الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحظات فارقة فى حياتى ( ١)

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


سمعت كلمة الله من أبى لأول مرة فى حياتى، وأنه يسكن السماء، أصبحت أشق السماء بعينىّ النفاذتين فى استطلاع فطرى أحاول رؤيته، حتى قال أبى إن الله روح لا نراها بعيوننا وليس له جسد، ثم نسى أبى ما قال وسمعته يقول للخادمة إن عين الله ساهرة لا تنام، وتراقبها من السماء إن سرقت، تساءلت كيف يكون لله عين وليس له جسد؟ أليست العين جزءا من الجسد؟

رد أبى، أن عين الله مصنوعة بالروح ولذلك ترانا دون أن نراها. أصبحت أتوجس من عين الله التى تنفذ من أى جدار.

ثم عرفت الاختلاف بينى وبين أخى، لم أكن أعرف كلمة عورة، ولم أجد فى الاختلاف أى ميزة لأخى، بل تصورت أن الله يفضلنى عن أخى، لأنه لم يخلق لى الزائدة الدودية التى تتدلى بين ساقيه وتمنعه من اللحاق بى فى مسابقات الجرى.

لم تستمر فرحتى بنفسى طويلا، سرعان ما لا حظت أن أخى يحظى بميزات أكثر منى، يخرج من البيت ليلعب مع الأطفال ويركب البسكليتة وأنا أبقى فى البيت أساعد أمى فى المطبخ، يحصل على مصروف أكبر منى، مع أنه لا يشتغل مثلى فى البيت، ويسقط فى امتحانات المدرسة وأنا أنجح بتفوق، وأسأل عن سبب تميز أخى، يقولون لأنه ولد، لا يقتنع عقلى، وأواصل الأسئلة حتى تقول جدتى إنها إرادة الله، وكانت جدتى قد قالت من قبل إن الله هو العدل، لكنها نسيت مثل ابنها (أبى) الذى كان ينسى.


وظل السؤال يطاردنى والغضب من الظلم ينمو فى أعماقى، ولا أحد يعطينى ردا يريحنى، فلم أجد إلا الله ذاته لأسأله، وكنت لا أزال أتصوره شخصا يعيش فى السماء، وكانت أمى قد علمتنى الحروف والكتابة قبل أن أدخل المدرسة، فأمسكت القلم الرصاص وكتبت هذه الرسالة إلى الله:

يا ربنا العزيز، قالت لى جدتى إنك العدل الذى عرفه الناس بالعقل، فكيف تميز أخى عنى لمجرد أنك خلقت له هذه الزائدة الدودية؟ وإذا ظلمتنى يا ربنا العزيز لمجرد أنك خلقتنى بنتا فكيف تكون عادلا؟

شعرت بشىء من الراحة بعد أن كتبت هذه الكلمات، أخذت شهيقا عميقا ثم زفيرا طويلا، تخلصت من غضبى المتراكم فى صدرى. فى هذه اللحظة حدث الترابط الوثيق فى أعماقى بين الكتابة والسعادة أو الراحة فى كيانى كله، كنت طفلة فى السادسة أدرك بالفطرة أن جسدى ونفسى وعقلى وروحى كلها كيان واحد هو أنا.

بعد أن طويت الرسالة داخل المظروف بدأت أكتب عنوان المرسل إليه، لم أكن أعرف مكان الله إلا أنه يسكن السماء، تطلعت للأفق حائرة، ثم بدأت أشعر بخوف غامض من نار تتخفى وراء السحب، تصورت أننى اقترفت ذنبا خطيرا، هو الشك فى عدالة الله، وأن الدليل المادى هو هذه الرسالة المكتوبة بخط يدى.. أشعلت فيها عود كبريت بدورة المياه، لم يبق منها إلا الرماد، لكن الإحساس بالذنب بقى معى كالورم الصغير الخبيث ينمو داخلى بقوة غامضة أكبر منى حتى وقع الحادث التالى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لحظات
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 2 / 23 - 10:30 )
جميل جدا أن تكونين في طفولتك بهذه الرهافة وهذا الإحساس البريء
رائع جدا أن تطرحين هذه الأسئلة خلال طفولتك على نفسك وعلى الله
أيضا وتبحثين عن العدالة التي لم تكن يوما موجودة ولا هي ستكون كذلك على المدى القريب والطويل
ما حدث لك أيتها السيدة الكريمة هو ظهور إشارات عن الحكمة التي
كانت في داخلك
هذه الأسئلة هي نعمة الفكر الذي كان يكمن في أعماقك تنبئك بأنك
ستكونين كاتبة ومبدعة تمتعين الناس بعلمك وبعبقريتك
شكرا لك على هذا البوح الذي أجد له شبيها في أعماقي سواء في
طفولتي أو في مراحل أخرى من حياتي
أما الله ياعزيزتي فهو كما وصفته السيدة أم كلثوم في أغنيتها الخالدة
الله محبة والخير محبة والنور محبة ولا شيء غير ذلك


2 - الدين والطوائف والاحزاب عمل شيطاني
مروان سعيد ( 2014 / 2 / 23 - 11:36 )
سيدتي نوال السعداوي المحترمة
ان ماتعلمناه ووحفظونا اياه من تفرقة بين االبنت والشاب هو بشري مئة بالمئة ولكن الله لم يفرق بيننا وارادنا متساوين بكل شيئ ومختلفين بدنيا فقط واعطى المراءة ميزات لايقدر اعظم رجل ان يتفوق عليها
اعطاها الامومة والحمل والقلب الكبير الذي به تنشئ الاجيال الصالحة وتحافظ على الاولاد تحاوطهم وترعاهم من كل خطر
وياسيدتي لو خلق الله رجال فقط لايمكن استمرار الحيات وايضا اذا خلقهم نساء يجب كل انسان ان يعمل واجبه ووظيفته
واني اعتبر كلام السيد المسيح هو الميزان عندما قال يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكونا جسدا واحدا لااثنان
نعم سيدتي عندما نحقق هذا الكلام على ارض الواقع نجدهم متساوين كليا بل قمة المحبة عندما احس بزوجتي والامها وتحس هي بالامي وهمومي ونكون واحد واحب ابنتي واشتري لها دراجة وعربة واعاملها مثل ما اعامل اخيها
سيدتي البشر انانيين وابتعدوا عن الاله الحق وصنعوا اصنامهم وظلموا المراءة ولكن ابشرك سيكون على يدي المراءة التحرر والتقدم ودحر الخرافات جميعها
وللجميع مودتي


3 - في انتظار التتمة يا د نوال
مروان المعزوزي ( 2014 / 3 / 9 - 22:29 )
أتعلّم دائما منك أيتها المتنوّرة..دمتِ لنا دائما.في انتظار الحادث التالي بشوق..


4 - الحقيقه مرعبه
عراقيه ( 2014 / 3 / 11 - 09:24 )
الله يادكتوره هو حبل الامان الذي يتعلق عليه الكثيرون فلو اهتز هذا الحبل لفقدوا الامان بدواخلهم والتعمق في التفكير وطرح الاسئله عن وجود الله هو بمثابة تحريك لهذا الحبل
لذلك يفضل الكثيرون ان تبقى خلايا ادمغتهم في سبات على ان يتوصلوا لحقائق تدخلهم في متاهات هم في غنى عنها تحياتي لك ودمتي لنا شمعه مضيئه في عالمنا المظلم

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر