الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعد البشري للوجود الفرنسي بالجزائر :درس فرنسا لأحفادها من المستعمرين .

رضا محافظي

2005 / 6 / 29
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لقد كان التركيز على العامل البشري خلال الوجود الفرنسي بالجزائر من سنة 1830 م إلى 1962 م من بين أهم المحاور التي دارت عليها السياسات المختلفة للمسؤولين الفرنسيين و من بين أهم المواضيع التي تم تناولها بالدراسة و التحليل من طرف المختصين منذ الفترات الأولى للوجود الاستعماري الفرنسي بالجزائر .

و قد لفت انتباهي في هذا الإطار مقاطع من كتاب LE PEUPLEMENT FRANÇAIS DE L’AFRIQUE DU NORD (الإعمار الفرنسي لإفريقيا الشمالية) لمؤلفه E.FALLOT المطبوع سنة 1906 م بمكتب الشؤون الديبلوماسية و الاستعمارية (فرنسا) يتناول فيه الكاتب هذا الجانب باهتمام كبير و تحليل عميق و يعطيه من العناية ما يغفل عنه الكثيرون .

يذكر الكاتب في الصفحة الأولى من كتابه أن الرهان الحقيقي الذي كان يواجه فرنسا آنذاك - من أجل ترسيخ وجودها بالجزائر - هو ايفاد " مجموعات بشرية في الجزائر ، فرنسية الجذور ، اللغة و المشاعر " . و هو بذلك يدفع الى الوجود ما كان كامنا في الضمير الجماعي الفرنســـي و كان وراء الهجوم الفرنسي على الجزائر سنة 1830 م و الذي يقضي بتغليب العنصر الفرنسي – على وجه الخصوص - على العنصر الجزائري الأصيل في أرضه .

و قد تترجم ذلك الشعور مع مر الوقت إلى سياسات ميدانية وضعتـهــا السلطــات الفــرنسيــة و تابعت تنفيذها باهتمام كبير و سخرت لهام ما كان متاحا من إمكانيات عسكرية ، اقتصادية ، ثقافية و علمية . و قد كان الهدف من وراء ذلك جعل الجزائر تحت السيطرة الكـاملــة لفــرنســا و جعلها بالتالي مصدر رزق وفير و منبع خيرات لا ينضب للشعب الفرنسي .

و قد صرح بذلك الكاتب حينما يقول في الصفحة الثانية من الكتاب المذكور أعلاه : " كان من المفروض أن تقدم الجزائر ، التي تم فتحها بدم و مال فرنسا جمعاء ، امتيازات للأمة (يقصد الفرنسية) برمتها تتناسب مع التضحيات التي تم تقديمها و ليس مجرد امتياز لجهة معينة دون غيرها " . و هو بذلك ينفي ضمنيا المزاعم التي تم الترويج لها آنذاك و التي مفادها أن الهجوم الفرنسي على الجزائر كان الهدف منه جلب الحضارة إلى الجزائريين و تخليصهم من الوجود العثماني المتسلط و فك رباطهم مع العبودية و الهمجية .

و قد تم في هذا الإطار القيام بعمليات سطو واسعة على الأراضي التي كان يملكها الجزائريون و تم اتباع سياسات تجهيل و تجويع و ترهيب واسعة النطاق كانت ترمي إلى تهجير الجزائريين و الدفع بهم إلى المـوت البـطــــــيء و تقليص عددهم إلى أقل ما هو ممكن بالقدر الذي يجعل من الفرنسيين قوة عددية لا تقهر و من الجزائريين مجرد مجموعات تحت السيطرة يتم استغلال عناصرها كعبيد في صور مختلفة .

كما ركزت السلطات الفرنسية بالموازاة مع ذلك على العمل على جلب اكبر عدد ممكن من المستوطنين الفرنسيين و تشجيع غير الفرنسيين على القدوم أيضا . و قد كانت الإحصائيات الخاصة بهذا المجال تراتيل يتمتع المسؤولون الفرنسيون بترديدها و يتباهى الكتاب بإدراجها في كتبهم و بحوثهم دلالة منهم على الإنجازات التي تم القيام بها من اجل سحق شعب بريء بدعوى تمدينه .

و يذكر FALLOT في الصفحة الرابعة من كتابه بهذا الخصوص أن " عدد المواطنين الأوربيين بالجزائر سنة 1833 م كان 7817 " و أن هذا العدد انتقل سنة 1903 م إلى 650.000 . لكن بالرغم من هذا الارتفاع فان السياسة الفرنسية لم تؤت أكلها و لم تصل إلى واقع الفرنسيون فيه أكبر عددا من الجزائريين و هو ما ولد حسرة لدى الكاتب مصحوبة بعزيمة على المواصلة على النهج المتبع . يقول الكاتب في الصفحة السابعة من كتابه أنه " ليس هناك ما يدعو إلى الأمل أن مواطنينا (يقصد الفرنسيين) سيتفوقون عددا على المواطنين الأصليين (أي الجزائريين) . فقد ارتفع عدد هؤلاء (الأصليين) في الجزائر من مليونين و نصف عند الوصول إلى الجزائر إلى 4.098.000 نسمة سنة 1901 م . إن نسبة الزيادات عندهم (السكان الأصليين) مرتفع مقارنة بما هو عند الفرنسيين الوافدين (3,21 % مقابل 3,09%) . كما أن نسبة الوفيات عندهم ضعيفة مقارنة بما هو عند الجزائريين (1,85 % مقابل 1,88 %) " . و يخلص الكاتب إلى نتيجة نظرية في الأخير تفيد أنه إذا كانت الغاية هي تغليب عدد الفرنسيين على عدد السكان الأصليين فانه من الواجب "العمل في وقت قصير على جلب خمسة ملايين من الفرنسيين إلى إفريقيا الشمالية و هو ما يقع في دائرة المستحيل من الناحية العملية " .

و بعد هذا العرض الذي يبعث الكاتب على اليأس ، يمتـطــي هــذا الأخيــر صهـوة عزيمـتـه و يصرح أنه " إن كان من الواجب صرف النظر عن واقع التفوق العددي للسكان الأصليين على الوافدين الفرنسيين فان ذلك لا يعني صرف النظر عن ما يجب القيام به من إجراءات من أجل تقليل نسبة التفوق إلى أقل حد ممكن و هو ما اتبعته سياسات مختلف الحكومات المتعاقبة بفرنسا " .

و هكذا يعطينا الكاتب FALLOT صورة عما كان يختلج في الضمير الجماعي الفرنسي- الحكومي و غير الحكومي - من انشغالات بخصوص ما هو ضروري لبسط السيطرة الكاملة على شمال إفريقيا عامة و على الجزائر خاصة و استغلال خيراتها لتامين حاجات الضفة الشمالية من البحر المتوسط ، و يضـع علـى أمام أعين قارئيه تفاصيل واضحة لدرس في إبادة الشعوب و نهب ثرواتها . و هو الدرس الذي وعت أهميته فرنسا سابقا و أحفادها من الاستعماريين حديثا و تطبقه إسرائيل حاليا في فلسطين بامتهان و احتراف كبير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا