الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر المصري ودوره التاريخي (7)

عبدالله خليفة

2014 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


فقدت الثورةُ الفرنسيةُ خطَها المتميز داخل الوعي المصري فلم يواصل العديد من المفكرين خطوطها المتكاملة من ديمقراطية وعلمانية، فهذان الجانبان تعرضا للبتر فغدت الحداثة الوطنية التي يحفرون لها بقوة غير مكتملة ومتناقضة ومضطربة.
ويمثل الناقد والباحث لويس عوض شخصية ليبرالية ونضالية على مدى عقود القرن العشرين المهمة عربياً (1914 - 1990) ويمثل إحدى حالات التفكك والالتباس.
كان مولده من أسرة مصرية مسيحية ريفية من الشرائح الوسطى، حيث كان الأب موظفاً وذا انتماء سياسي عاطفي بحزب الوفد، ووجه ابنه نحو الثقافة الإنجليزية. وقد استكمل الابنُ هذا المشوارَ عبر دخوله الجامعة واختياره الأدب الإنجليزي ميداناً لتخصصه، وكان معلموه هم أساتذة التنوير والليبرالية الفكرية (البرجوازية) كطه حسين وسلامة موسى، ومرة أخرى نرى الأدب كأداة اشتباك اجتماعية وليس الفلسفة والعلوم.
يعبر لويس عوض بشكل نموذجي عن المثقف الليبرالي الذي كرس نفسه لاستلهام الحداثة الأوروبية ونقل تأثيراتها إلى الشرق بشكل ثقافي عام ولم يحولها لعلم سياسي، وهو بهذا يشارك الرعيل الأول الذي خاض النضال الديمقراطي والوطني منذ بداية القرن العشرين، وأسس تجربة الوفد وتجلياتها السياسية والفكرية المختلفة المضطربة، وحاول البعض إصلاحها من دون نجاح.
لقد عمل لويس على نقل تأثيرات الديمقراطية العامة في الوعي والثقافة بشكل خاص، حيث كان معظم إنتاجه أدبياً، ثم توسع في ستينيات القرن 20 لقضايا تطور الفكر المصري ومسائل الاشتراكية وغيرها.
تظللت ليبراليته وخطه الفكري السياسي بنشأته في الطائفة القبطية، وأسرته المنتمية إلى الفئات الوسطى، والمحاطة بمجتمع إسلامي ريفي، تهيمن عليه العلاقات الإقطاعية الدينية، والتي غدت في وعي لويس عوض بأنها ممثلة الإسلام.
وبهذا غدت العائلة المسيحية، ومن ورائها العالم الغربي المسيحي، التحديثي، الرأسمالي، هو البديل لمجتمع شرقي ديني إقطاعي.
لم يكن الممكن في الوعي الليبرالي اليميني القيام بقراءة مادية تاريخية للشرق وللمسلمين ولهذا فإن لويس عوض يقدم قراءة دينية مسيحية للإسلام، وللعرب، قراءة تعتبر تاريخ الإقطاع هو تاريخ المسلمين، وليس نضال الفئات الوسطى العربية من أجل نظام تحديثي ديمقراطي.
إن البدائل هي الحداثة والعلمانية والديمقراطية الغربية، ولا بد في سبيل ذلك من إزاحة هذا المجتمع الديني واستبداله بمجتمع النهضة والحداثة كما يتصور.
تتكون هذه التناقضات المطلقة بين التكوين الشرقي الإسلامي غير العلماني وغير الديمقراطي، وبين التكوين الحديث الغربي المسيحي، من قضايا الاضطهاد التي واجهها المسيحيون في الريف المصري خاصة، يقول في مذكراته:
(كنت أسمع هذا الكلام نحو 1923 وأنا في الثامنة من عمري فحفر في وجداني وعقلي آثاراً عميقة وعمق وعيي السياسي للمسالة الطائفية في مصر وخارج مصر) ويضيف أن أسماء أسرته مشتقة من التوراة والإنجيل)، وهو رغم عقلانيته وعلمانيته يقول: إن بعض أفراد العوضية يحسون إحساساً عميقاً ليس فقط بفرعونيتهم ولكن أيضاً بأنهم من نسل ملوك مصر القديمة، وأنا شخصياً ورغم عقلانيتي الشديدة استسلم أحياناً لهذا الوهم)، (مذكراته).
إن هذا الصراع الذي يعبر عنه لويس عوض هو نتاج الصراع الاجتماعي الذي جرى في مصر، وخاصة في الريف، من توغل العرب وخاصة القبائل الرعوية، محمية من الأنظمة الاستبدادية للاستيلاء على أراضي الفلاحين الأقباط، وهو الصراع الذي اتخذ طابعاً دينياً، عبر الهجوم على الأقباط ومظاهر عبادتهم، ولجوء الأقباط إلى التمترس في دينهم، دفاعاً عن أرضهم ومصالحهم وتطورهم الروحي المستقل.
وإذا كانت المدنُ المصرية التي تنشأ ويختلط فيها المسلمون والأقباط، فإنها لا تغدو مدينة برجوازية حرة، تبعد الدين عن السلطة، فهي مدن إدارية للإقطاع المذهبي ولهذا فإن لويس عوض يحمل رفضاً لهذا المضمون العميق من الصراع، ولكنه يأخذ في وعيه الصراع بين الإسلام كدين للرعاة وبين الحداثة القادمة من الغرب المسيحي. إن العرب والبدو والإسلام تأخذ في وعيه طابعاً واحداً مطلقاً مثل وعي سلامة موسى، كما يأخذ الغرب والعلمانية والحداثة طابعاً مطلقاً آخر، وليس بالإمكان لقاء الجانبين.
إن لويس عوض يعبر عن هذه الفئات من الشرائح الوسطى المسيحية التي بدأت برفض الإقطاع الديني، القادم من بلاد العرب، وقد أخذت هذه الشرائحُ في بداية القرن العشرين تكّونُ مزيجاً مصرياً مشتركاً في علمانية غامضة الملامح الفكرية، والاجتماعية، ولهذا فإن التكوين الديني والقومي يبقى غامضاً في برنامج حزب الوفد، الذي لا يتغلغل في جذور هذه العلمانية، طارحاً فكرة القومية المصرية، أو الشخصية الفرعونية، وهي كلها محاولات أيديولوجية لتشكيل تحالف من شرائح الطبقة الوسطى مبهمة الملامح الفكرية السياسية.
إن الرعيل النهضوي التحديثي ذا المرجعية البرجوازية يتكون في هذا المناخ، وخاصة الجيل الذي أعقب ثورة 1919 والذي كان لويس عوض ونجيب محفوظ وغيرهما منه أقطابه، وليست روايات محفوظ وأعمال لويس عوض بعيدة عن أصدائه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت