ؟! هذا هو السـؤال المهم فـي " قلعة الجانين " ، فالولاة يصنعون اسـطورتهم لتكريس سـلطتهم ، والغاء الحوار ، وبث الذعر ، بينما القاص زهير غانم يصنع اســطورة مضادة فــي داخل نصـه لكشف الزيف والكذب ، ولتحرره خياليا ، فـي تفجير الرمز – الدلالي داخل النص لتبين اليات عمل القص فيه ، ولتبين كيفية صناعة الاسطورة المرمزة الواقعة ضمن استبطان الذات للفرد واستبطان الذات للاخرين ، ويبقى الانتماء الـى العصر ، عصرهم ، وتتحكم فـي هذة العلاقة المتداخلة بيـن المؤلف والنص علاقة حدليـة- دلاليـة ، ومهما كان النص الادبي غامضا يستطيع المرء أن "يجعله ذا دلالة : بان يعده اولا دليلا لتجربة من ثــم يحدد المرء معنى تلك التجربة " (7 ) ،كما يقول الناقد الامريكي ستانلي فيـش .
والمفاجأة غير المتوقعة تاتي في السطر الاخير على لسان اللسان عندما يعلن للناس : - هو يريد أن تصدقوا أن في القلعة حياة .
هذا ينسف كل توقعاتنا واستنتاجاتنا ، وليضع الوالي امامنا عاريا ، ولاعادة القراءة مرة ثانية ، رغم ابتعاد القاص زهير غانم عـن ادلجة النص ، بل طرح رؤيته على شكل قصة الـتي هـي اساسا تهكمية ، تعبيرية عن القوى الشـريرة ، مــع احتواء النـص على الكثير مــن الاستشراقات والتوقعات ، وهو لم يستلهم اسطورة بل قام باسطرة الواقع المأسـاوي ، لتعميـق خطوط المأساة اللامرئية وابراز حجمها اللامحدود ....وهذا يجعل القاريء والنـص امـام مفـترق طرق صعبة .
ويلتقي الوالي مـع دون كيشوت فـي طواحينه ، عنـدما يحارب الاثنان عدواً وهمياً ، ولكنهما يفترقان فيما عدا ذلك ، وخاصة في الهدف ، والقوة المسـتمدة منه ، فكلما تزداد وحشــية الوالـي تجاه القلعـة ، كلما يزداد قمع الناس ، فتصبح المسـألة طردية ، ولا نسمع بقية الاصوات الا في الحالات التالية : تابعـة- خائفـة – مرعوبة – ذليلة ، فالصوت الوحيد هو صوت الوالـي/ القائد العام للجيش ، ومايقوله لايأتيه الباطل ،وبقية الشـخصيات : الحاجب –القادة – السـحرة- العلماء- الحكيم – الشـابندر – النخبة - ، حتى الهمس ممنوع عليها، رغم انهم يعرفون أن " كل الافعال والاعمال القذرة التي تنسب " لقلعة المجانين " هي من فبركة ، خيال الوالي الشيطاني " ، فاقترنت هنا القلعة بالوالي ، ومادامت موجودة فهو موجود ، كوجيتو يتغذى على الواقع والوهم ، وبالذات عندمـا يتم تحويل الاخرين الى دمى ، ومهرجين ، وببغاوات ، وكلما توغلنا فـي فهمنا للنـص ، تتكشـف لدينا ازدواجية اللعبة ، وتاخذ اللعبة مسـارين ، الاول : لعبة القاص بالنص الغائب ، الثاني : لعبة الوالي فـي النص الحاضر ، ومابينهما من خطوط تماس وتداخل ، عليه تبقى الادانـة صامتـة ، غائبـة .
وعند محاولتنا للتفتيش عن الاسباب التي تدفع بالولاة الى محاولة قضم قلعة المجانين ، تتوضح عندنا الاسـاليب ، وتحديد المعنى ، وتتسع الرؤية الشـمولية ، في الغـاء تجربة الاخر بالكامل ، في اطار القراءة التحليلية ، التي تعمل على تركيب المعاني المفقودة من اجل توصيـل الصورة الكاملة الى القاريء ، في رؤية تسـلط جبروت القوة على مباديء وحقوق الانسـان ، بمعنى : استغلال الاخرين وخبرتهم لمصلحة ( المركز) ، انها اممية بلا اخلاق ( 8 ) ، وعلينا أن نعلم أن صور القصة رغم ماتحمله من غريب غير مألوف ، فانها تستخدم الرمز والمجاز ، لذا وجب أن نتأملها مجتمعة في مجالها التعبيري الخاص وهذا مانشـاهده في اسـتخدام الوسـائل المختلفة من : الجنـس- المـال – المعرفة والتقنية ، المرفوضة من الاخر ، لاكتفائه الذاتـي ، ومعرفته التامة بخطورة هذة الوسائل ، ولكن المحاولات لاتتوقف في سبيل اقتحام القلعـة باحدى هـذة الوسـائل : 1 - ( هاهو والينا يرسل اليكم احسن الحسان ....هدية لكم ) ( لا والي عندنا ، او علينا وحياتنا ماشية على أحسن مايرام بصورة لامثيل لها فوق الارض ، ومن ثم فهديتكم مرفوضة لان لدينا من النساء ما هن اجمل وافضل واروع ، فضــلاً عـن أن اعرافنا تمنع ادخال الغرباء ..) 2 – ( يااهل القلعة جئتكم بالذي يسر الحال ويخلق الجاه ويحقق الاماني ويزيل الغــم والــهم ، جئتكم بالمال والثروة ) . ( لن نقبل الهدايا ..فهي تحمل في باطنها الرغبة الدموية لتصفيتنا ، ونحن لســنا بحاجة الى المال لاننا لانتعامل به ، فهو بذرة الخطيئة ، ونسغ الفساد ، ومكمن الشـر ) . 3 – ( ارسلوا اليهم مخطوطاتنا المدونة فيها نوميسنا وعقائدنا وقوانيننا ..وادابنا وحكايتنا ) ( لغتنا تختلف عن لغتكم ... ولاتستغربوا أن تحدثنا معكم بلغتكم ، وبالتالي فنحن على النقيض منكم ، واذا قبلنا بما ارسلتموه فاننا قد حكمنا على انفسنا بالزوال ، وذا مانرفضه ... لان في كل الاحوال ... نريد مايمثلنا ) .
ولكن لاستحالة الوصول الى القلعة ، لموقعها فوق قمة الجبل ، ووعورة المسالك اليـها يمنع عنها الغرباء موقتاً ، ولا امل للقلعة على مايبدو من توازن عادل امام منطق المصلحـة والنفوذ والقسر والقهر لانه هو الذي يحكم منطق العالم .
وتستمر سـردية القصة في اطار هذا الخطاب القصصي ، الذي رسمه القاص زهير غانم ، وهو خطاب خاص له قوانينه وتعابيره الخاصة ، وكيانه المترابط الخاص ، وليـس مجرد صورة لتجربة واقعية ، وليس مجرد مجموعة من الاشارات والرموز ، فالصور تحمل معناهـا ، ولكنهـا لاتمثل معنى خارجاً عنها .
تعمل قلعة المجانين على تجاوز البنية التقليدية للسرد ، لتكوين صيغة جديـدة لاليـة القص، تخترق افق الحداثة القصصية ، عندما نجد الاشياء اليومية والعامة تتحول الــى اشياء اسطورية، باسلوب يمتاز بالغرابة والانحراف ليدعو القاص فيه الى وضع العمل فـي اطــار الوعي الانساني: وقد قطع لسانه الذي وصفه بالملعون بامر الوالي ..وقد علق فوق باب المدينـة الكبير على عامود طويل ، ورجا الناس أن يقصدوه ليروا مصير من تجرأ واطلق للسانه العنان،استغرب المتفرجون من مشهد اللسان الذي طال وكبر واصبــح بحجم الانسان ، وازدادت دهشتهم عندما بدأ هذا اللسان بالكلام .
هنا كلمة قطع تعطي بعداً مهماً للنص ، فيه الكثير من الدلالات الرمزيـة ، والدلالات الانسانية ، مـع احتوائه على صور "عمل " الاخر ، وبشاعة هذا العمل ، وفيها يكمن شعورنا بالاتصال الباطني ، ليكون لنا دليلاً في قراءتنا ومفتاحاً لها ، عندما يتحول اللسان الــى ذاكرة سردية ، والى مركز للصراع الدائر الذي هو احد قطبيه ، كرمز وبنية وانسـان .
الهوامش والاحالات :
1 – م. باختين –قضايا الفن الابداعي عند دستويفسكي .ت :الدكتورجميل نصيف ، مراجعــة الدكتورة حياة شرارة ، ص 217 ، دار الشؤون الثقافية ،بغداد 1986.
2 – وليم رايتر – الاسطورة والادب . ت: صبار سعدون السعدون ، ص 156 ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد 1992 .
3 – ادونيس –النظام والكلام ، ص 46 ، دار الاداب ، بيروت 1993 .
4 – وليم رايتر- م س، ص 92 .
5 – ادونيس – م س ، ص 46 .
6 – وليم راي –المعنى الادبي :من الظاهراتية الى التفكيكية . ت : د. يوئيل يوسف عزيز، ص 177 ،دار المامون ، بغداد ، 1987 .
7- م س ، ص 174 .
8 – مقولة يطلقها عالم الاجتماع الفرنسي سيرج لاتوش على العولمة .
زهير غانم – قلعة المجانين – جريدة الزمن البغدادية ،العدد10 في 16/5/2000 .
نشرت في مجلة ضفاف ، النمسا - فينا ، العدد 11 – ك2 / 2003 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا