الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة السيسي

محمد بن زكري

2014 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لا أظن أن ما فعله السيسي بتاريخ 3 يوليو 2013 ، يختلف كثيرا عمّا فعله طنطاوي بتاريخ 11 فبراير 2011 ، فتحصيل حاصل ان أيّا من الموقفين لم يكن (ثوريا) وليس له من علاقة بالثورة - بما هي كذلك - بصرف النظر عن الأهمية النسبية لكل منهما في سياق الظروف الموضوعية التي أفرزته - أو بالأحرى فرضته - عبر تقاطع قرار المؤسسة العسكرية مع الإرادة الشعبية ، في لحظة تاريخية فارقة ، ما كان للجنرالات - مع ما طرحته من احتمالات - إلا أن ينحنوا للعاصفة .
وعلى الرغم من (اضطرار) السيسي - كما اضطر سلفه طنطاوي - لإظهار الانحياز الى الشعب المنتفض غضبا ضد سلطة حكم الاستبداد والفساد .. متمثلة في مبارك أو مرسي ؛ فمن المؤكد أن كِلا (المشيريْن) إنما فعل ما فعله خوفا من الجماهير الغاضبة ، وليس استجابة لمطالبها أو تعبيرا عن تطلعاتها ، فالمارشال السيسي لم (ينقلب) في الواقع ضد نظام الإخوان المسلمين - والإخوان هم من يقود تيار الإسلام السياسي - خلافا لما يدّعيه إعلام الجزيرة ، بل إنه استبق تطور الحركة الاحتجاجية الشعبية الواسعة في الشارع .. إلى ثورة اجتماعية (لا زالت أسبابها وعواملها واحتمالاتها قائمة) للإطاحة بدكتاتورية النظام الراسمالي التابع في مصر ، فحركة السيسي استطاعت - مؤقتا - امتصاص احتقان الشارع جرّاء سياسات الإفقار والإقصاء ، التي مارسها الإخوان المسلمون ، امتدادا لممارسات نظام مبارك الساداتي ، الذي كان الإخوان جزءً منه على صعيد السياسات الاقتصادية والتوجه الراسمالي ، ذي الطابع الطفيلي الكومبرادوري التابع ، فضلا عما كان لهم من حضور سياسي في البرلمان .. كما في أوساط المجتمع المدني .
وكما انخدعت الجماهير - غير المسيّسة - بوهم انحياز المارشال طنطاوي وجنرالاته لانتفاضة 25 يناير ، بدافع من (الوطنية) لا بدافع من الحفاظ على جوهر النظام الراسمالي ومصالح الطبقة الحاكمة من رجال المال والأعمال ؛ فها هي نفس الجماهير تلدغ مرة اخرى من نفس الجحر ، وتنخدع بأكذوبة (المخلّص) ، التي يسوّق لها الإعلام الرسمي و إعلام أصحاب الملايين - بل المليارات - من أباطرة المضاربة في اسواق العقارات والاستثمار السياحي والمستفيدين من خصخصة منشآت القطاع العام ، لتظهير المارشال السيسي في صورة البطل الأسطوري الذي ارسلته السماء لإنقاذ الشعب من (الغولة) الإخوانية ، دون الانتباه إلى حقيقة الإبقاء على (دراكولات) الراسمالية مصاصة دماء الفقراء ؛ حيث تنخرط مئات الابواق (المحترفة) فضلا عن مئات التكنوقراط والجنرالات المتقاعدين والمحللين - والمحرِّمين - السياسيين مدفوعي الأجر .. في (زفة) فولكلورية متلفزة على مدى الأربع وعشرين ساعة يوميا ، من التطبيل والتزمير عبر برامج التوك شو ، والشعوذة الثورجية ، والنفاق السياسوي ؛ لصناعة نصف إله مقدس .. كان حتى الأمس القريب عضوا عاديا في آخر قائمة مجلس جنرالات المشير طنطاوي ، مع استدعاء اسم جمال عبد الناصر من التاريخ ، لإضفاء هالة من وهم (الزعامة الثورية) على المارشال السيسي ، الذي يصر على ان يظل لغزا غامضا ، لا أحد يدري شيئا عن توجهه الفكري او خياراته السياسية او موقفه من الأساس المادي للانقسام الاجتماعي والاستقطاب الطبقي الحاد ، الذي يرفع اقلية ضئيلة هي بضعة آلاف من الشعب المصري الى القمة ، بينما يلقي بأغلبية التسعين مليون فقير ومفقر الى الحضيض .
وفي لعبة الربيع العربي ، التي تحتفظ أميركا بخيوط التحكم في دُماها المحلية والإقليمية ، وتنفرد برسم الأدوار و (خلق) الشخوص في سيناريوهاتها المتغايرة والمتغيرة ؛ يبدو أن إعادة تأهيل الدولة الراسمالية في مصر تحديدا ، تقتضي - لديهم - أخذ خطوة إلى الوراء آنيّاً ، من أجل التقدم لاحقا خطوتين إلى الأمام ، و ذلك بإعطاء فرصة للمؤسسة العسكرية كي تتدارك الأوضاع المتفجرة و تمسك بزمام حركة الجماهير في الشارع ، حتى لا تنفلت كليّا فتصل الى نقطة اللاعودة وتصعب السيطرة عليها ؛ الأمر الذي يتطلب (أولا) صناعة و تصنيم (رمز) يختزل في ذاته (المتورمة) إرادة الجماهير وآمالها ، ويملك القدرة الاستثنائية على تلبية مطالبها ، وصولا الى أهداف : العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، التي كانت هي شعارات انتفاضة 25 يناير 2011 . ويتطلب في الوقت ذاته (ثانيا) تحريك الإسلاميين للدخول في مواجهة عدائية مفتوحة مع السلطة الجديدة ، تهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي بانتكاسات موجعة ؛ الأمر الذي من شأنه أن يقلص مساحة التطلعات الشعبية ويخفض سقفها ، فتتراجع من مطالب العدالة الاجتماعية الناجزة ، في دولة ديمقراطية لكل ابنائها ، إلى طلب الأمن والأمان ، اكتفاءً بمجرد البقاء على قيد الحياة ، ضمن هامش ضيق من الحقوق والحريات ، على أطراف مجتمع التمايز الطبقي ، في دولة طرفية (مهمة جدا) من دول محيط النظام الراسمالي العالمي .
وفي هذه الأجواء الأمنية المتوترة ، محبوكة الإعداد والإخراج على مسرح أحداث (ثورة !) الربيع العربي في مصر ، والمصحوبة بضجيج (زفة) شعبوية عالية النبرة ، لصناعة الزعيم القائد (الفوهرر / الدوتشي) معبود الجماهير ، فإن صوت العواطف والغرائز البدائية يغطي على صوت العقل والمنطق ، فالجموع المحكومة بغريزة القطيع ، عبثا تحاول إقناعها بأن اليوم هو غير الأمس ، وأن التاريخ لا يكرر نفسه ابدا ، وأن عبد الناصر هو - تماما - غير السيسي ؛ لأن ظروف حركة التحرر الوطني العالمية ، وتأثير المد الاشتراكي بمختلف مدارسه الفكرية ، وطبيعة العلاقات الدولية والاستقطاب الثنائي .. خلال ستينيات القرن الماضي ، هي التي شكلت شخصية عبد الناصر - فضلا عن تكوينه الذاتي - استجابة لتحديات تلك المرحلة ، وهي غير الظروف التي نعيشها والتحديات التي علينا مواجهتها اليوم .
ولعل اختلاف موقف المملكة السعودية من نظام عبد الناصر عن موقفها من النظام المصري القائم - بما فيه للسيسي من دور وموقع - يوفر مؤشرا بالغ الدلالة ، في إطار توزيع أدوار لعبة الأمم دوليا وإقليميا للحقبة الزمنية الراهنة ، بقدر ما يوفر مدخلا جيوبوليتيكيّا لمزيد من فهم الإستراتيجية الأميركية لفرض الهيمنة على منطقة (الشرق الأوسط الكبير) ، خاصة مع تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الحادة ، التي تعصف بالاقتصاد الأميركي - أكبر اقتصاد راسمالي في العالم - فضلا عن الهزات الارتدادية للأزمة ، التي عمت أضرارها كل مراكز وأطراف النمط ؛ الأمر الذي يرتب - وطنيا - ضرورة فك الارتباط الهيكلي للاقتصاد المصري (نموذجا للاقتصادات العربية المتخلفة .. التابعة ، وبالأخص الاقتصادات الريعية كالاقتصاد الليبي) مع النظام الراسمالي العالمي ، والذهاب إلى خيار إيجاد صيغة (وطنية) عصرية لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية ، تأسيسا على قراءة موضوعية للواقع وحاجات تغييره جذريا لمصلحة الأغلبية الشعبية الأقل حظا من ثروة المجتمع ، دون الإخلال بحقوق المواطنة للأقلية الطبقية ، التي (عليها) أن تمتثل لشرط التخلي عن طبيعتها الاستحواذية الجشعة ، وتعيد تموضعها في إطار الانتماء للشعب والولاء للوطن .
ولا أظن أن الظروف الموضوعية والذاتية لشاغلي المواقع القيادية العليا ، المتربعين على قمة هرم السلطة في نظم الراسمالية التابعة - أو من في حكمهم من رجال المال والأعمال - تؤهلهم لتَقدُّم صفوف القوى الشعبية على طريق الثورة الاجتماعية ، التي هي النموذج الوحيد - شكلا ومحتوى - لحركة التغيير التاريخية (الآن) باتجاه إعادة بناء المجتمع والدولة على أساس تكافؤ حقوق المواطنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بين الكافة . وذلك هو ما يخيف القوى الطبقية الاستغلالية الحاكمة ، من تحوّل الثورة الشعبية إلى ثورة اجتماعية ، فتعمد الى ركوب موجتها وتصنيع (رمز) تُسقط عليه كل الميزات - الوهمية - التي تجعل منه ضرورة تاريخية ، لقيادة ما يسمونه مرحلة الانتقال من الثورة الى الدولة ، التي لن تكون - في المحصلة النهائية - سوى نفس دولة الاستبداد والفساد التي كانت مستهدفة بالثورة الشعبية .
وبهذا المنظور و بإلقاء نظرة فاحصة على المشهد البانورامي المصري ، لا اظنني أظلم المشير السيسي عندما لا أطابق بينه وبين الزعيم الراحل عبد الناصر . ولن يمضي وقت طويل ، حتى يتبين للجماهير الثائرة أن السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المستهدفة بالثورة ، ظلت باقية على حالها لم تتغير ، وأن شيئا من أهداف الانتفاضة الشعبية الثورية لم ينجز ، وسوف تعي أنها كانت ضحية وهْمٍ كبير ، عندما تهيّأ لها أن التاريخ قد يعيد نفسه ؛ خاصة وأن الحراك الثوري من أجل العدالة الاجتماعية ، ينطوي بطبيعته على إمكانية تحرير الجماهير الثائرة - ولو تدريجيا و بدرجات متفاوتة - من وهْم امتياز النخبة وكاريزما القائد ؛ وارتقائها من ثم إلى مستوى وعي النخبة وتحمل مسؤولية القيادة ، فتفرز من بين صفوفها قيادات ثورية لإدارة شؤون الدولة والمجتمع ، بأعلى معايير الحكم الرشيد . ويُصار بالتالي إلى انحسار صناعة الآلهة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احتراماتي
صلاح ( 2014 / 2 / 24 - 13:46 )
نعتقد في أن قولكم هذا سيتحقق : (( .. ولن يمضي وقت طويل ، حتى يتبين للجماهير الثائرة أن السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المستهدفة بالثورة ، ظلت باقية على حالها لم تتغير ، وأن شيئا من أهداف الانتفاضة الشعبية الثورية لم ينجز ، وسوف تعي أنها كانت ضحية وهْمٍ كبير ))
راجع هذ الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=397931


2 - الظاهرة ظاهرة مرسي أما السيسيون فهم الانقلابيون
عبد الله اغونان ( 2014 / 2 / 25 - 01:40 )
ظاهرة الانقلابيين معتادة وقاعدة نجدها في كل الجمهوريات فمنذ اللواء محمد نجيب الى المشير السيسي ماذا تغير؟ انقلابي اثر انقلابي
الظاهرة الجديدة هي ظاهرة مرسي أول رئيس منتخب منذ عهد الفراعنة
ورغم اختطافه فقد أصبح ايقونة وحلما
والمسلسل مازالت حلقاته متتابعة بعنوان مسلسل اجهاض الديمقراطية
سنرى الدراما المصرية على أرض الواقع

اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة