الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الوطد-، تيار الشهداء .. روح تونس وعشقها الوطني

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2014 / 2 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



منذ مدة كتب أحد الرفاق على جداره الجملة التالية : " le WATAD est une philosophie "


والحقيقة أن تعليقي على هذه الجملة كان رسالة مكتومة لعشيري سنان الذي أصر على الرحيل بسبب عدم تحمله غياب شكري. حينها خجلت أوجهها له، إذ كان لا يحتاج غير الورد والغناء.

بداية دعونا نقول "الوطد عقلية" أفضل. وهذه العبارة ليست أكثر دقة، ولكنها أقل صدمة لرفاق آخرين، قد لا يتحملون أن يكون "الوطد فلسفة"، ماداموا لا يتحملون حتى ذكر شهدائنا. وهذا ليس موضوع الحال. ولكن وبرغم ذلك سنستمر معهم إلى آخر الطريق، ولن نمل محبتهم. وسنتفهم على الدوام الأسباب النفسية التي تمنعهم من الآعتراف بأننا أنداد وأننا رفاق وإخوة. وأننا لن نكون لهم خصوما ولم ننافسهم إلا على الشهادة من أجل تونس.

ثانيا لا شك أن عبارة "الوطد فلسفة" تحمل الكثير من المجاز. ولا تقدم حكما دقيقا ونهائيا. ومع ذلك، نعم هنالك ما ميز "الوطد" تاريخيا على كل التيارات اليسارية الأخرى، سواء العربية منها أو الأجنبية. وفي هذا المستوى يمكن القول أن هذا التيار له خصوصيته الفكرية المنفتحة وهو ما جعل أهم المثقفين والمبدعين في البلاد يتعاطفون تعاطفا كبيرا أو هم يرون أنفسهم داخل هذا التيار أو على ضفافه، فكرة وملامحا وعبيرا .. ففي حين تطورت كل التيارات اليسارية على قاعدة الوحدة الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية، تخلت الحلقات المتقدمة للوطنيين الديمقراطيين منذ البدايات (حتى قبل إنهيار الآتحاد السوفياتي) على فكرة "الوحدة الآيديولوجية". بل أن هذه الفكرة كان ينظر لها بسخرية وازدراء كبيرين، برغم أنها لم تحسم بالنقاش وبشكل قطعي ومنظم. والحقيقة أن الوطنيين الديمقراطيين -لا أدري بدقة ما هي الأسباب - تطوروا في مناخ من حرية الفكر وتعدده بشكل مذهل، حتى أننا لم نحسم أي من القضايا التي كانت تعد الأساس الضروري لأي تنظيم يساري في ذلك الوقت. فمثلا لم نحسم الموقف من ماو تسي تونغ. الموقف من كوبا. الموقف من ألتيسير. قضية العوالم الثلاث ... إلخ . بحيث كانت المقولة المركزية هي: قراءة الواقع دون نسخ ولا دوغمائية، مركزية المسألة الوطنية في النضال من أجل الديمقراطية، الإستفادة من كل التراث الإنساني التقدمي من القرامطة إلى الجبهة الصندينية. وبصفة عامة (تكوين الكادر الثوري)، والأهم من كل ذلك إعتبار الماركسية مرشد عمل لا غير.

هذه هي خصوصية الوطد، وهذا ما جعلهم يقبلون في داخلهم نزعات فكرية عديدة، كما أنهم كانوا أميل للأعمال الأكاديمية العميقة، بغض النظر عن خلفيات أصحابها. والوطد (طبعا أقصد رفاقي الذين خضت معهم التجربة) كان لهم موقف واضح وحاسم من ستالين في ثلاثة قضايا جوهرية: أولا، اعترافه بالكيان الصهيوني. ثانيا، قتله لرفاقه وتنكيله بالمثقفين. وثالثا، موقفه من الحرب الأهلية الإسبانية وعدم انحيازه لقوى الثورة. ولم يكن الوطد يعتبرونه مرجعا بالمطلق بل أن العناصر الأكثر تقدما كانت تعتبره كارثة على التجربة الإشتراكية. في الوقت الذي كان فيه يساريون اخرون يعتبرونه معلم الطبقة العاملة، والرجل الحديدي، وصديق الشعوب، وسيد الآسياد ... إلى آخر الملزومة ..

أما حول فكرة الثورة ، فحقيقة كانت للوطد غاية واسعة جدا، أبعد بكثير من قضية المهمات المحددة المرسومة بدقة في جدول أعمال الأحزاب اليسارية الدوغمائية. والتي كان من لا يتبعها حرفيا يتهم ب-"التحريفية" و "الخيانة" و هو ما عرض خيرة المناضلين لكل أنواع التنكيل بما في ذلك التصفية الجسدية. وفي هذا الباب كان لهم رأي خصوصي في أكثر من قضية: مثلا في برنامج الاصلاح الزراعي، وفي قضية بناء الديمقراطية. بحيث تميز الوطد على مجمل التيارات اليسارية الأخرى، في التخلي التام ومنذ وقت مبكر، عن فكرة خاطئة في الماركسية ألا وهي: وحدانية الحزب الأغلبي الذي يمثل مصالح الجماهير، أو ما يعبر عنها ب"دكتاتورية البروليتاريا"؛ وبدلا من ذلك جعلوا مهمة بناء الرابطة الوطنية على أسس جديدة مهمة الثورة الأولى. بحيث كان التفكير يتجه إلى أن تونس على إمتداد تاريخها الطويل لم تعرف "رابطة وطنية حقيقية" تقوم على التنوع والاعتراف بالخصم السياسي، وتقوم على المشاركة الشعبية، وتجديد الشرعية عبر الإنتخابات، وتقوم على المواطنة بوصفها حجر الزاوية وأساس كل بناء وكل تقدم...

وبصفة عامة لم يكن للوطد دائما نفس الحظ الفكري المكتمل النهائي. ولكن أطروحاتهم في مجمل القضايا حافظت بشكل دائم على وضوح وتماسك على درجة من الإحترام. لا شك أن تحاليلهم النظرية لا تخلو طبعا من قصور أحيانا، و لكنها عميقة بشكل مدهش. وملتزمة على الدوام بالخط الوطني الصريح.

كذلك تميز الوطد بنظرتهم الشمولية لفكرة "النمو المشوه". بمعنى أن الإمبريالية شوهت اقتصاديات المستعمرات، بحيث تنمو بطريقة غير طبيعية في الفروع الصناعية والفلاحية، لأنها عبارة عن تكملة لاقتصاد الآمبرياكية الخاص. وهكذا يجري توالد التنمية في قطب المونوبول، بقدر ما يتوالد التخلف في ثنايا القطب الآخر.
وهذا الفهم أوسع من المقولتين الهلاميتين "رأسمالي تابع " ، و-"شبه شبه"..

وأخيرا ، الوطد فلسفة من حيث هم صرخة ضد الإمبريالية. لا يهم، إن داهمهم الموت، شرط أن يروا أيادي أخرى تمتد إليهم، وجموع متطلعة للحرية تلتحق بالمسيرة. ولهذه الأسباب ولهذه الفرادة وهذا الإنفتاح، رأينا كيف أن كل الشعب التونسي قد فجع لاستشهاد الفاضل، وثلثي البشرية فجعت باغتيال شكري.. وحتى البقية الذين لم يفجعوا، والذين نفذوا الإغتيال يدركون بينهم وبين أنفسهم أن المستقبل ينتمي إلى هذه الفكرة التي أطلق عليها الرصاص.
إن ما لم يتوقعه علي العريض وبقية العصابة، هو أن شكري بلعيد ، سيحتل بعد موته، مساحة غير منتظرة في قلب الجماهير ووعيها لا كبطل وطني فقط، بل كفكرة مضيئة وقادة إلى الأبد. تلك الفكرة هي فكرة المستقبل.. هي فلسفة الحرية ..

عزالدين بوغانمي

سانت - إتيان في 23 فيفري 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام