الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة الشمولية والهوية الوطنية

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2014 / 2 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر




لقد تعرضت الشخصية العراقية عبر التأريخ إلى أنتهاكات فظيعة, وخاصة تحت حكم النظام الشمولي السابق , فقد تعرضت إلى هزات عنيفة أثرت في أنكسارها خلال العقود الماضية , بسبب تراكم الانتهاكات للحقوق وسلب الحريات وحرية الرأي والتعبير , لذلك لم يستطع العراق تثبيت روح المواطنة والهوية الوطنية للفرد العراقي وترسيخها على أساس دولة المواطنة والقانون والمجتمع المدني , مما أدى إلى استمرارية المواطن العراقي بالبحث عن الهوية , إن أية جماعة سواء كانت طائفة أو طبقة أو أمة هي مجتمع ضائع ما لم تجد لها هوية تطبعّهُ , فالهوية هي أشكالية ذهنية وليست واقعاً ملموساً , يعرف الباحث إبراهيم الحديري الهوية "مشتقة من الضمير (هو) أي الآخر أو الغير , وليس من الذات أوالأنا ..." .
لو تابعنا تاريخ المجتمع العراقي ومكوناته خلال القرن الماضي , لم نجد إلا أن البلد كان موحداً ومتجانساً ً ينضوي تحت الهوية الوطنية سواء كان بجميع مكوناته الأثنية والدينية , لكن كانت هنالك هوة واسعة تفصل بين الريف والمدينة ولا ترتبط بينهما سوى المصالح الاقتصادية , لكن مع هذا فكانوا أبناء المدينة يخضعون لقوانين الشريعة الإسلامية والقوانين المدنية, أما أبناء الريف فكانوا يخضعون لقيّم وأعراف العصبيات القبلية المصبوغة بالصبغة الدينية , من هذا نعرف إن سكان المدن كانوا أكثر وعياً من أبناء الريف.
بعد تأسيس الدولة العراقية وبناء مؤسساتها التربوية والصحية وببطء , تم تشكيل الدولة العراقية "عام1921 , كان نتاجاً مشوّهاً لنمط الهيمنة الكولونيالية وقنذاك , وكبار الضباط في الجيش العثماني والأشراف وتجار المدن والأفندية الذين شكّلوا نخبة سياسية غير منسجمة " , لذلك عانى العراق ولا يزال يعاني من ضعف روح المواطنة والتباس الهوية مما أنتج إيديولوجية قبلية طائفية , مع العلم إن المكون العراقي يشكل موزائيك فسيفسائي ملون يمتاز بالتنوع الأثني والديني .
من الأمور المهمة والمسببة لتخلف المجتمع العراقي بعيداً عن التقدم الأجتماعي وخاصة خلال فترة الخمسينيات هو نزوح أبناء الريف إلى المدن وخلق مجتمع وهوية فرعية ناتجة عنها البطالة المقنعة , إضافة إلى ترييف المدن و الفساد المالي والإداري الذي خيّم على الطبقة الحاكمة في ظل حكومة نوري السعيد الذي أقحم شيوخ العشائر في المعارك السياسية وخلق طبقة ملاكي الأراضي الكبار وتوحيد صفوفها والدخول إلى البرلمان , وخلق منها طبقة سياسية تميز نفسها عن الطبقات الأخرى , التي أخذت هذه الطبقة (الطبقة الوسطى) بالتمرد , وبخاصة الشيوعيين والضباط الأحرار , الذين أخذوا يعانون من عواقب أرتباط العراق بالمعاهدات الاستعمارية و بالسوق العالمية وأنهيار الاقتصاد الوطني القائم على الزراعة التقليدية والصناعات الخفيفة , كما نال الفساد القضاء وكبت الحريات والأصوات المعارضة .
لو تابعنا دور ثورة تموز 1958 التي أحدثت تغييرات في التركيبة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعراق , حيث حققت انجازات وطنية بارزة في أكثر من مجال , فقد ساهمت في تشكيل الذاكرة العراقية التي أصبح بمقدور الحركة الوطنية الأعتماد عليها من أجل التغيير , فقد مثلت الثورة منعطفاً تاريخياً مهماً في تاريخ العراق, لكنها تركت أرثاً سياسياً مفعماً بالتعارضات على المسرح السياسي , مما مهد لنمو المؤسسة العسكرية التي فشلت في أن تكون المدافع الحقيقي عن الشعب العراقي الذي هي منه , كما ساعدت ثورة تموز على تقويض المؤسسة العشائرية والانتماء الأثني والطائفي .
لكن بعد صعود المؤسسة العسكرية للحكم عام1968 أعتمدت على النظام العائلي الذي ساعد على تحطيم الدولة البرلمانية التي حاول الحكم الملكي توطيدها , فكان لأرتفاع أسعار النفط وأندماج السلطة الاقتصادية بالدولة التي تحولت إلى دولة ريعية وتحول الدولة إلى أكبر رب عمل بعد سيطرتها على واردات العراق وخلق من الدولة جهاز لقمع المواطنين والمعارضين , وضمور الطبقة الوسطى التي كان من الممكن أن تحمل على أكتافها مهمات قيام الدولة الوطنية , إضافة إلى ضعف الولاء للوطن والهوية الوطنية بسبب أنعدام العدالة الاجتماعية والتمتع بالحرية والعقيدة وأحترام الآخر .
كان لمجيء البعث خلق جيل يمتلك لذاكرة الموت والسلاح والقتل البعثي , فكان يمثل جيل الخراب والاغتراب والمسخ والسلب والنهب والرشوة والابتزاز , جيل الحروب والحصار والحرب الطائفية والعنف و العنف المضاد , جيل العصبيات والصراعات المذهبية والعشائرية والفوضى وتخريب ذاكرة المدن , لكن لوضع الحلول لهذا الواقع المرير في نهاية المطاف هو تحديد ماهية الهوية الوطنية وتعميق الوعي الذاتي " كذلك تحديد المرجعيات التي تجمع بين القوميات والأديان والطوائف في هوية وطنية واحدة بالشكل الذي يخدم الوحدة والتجانس والتفاعل ويطور رؤية ذات بُعد ثقافي واحد لمصير مشترك لجميع مكونات المجتمع العراقي " .
بعد عام التغيير 2003 عاد النظام العراقي إلى الولاء للقبيلة والطائفة والعصبية , أي بمعنى خلق للمواطن العراقي هوية ثانية بعيدة عن الهوية العراقية والانتماء لها , "مما جعل الوعي السياسي يتردد بين الولاء للعصبية القبلية أو المحلية أو الطافية , وبين الولاء للعصبية الدينية التي تعوض عن الولاء القبلي والمحلي والطائفي , أي التماهي بها. وبهذا يصبح الولاء للعصبية هو البديل عن سلطة مركزية قوية قادرة على حماية الفرد , وما يوضح ذلك هو أن الدولة في المجتمعين العربي والأسلامي لم تكن محور العلاقات الأجتماعية , وإنما هي وسيط خارجي لتحقيق المصالح, وفي حالة تحطيم هذا الوسيط تفقد الجماعة واسطة عقدها ومركز توازنها كجماعة سياسية " .

جورج طرابيشي – مسألة الهوية حين تصبح موضوعاً موسوعياً الحياة –لندن 2005
ابراهيم الحيدري- الشخصية العراقية ..البحث عن الهوية ج1 ط1 بيروت 2013 دار التنوير
ميثم الجنابي – العراق ورهان المستقبل – المدى 2006 ص93
برهان غليون – نظام الطائفية من الدولة الى القبيلة بيروت 1990 ص136








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف