الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتمية قتل المنافسة

مايكل سامي

2014 / 2 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


من أهم حجج الليبراليون أنصار إقتصاد السوق "الحر" هي أن السوق يعتمد على المنافسة من أجل تحفيز كل كيان إقتصادي لإخراج كل ما عنده من قدرات و مواهب, و لذلك تتسابق المصانع و الشركات لتقديم أفضل سلع و منتجات بأقل سعر ممكن .. و كلما زاد الطلب زاد العرض حتى يتوازن السوق, لكن طبعا السوق لن يصل أبدا إلي حالة تشبع يصبح فيها أي شئ مجاني (إنما هذا موضوع آخر). في حين أن الدول الإشتراكية البليدة و لأن مصانعها و شركاتها لا تتنافس بل تحتكر السوق لنفسها إجباريا و بقوة القانون (ما عدا السوق السوداء الحتمية في هذا السياق) فإن سلعها و خدماتها تصبح رديئة و فاسدة مع مرور الوقت .. فبدون منافسة و مع الإحتكار لا تعود الشركات و المصانع تهتم برغبات و نزوات المواطن (هل هذا شئ جيد ؟!) مما يجعلها تتكاسل و تترهل و تهمل أي تطوير لمنتجاتها.

حدث هذا بالفعل في كل الدول التي طبقت أي درجة من درجات الإشتراكية أو الشيوعية, لا مفر من الإعتراف بذلك. إنما دعونا نراجع مسألة المنافسة/الإحتكار هذة في السوق الرأسمالي "الحر". يعني أي شركة في السوق الرأسمالي لديها خطة أو هدف أو حلم تريد تحقيقه باي ثمن, و هو إحتكار السوق و قتل كل المنافسين بكل الطرق القانونية (و في أحيان كثيرة بغض النظر عن ذلك أي) .. و بالفعل يمكن لأي جهة ان تقتل و تدمر و تسرق بالقانون, و دون أي حاجة حتى للتحايل عليه (تذكر أن القانون لا يحمي المغفلين). و كل الشركات لديها خطة بسيطة جدا لفعل ذلك, تضخم و راكم رأسمال كافي, ثم خفّض السعر و إنزل به إلي الأرض .. بحيث أن تجوع أنت و يجوع معك كل منافسيك في السوق (لأن من سيرفع الأسعار فوق أسعارك لن يبيع) و لأنك من يملك أكبر راسمال فأنت من ستستطيع وقتها أن تتحمل الخسارة المؤقتة, ثم بعد ان يفلس و ينتهي كل منافسيك في السوق يمكنك ان تسيطر على السوق و تحتكره كما تشاء .. و تفرض أعلى الأسعار على المستهلكين (ألف مبروك يا ملك).

وقتها لن يكون لك أي منافسين لهم قيمة, و أي منافس جديد يمكنك شراؤه أو خراب بيته بأي طريقة قانونية (او غير قانونية .. لا يهم). ففي النهاية الشركة التي لا تستطيع ان تنافسها او تكسرها هناك دائما خيار متاح و هو ان تندمج معها (زواج المصلحة) فيصبح المتنافسين بالأمس كيانا واحدا .. و ما جمعه الله (السوق) لا يفرقه إنسان. ثم إن هناك إختيار ثالث و أخير .. و هو إن لم تستطع قتل منافسيك أو الإندماج معهم يمكنك الإتفاق معهم على المستهلكين, تتفقوا على أسعار معينة لا يتم تخفيضها أبدا بحيث تكون مجموعة الشركات هذة متنافسة في العلن و في الظاهر, إنما هي تحتكر السوق و تقتسم الكعكة بينها بالعدل (أحلى من الشرف مفيش) .. و طبعا هذا سيكون ظلم للمستهلك و حلب للسوق من قبل الشركات : و إلا فلماذا يتفقون أساسا ؟! المهم في النهاية أن تخرج نفسك من مفرمة المنافسة "الشريفة" هذة لأنها مطحنة و مهلكة ولا أمان لها .. تفهم اللعبة يمكنك أن تسيطر على أضخم سوق, إنما تكابر أو تتغابى فستموت سريعا .. لان السوق لا يرحم : في ثانية ستجد نفسك مشهر إفلاسك مطرودا من السوق مهما كنت تقدم سلعة جيدة او خدمة رائعة.

طبعا أي ليبرالي مؤمن بذالذكاء الفطري للسوق الطبيعي سيجادل بأنك لا تحتاج ولا يمكن أن تسمح بالإحتكار, و إن هناك قوانين تمنع الإحتكار و جمعيات لحماية المستهلك في الدول الراسمالية الكبرى و وعي من المواطن و .. و .. إنما مستحيل نظريا و مستحيل عمليا. يستحيل أن يظل السوق "حر" و تنافسي لفترة طويلة, طالت الفترة أم قصرت ستظهر تربيطات و إندماجات و سياسات إحتكارية : لا أحد يقبل أو يريد أن يظل طويلا داخل مفرمة المنافسة. ثم إن هناك مسألة مهمة يهملها الأخ الليبرالي أيضا, و هي أن أي رأسمالية قدّر لها ان تستمر لفترة طويلة بشكل متواصل فستلد حتما شركات ضخمة أكبر منها و تبلع الرأسمالية نفسها. هذة الشركات العابرة للقارات متعددة الجنسيات القائمة على رأسمال يتم تقديره ببلايين البلايين من الدولارات, هذة الكائنات الديناصورية الضخمة ميزانياتها أكبر من ميزانيات دول كبيرة .. هذة الشركات أكبر من عدة دول مجتمعة, الشركة الواحدة يمكنها أن تستثمر في بلد معينة فتحييها او تحاصر بلدا معينة فتقطع عنها الماء و الهواء.

إنها ديناصورات السوق الأكبر من أي منافسة, و أي سوق تضع عينها عليه معناه الموت الأكيد لكل شركاته .. فهي مجرد لعب أطفال بالنسبة لها. و هذة الديناصورات تلجا كثيرا إلي الأسلوب الأول (تجويع السوق) و قليلا إلي الأسلوب الثاني (الإندماج) بحيث أن تبلع المقرات الهزيلة للشركات الصغيرة .. إنما يستحيل ان تلجا إلي تربيطات إحتكارية (الحل الثالث) أبدا مع أيا من هذة الكيانات الإقتصادية الضئيلة الهزيلة, لانها ببساطة أكبر منهم جميعا و تستطيع ان تسحقهم جميعا و ستفعل. إنها متعة فعلا أن تكون أحد أباطرة المال و الأعمال, متعة أن تسيطر على الأسواق و تخضع الأقوياء و تطحن منافسيك .. متعة تدفع بالأباطرة إلي العمل ربما 16 ساعة في اليوم بشكل متواصل دون شكوى. و في النهاية انت لا تعمل بهذا النهم و هذا الوله من أجل أن توفر ثمن الدروس الخصوصية لاطفالك أو حتى لكي تكون فرد نافع للمجتمع .. بقدر ما أدمنت هذا التوسع و هذة القوة الخارقة. أن تحيي و تميت, ان تعز و تذل, ان ترفع و تخفض, أن تصلح و تسحق .. سبحانه هو الراسمالي و على كل شئ قدير.

الآن كيف تتصور أن تتصور ان تستطيع الدولة (أي دولة) بميزانياتها الضئيلة و إمكانياتها الضعيفة أن تتحكم أو تسيطر او حتى تنظم سير هؤلاء الديناصورات .. بقوانين او سياسات ؟! هي ببساطة لا تستطيع طبعا !! أن تتصور أن هناك حكومة يمكنها ان تسيطر على شركة عابرة للقارات فكأنك تتصور أن بامكانك وضع سرج و لجام على التيرانصور ركس مثلا (أكثر الحيوانات قوة و شراسة في تاريخ الحياة على الأرض) !! إما أنك بالفعل أحمق بحيث لا تعرف حجمك و حجمه, او أنك تعلم و الموضوع لا يشكل معك أي فارق ! ببساطة تضخم الشركات ثم إحتكارها للسوق هو أمر حتمي في السوق الراسمالي و خارج السيطرة أساسا, و تحكم رأس المال في الحكم/الدولة/السياسة هو أيضا أمر حتمي و خارج عن السيطرة. ببساطة هذة الشركات يمكنها ان تشتريك و تشتري أهلك و عشيرتك و من أنجبوك و من يدعمونك حتى آخر فرد فيهم (أعذرني يا صاحبي .. أصل الجوع كافر !). يعني حتى لو كنت رئيس جمهورية أو ملك أو إمبراطور, و أردت أن تناطح طواحين الهواء و تظن نفسك شريفا أو نظيف اليد فأبيت الخضوع لهم و بيع نفسك .. فأخوك سيفعل, أو إبنك أو وزير دفاعك (هل تعرف أوجستو بينوشية ؟) .. و هو من سيقتلك أو ينقلب عليك و يعيد الأمور لنصابها الطبيعي !

النظام ديموقراطي ؟!! أفضل و أسهل .. بأموالك الطائلة التي لا تنتاهي تستطيع ان تشتري حزبين أليفين و تقوم بتلميعهما من خلال وسائل الإعلام و وكالات الأنباء التي تملكها, ثم شراء مرشحين إنتخابيين متنافسين و تقيم مهرجانا ضخما يسمونه إنتخابات و عرس ديموقراطي (يمكنك أن تضع رهانك على أحد المرشحين كما تفعل في سباق الخيول) و تدفع الشعب الجاهل لكي يبهر العالم بلعبة الديموقراطية و يختار موظف عند الشركات الإحتكارية حتى ينفذ سياساتها .. و الناس سعداء أنهم قد إختاروا من يمثلهم ههههههههه. إنما الحكومة ستخضع يعني ستخضع و المسألة مسألة وقت فقط بالنسبة لأي دولة عنيدة, تخضع بالإنقلابات او تخضع بالديموقراطية .. إنما هي ستخضع في النهاية و إلا سيتم حصارها إقتصاديا و تجويعها حتى تركع ثم تنام على بطنها. فالشركة متعددة الجنسيات العابرة للقارات لا تختلف أبدا عن "مسخ فرانكنشتاين" أنت من صنعه و هو من سيقتلك .. ولا عزاء للجهلة و الأغبياء.

الآن ماذا كنا نقول عن موضوع الإحتكار في الدول الإشتراكية ؟! آه نعم, الدول الإشتراكية الشريرة تريد قتل المنافسة "الشريفة" و عزل سوقها عن حرب الديناصورات هذة (خصوصا لو دولة نامية صغيرة) و إيقاف حركة الطبيعة و قتل الإبداع الفردي ! إنما دولة مثل الإتحاد السوفيتي كانت دائما ندا عسكريا على الأقل لأمريكا و المعسكر الغربي, و الأسلحة السوفيتية كانت من أفضل الأسلحة في العالم .. تتفوق على أمريكا في قطع و تكتفي بالمركز الثاني بقطع أخرى : إنما لماذا لم تكن الأسلحة السوفيتية فاشلة و رديئة مثل بقية المنتجات السوفيتية ؟! لماذا كان الكلاشينكوف و الدبابات و الغواصات النووية و الصواريخ من أحدث و أقوى التقنيات العسكرية في العالم و أقوى و أخطر منافس لأمريكا ؟!! و لماذا لم ينافس الإتحاد السوفيتي دول غرب أوربا و أمريكا بسيارات سبور و غسالات أوتوماتيكية و بضائع متميزة مثلما فعلت الدول الرأسمالية المتقدمة ؟!

و الاجابة هي :

ان الأسلحة السوفيتية كانت متفوقة و قوية لأن الأبحاث العسكرية العلمية كان لها الأولوية في الإنفاق, ببساطة انت لا تحتاج إلي منافسة حتى تقوم بتطوير نفسك, ولا تحتاج إلي شركات سلاح خاصة تسعى لإشعال نار الحروب بين الدول النامية حتى تجد سوقا تبيع فيه أسلحتها .. يكفي أن تخصص ميزانية كافية و ثابتة للتطوير و لنقل مثلا 10% و ستجد أفكارا و تصميمات كثيرة تقوم بتجربتها و دعمها. أما لماذا لم يفعل الإتحاد السوفيتي ذلك بالنسبة لبقية المنتجات و البضائع فهذا له عدة ردود ..

أولا: أن من مبادئ الشيوعية هو التضحية بالرفاهيات و السلع الإستهلاكية الزائدة عن الحاجة (ولو مؤقتا) لدعم و تطوير السلع و الخدمات الأساسية و الضرورية لكل الناس. يعني في الإتحاد السوفيتي لم يكن هناك فقير ينام بدون عشاء (بعد محنة الحرب العالمية الثانية) لأن الدولة كانت توزع الطعام و السلع الضرورية على الجميع بالعدل, لا فارق بين موظف و عامل و مزارع .. طبعا أفراد الحزب الشيوعي كان لهم مميزات : إنما هو فساد الطبيعة البشرية إنما مهما كان حجم هذا الفساد فيستحيل مقارنته بننظام ينتج بشر لديهم بلايين البلايين من الدولارات و بشر تموت من الجوع و البرد. في الإتحاد السوفيتي لم يكن هناك فقراء لأنه لم يكن هناك أغنياء بكل بساطة, لم يكن هناك بطالة نهائيا. إنما كان هناك عمالة زائدة مقيدة على قوة العمل لكنها لا تنتج ولا تعمل, هذا حقيقي .. لكن هذا عيب في التنظيم الإقتصادي يمكن إصلاحه و لا يعني فشل النظام. معدلات الجريمة في الإتحاد السوفيتي كانت لا تكاد تذكر, بالنسبة للدول الرأسمالية "المتقدمة" و التي كانت مرتعا دائما للمافيا و تحكّم أباطرة الجريمة المنظمة في الحكم .. فسواء الياكوزا (المافيا اليابانية) أو المافيا الإيطالية الشهيرة أو المافيا الأمريكية الوطنية (Have you seen "The Godfather" movie) : إنما طبعا بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي نشات "المافيا الروسية" ذات الشهرة العالمية و الأكثر دموية و شراسة من أي مافيا قديمة أخرى (المجد للرأسمالية كل المجد !).

أبسط ما يمكن أن تلاحظه هو أنه لا وجود للعاهرات في شوارع الإتحاد السوفيتي, فالفلسفة الماركسية تقدمية جدا و تحترم المرأة جدا و تعاملت مع النساء كما تتعامل مع الرجال تماما .. سواء بالخير أو بالشر. يعني لا فقر ولا بطالة ولا جريمة ولا عهر و رعاية صحية و تعليم متقدم محترم لجميع الناس .. كان الحكم سلطويا شموليا إنما كان أفضل من الديموقراطية المخادعة الماكرة. طبعا كان البطش بالمعارضين أمرا عاديا و هناك ناس تم القاءهم في معتقلات الجولاج بلا أي ذنب .. إنما هذا كان من الممكن إصلاحه أيضا. و كان هناك أيضا طوابير كثيرة على كل شئ (أساسيات الحياة) .. إنما أيهما تفضل ؟! أن يحصل الجميع على كل السلع و الخدمات بشكل عادل و بالتالي يتحملو أحيانا قلة المعروض منها حتى تلتفت إليها الدولة .. أم يتم وضع أسعار عليها فيتفرق الطابور و تحصل على سلعتك بسرعة و لتمت الناس جوعا او مرضا بعد ذلك ؟!! ببساطة وضع الأسعار على السلع و الخدمات هو يجعلها للخاصة فقط (من يملك ثمنها) .. فهل مشكلتك هي إحتياجاتك أم أنك تريد أن تشعر بتميزك حين تحصل على سلع و خدمات يتم حرمان أغلب الناس منها ؟!! ببساطة هذا إختيار أخلاقي أساسا, ولا أحد يستطيع إقناع شخص حقير يظن نفسه أعلى من الناس بأن عليه أن يتحمل الوقوف في طوابير مثل غيره حتى يتمتع الجميع بنفس السلع و الخدمات ! ثم إن هذة الطوابير لم تكن سنة شيوعية حتمية يعني .. ربما في أوقات الأزمات أو ضياع محصول أو تزايد الطلب على سلعة معينة لأي سبب, إنما كانت الحكومة تضع هذا في خططها الخمسية الجديدة و تزيد من الإستثمار فيها.

ثانيا: أولويات الإنفاق و سباق التسلح و سباق الدبلوماسية تم فرضهم فرضا على الانظمة الشيوعية. يعني هل تعلم ان حوالي 22 دولة مولت و تدخلت عسكريا و تآمرت على الثورة البلشفية وقت قيامها ؟! بنفس الطريقة التي تآمر بها كل ملوك و أمراء أوربا على الثورة الفرنسية و الجمهوريات الأولى. فأيا كانت مناهج و أهداف هذة الثورات, أي حركة سياسية مناوئة لتحالف الأرستقراطية و الكهنة و البرجوازيين كان يوحدهم و يجبرهم على حصار الحركة و إسقاطها. و هتلر هذا لم يصل إلي الحكم في ألمانيا إلا بدعم الراسمالية الغربية و الأمريكية لأنه كان من أعدى اعداء الشيوعية و كراهيته لليهود كان بسبب قناعته أنهم من إخترعوا هذة الشيوعية لضرب الحضارة الغربية الأوليجاركية .. و من ثم تم إعتبار هتلر و النازية انهم الحصان الأسود لصد الإنتشار السريع للماركسية بين الشباب المثقف في أوربا وقتها. و لهذا السبب تم تدليل هتلر و تركوه يخرق معاهدة فرساي بند بند و يسترجع الأراضي الألمانية قطعة قطعة ثم أراضي زائدة عليها, ثم تمرد "وحش فرنكنشتاين" و يسعى لإلتهام أوربا كلها. و بعد أن إلتهم هتلر أوربا لم تتدخل أمريكا إلا قرب إنهيار ألمانيا بقليل, تاركه الإتحاد السوفيتي يعاني وحده من وحشية النازيين و حرب الإبادة التي شنها هتلر على الجميع. و في النهاية سحق الجيش الأحمر جيوش النازية و تكبد الفيرماخت (الجيش الألماني) 80% من خسائره على الجبهة السوفيتية.

لهذا السبب كانت أمريكا غنية وقت إنتهاء الحرب, فهي لم تتورط فيها كغيرها و لم تخلع قفاذها مع هتلر .. مكتفية بحربها مع اليابان في آسيا. و لهذا عرضت أمريكا على أوربا تمويل مارشال لأعادة البناء بعد الحرب, و بطبيعة الحال رفض الإتحاد السوفيتي أموال أمريكا . و قبل موت ستالين كان الإتحاد السوفيتي يمتلك القنبلة النووية التي كان الأمريكان يريدون إحتكارها. و لهذا السبب تعلم السوفيت الدرس, و إنتهت أي إمكانية للثقة في الغربيين و بدأت الحرب الباردة بين أمريكا و الإتحاد السوفيتي. و إضطر الإتحاد السوفيتي ان يتورط في سباق التسلح حتى لا يقع فريسة لهتلر آخر, و أضطر لدعم و تمويل حركات التحرر في العالم لشراء أنصار و أصدقاء لقضيته .. فبخلت الحكومات على مواطنيها بما أنفقته على كوبا و الصين و العراق و مصر و غيرهم. كان من الطبيعي ان تشح سلع و تقل الخدمات في الإتحاد السوفيتي و الدول الشيوعية النامية الصديقة .. ما فعلته الرأسمالية الغربية عموما و الأمريكية خصوصا هي أن لعبت نفس اللعبة الإحتكارية مع الإتحاد السوفيتي.

تخيل ان الرأسمالية هي شركة متعددة الجنسيات عابرة للقارات, و الشيوعية هي أيضا شركة متعددة الجنسيات عابرة للقارات .. و الإثنان أعداء, أعداء ايديولوجيا و قيميا, و يتصارعان على نفس السوق. طبعا بما أنهم أعداء فلا مجال للإندماج بينهما, ولا مجال للإتفاق و تطوير إتفاقيات ملزمة للطرفين تضمن لهما الإحتكار الحصري للسوق وفق حصص ثابتة منه : فالشركتان تسعيان للإحتكار بكل قوة و بالتالي على أحدهما أن يموت حتى تنتهي المنافسة و يستمر واحد منهما فقط. إذن لا مجال أمام كلاهما إلا تجويع السوق و عض الأنامل .. و ليستمر من يستطيع أن يتحمل الجوع فترة أطول و ليموت من يجوع أولا. طبعا من يستطيع لعب هذة اللعبة و يسعى إليها بكل قوة و يفرضها على منافسه هو من يمتلك رأس مال أكبر, و من يملك أموالا أكثر من مجموع الشركات الرأسمالية و أباطرة المال و الأعمال المتضخمين منذ عصر النهضة الصناعية و حتى قيام الشيوعية ؟!!

قبل الثورة البلشفية كانت الرأسمالية قدر لا فكاك منه في العالم كله, فعلى الجميع أن يعمل كعبد لدى أحد أباطرة المال و الأعمال و إلا جاع و إنقرض .. إنها سنة الحياة ان يكون هناك غني و فقير و كل الأديان السماوية و الحمراء و السوداء تؤكد ذلك. و حين قاد فلاسفة الماركسية في روسيا ثورة ضد النظام القيصري و أرادوا تحويل روسيا إلي دولة متقدمة بدلا من الذل و الهوان الذي رزحت فيهم تحت حكم راسبوتين و أمثاله, واجهوا كل مقاومة و تآمر من الدول الراسمالية الحليفة قبل العدوة في الحرب العالمية الأولى. و بسبب الطفرات الإقتصادية و سرعة النمو و التطوير العسكري بدأت الراسمالية تقبل المنافسة مرغمة, بدأت الراسماليات تتبنى دولة الرفاه و الضمانات الإجتماعية و حقوق العمال و المزارعين و الموظفين فبدأت أحوالهم تتحسن فعلا .. فقط حتى تجعل القضية الشيوعية بلا معنى و حتى تعمل آلة الدعاية الراسمالية. أصبحت الخدمات و السلع أرخص و بدأ الناس العاديين يشعرون بنسيم من جنة الرأسمالية, و ضحى الرأسماليين بمكاسبهم (مساكين) و سمحوا بإقتطاع ضرائب كثيرة منهم و إنفاقها على الناس كخدمات و سلع .. من خلال الإقتصاد الكينزي.

طبعا الدولة الشيوعية الوليدة لم تستطع ان تنافس هذا الإنفاق على القوة العسكرية و النفوذ الدبلوماسي .. و في نفس الوقت على تطوير السلع و الخدمات لمواطنيها بنفس القوة و الدرجة التي إستطاعت بها الدول الغنية العريقة, و إختار الإتحاد السوفيتي ان يكون الإنفاق العسكري أولا بحيث يحمي النظام أطول فترة ممكنة حتى يستطيع أن يعالج مشاكله الداخلية. إنما مع الدعاية و الإعلام و الإعلانات الراسمالية التي تبدع فيها و تتفوق الشركات الراسمالية تم غسل أدمغة الجميع و تشوهت صورة النظم الشيوعية لصالح النظم الامريكية (الليبرالية). لعبة تجويع الشركة المنافسة و عض الأنامل تحملها أباطرة المال و الاعمال بكل رضا, حتى يتم إستنزاف المعسكر الشرقي قدر الإمكان. بل إن الرأسمالية الغربية لم تتحمل حتى يسقط الإتحاد السوفيتي و المعسكر الشرقي, فبدأ تحالف تاتشر-ريجان في إنجلترا-أمريكا ينقلب على كل الإصلاحات الإقتصادية على الرأسمالية و يتراجع عن ضماناته الإجتماعية و دولة الرفاه .. مكتفيا بإستنزاف الإتحاد السوفيتي في سباق تسلح جديد مكلف و سفيه من خلال مشروع حرب النجوم.
بمجرد أن لاح في الأفق إنهيار النظم الشيوعية و إجبار الشركة الشيوعية على إشهار إفلاسها .. بدأت الشركة الراسمالية تكشر عن أنيابها مرة أخرى معلنة إسترجاع ملكيتها للكرة الأرضية و إحتكارها للسوق كله بعد أن قتلت منافسها الوحيد في السوق. الآن تظهر التيارات النيو-ليبرالية و تحتكر الساحة السياسية و تنفرد أمريكا بقيادة العالم تلعب به كيفما تشاء, فتحيي و تميت, تعز و تذل, ترفع و تخفض ! الآن لا حديث في العالم كله إلا عن الخصخصة و تقليص دور الدولة و نهاية التاريخ و تفوق الراسمالية و إنهيار اليسار و غباء التجريب (مجرد التجريب) الشيوعي .. لأن الرأسمالية هي سنة الحياة و طبيعة البشر التي لا مفر منها و من يحاربها كأنه يحارب طواحين الهواء (الشركات الإحتكارية) ! الآن تحتكر الراسمالية السوق كله ولا منافس لها, تستطيع أن تسترجع ما خسرته وقت تجويع الشيوعية أضعافا مضاعفة و تفرض الأسعار التي تريدها مقابل السلع و الخدمات التي تجود بها .. الآن لا توجد منافسة بين قطبين أو معسكرين أو طريقتين أو أسلوبين للحياة : فالرأسمالية هي الأصح لأنها تدعم المنافسة الشريفة و بالتالي من حقها ان تقتل منافسها الوحيد !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف