الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة الواقع في تحولات الانا / الضوء

أسامة غانم
ناقد

(Osama Ghanim)

2014 / 2 / 25
الادب والفن


يدمج عمر ابو الهيجاء في (أمشي ويتبعني الكلام) – مختارات شعرية مستلة من سبعة دواوين، صدرت ما بين 1989 – 2004، والمختارات صدرت عام 2007 – ما بين سلطات الواقع ومرجعياته: التاريخية – السوسيولوجية – الثقافية، مضافاً اليها المنفى بإشكالاته وتأثيراته، ومتغيراته، في سلطات الشخصي من حيث الرؤية الذاتية، وعمق التخييل، والتراكم المعرفي، الخاضعة لمدى الاستيعاب والتفاعل بمرجعية الواقع وسلطاته، وعبر هذه العلاقة الجدلية، الواقع الخارج – الظاهر في الشخصي/ الداخل – الباطن، تتناسل بنيات هيلينية، منتجة شعرية التشكيل للمعنى وجمالية الصورة، المرتبطة بالايحاء والاشارة، والشفارت السرية، ولكنه يظل خاضعاً لاسرار يومياته الشخصية التي تكون مع الاخر متداخلة متقاطعة، مختفية في تحولاته غير المرئية.
ويتفرد ابو الهيجاء في مختاراته التي اختيرت بعناية فائقة في التجربة الشعرية،وبذائقة عالية الإحساس، ورؤية مكثفة في العوالم، بتجذر الأنا، لتكون المهيمنة والاساسية في قصائده جميعها تقريباً، يعود ذلك الى انه لديه قضية، تتعايش معه، يجتاحه، تنخر فيّه، تتأكله، تمور داخله، اضافة الى اعلانه المجاني بانه موجود داخل العالم وداخل ذاته، وان له صوتاً مسموعاً، وايمانه العميق بان روح الكون هي روح الشعر او الشاعر سيان [ انا موج فوضوي / حملتني سهواً رائحة الدم الى الكتابة] بمعنى لولا القضية لما كتب الشعر، بل يجعل من الأنا ملحقاً بكل الاضواء [ نام الضوء فوق جبيني / ولم / انم] بهذا تتشكل أنا غير محددة ، متشظية في الاتجاهات الاربعة، مراقبة ما يجري حولها، مكتسبة القوة والسلطان، لتكون مرجعية وذاتية في آن واحد، ومحمّلة الكلمة الاصيلة التجربة الفردية في المواجهة، بكل معاناتها ومراراتها وتقلباتها [هذا دم لاينكسر / من منكم حاول كسر جوانحه / من منكم فك لوائحه] تأكيداً على تحدي الانسان المقهور لهذا الزمن الصعب وللقدر، وانتصاره على النسيان بالتاريخ والذاكرة اليومية المتواجدة في بطون الكتب ورحم الطبيعة، رغم ان الانسان كائن الزمان وكائن الموت، أي ان الانسان هو الكائن الخرافي مدوّخ الموت من الحياة، وما الموت عند ابو الهيجاء الا حالة سفر، كما في سفر ناجي العلي، رسام الكاريكاتير الكبير، الذي اغتيل في الغربة – المنفى، في قصيدته ( اصابع فوق الزند) الموجعة جداً، المؤلمة حد النخاع، النازفة بصمت [أي المراكب سوف تفضي للبلاد / وأي جرح سوف يوصلنا الى الحقل السَفرْ]، ونتساءل هل لازالت ياحنظلة لم تتعب من السفر؟ وهل لازلت يا حنظلة تحمل صليبك في داخلك اينما تذهب كما قلت عن نفسك؟ هل لازلت ياحنظلة مرافئ للعشق؟.
يترك هذا السفر بعده: الاوراق، الصور، الرسوم، الذكريات، هكذا يشتغل ابو الهيجاء على مفردة الموت، ليجعلها تصطف خلف الحياة بكل الوانها، راضعة منها صمغة التجذر والانبعاث من بطون الرماد كالعنقاء [ يا ابي / ستعرف بعد موسم او موسمين / ان موتنا مباح / قليلاً / انهض / من / حدود / الموت] هذه الصورة الشعرية المليئة بالمعاني الدلالية، ترتكز على سوسيولوجيا النص المشعرة للشاعر، ومرجعيته اللحظة – الشخصية، وان الاخر المختبئ ( = المسافر) يبقى ( ضوءٌ مطمورٌ ووحيداً) كما يقول الشاعر المكسيكي خامي سابينيس.
ومهما يكن العمل الشعري غامضاً، يستطيع المرء ان ((يجعله ذا دلالة : بان يعده اولاً دليلاً كتجربة ومن ثم يحدد المرء معنى تلك التجربة)) – ستانلي فيش – وعليه ان بعض الجمل لانستطيع ان نفهم دلالتها الاشارية او الرمزية الا في نطاق القصيدة، وربما في نطاق المختارات كلها، وحين تصلنا دلالتها تصلنا لا كمعنى مكتمل بل كإيحاء في صورة رمزية [كوني الخيل/ التي لاتمل الركض / كوني ما تشائين / لاجعل مني/ معبراً / تدخلين منه/ وتشعلين قامة الريح بالقناديل] او في صورة مغرقة في الفنتازيا [السهل تحت ابطي أحمله].
لن نتفاجاً بموقف عمر ابو الهيجاء تجاه المرأة / الانثى، عندما يأتي متناقضاً، مزاجياً، في الرؤية الشعرية، ففي نص تكون نداً وقرينة للضوء/ الأنا [ لم جاء طيفها/ لم انم]، بل يجعلها الضوء ذاته [انثى الضوء]، وفي نص آخر يقف على بوابات العالم باحث عنها [فأسأل كل اللغات عن امرأة]، ومن هذه الابيات نعثر على تحولاته والازاحة في لغته الشعرية ومجازاته الرمزية التي يمنحها اياها للمرأة وللقصيدة، وفي بادئ الامر يختلط علينا الامر بينهما ونلاقي صعوبة في التمييز بينهما ايضاً، ولكن عندما نقوم بقراءة متأنية للنص نستطيع ان نفكك ما قرأناه واكتشاف المعنى خارج النص وداخله، فالقصيدة عند ابو الهيجاء هي القضية وبالعكس، يتوهج بها وتتوهج به، علاقة صوفية حميمة بينهما، كالعاشق والمعشوق، والمرأة تصبح متداخلة مع القضية، ولكنها غير ظاهرة، ومحالة اليها [كثيرُ النساء انا/ لم تعشقني/ سوى القصيدة].
يثير عنوان المختارات (أمشي ويتبعني الكلام) السؤال التالي : من هو التابع؟ ومن هو المتبوع؟ هنا لايتسطيع القارئ / الناقد الاجابة، الا بعد القيام بقراءة تأويلية جمالية للقصائد، لاستخلاص المعنى المتعدد، لاننا نستطيع الجمع بين خصوصية المعنى وسمة التأويل السوسيولوجية، وذلك لمشاركة المعنى بين الشاعر والقارئ معاً، فمن الذي يمشي؟ ومن الذي يتبعه؟، انها علاقة خارج الجدلية، علاقة تحوي ولا تحتوى، علاقة متشظية لكشف الاشياء، وتسليط الاضواء على الاماكن المظلمة، علاقة لاتخضع للقوانين الموضوعية بل للقوانين الذاتية، أي الذات، لانها هي التي تصنع قواعد لعبة اللغة الشعرية، وما القارئ / الناقد الا متلقي ومؤول ومكتشف لما يجري داخل اللعبة، فيكون في هذه الحالة الجميع تابع للأنا، في تشكيل الرؤية الجماعية للمعنى: الفعل – امشي ، والاسم – الكلام، ضمن المرجعية الواقعية الشخصية.
وتأتي قصيدة (للريح اوتار قصيدة تشبهني)، مكثفة محورها المتفجر الأنا التي تقطر الماً، ولكن احلامها (= الرؤيا) تتناثر كحبات الرمان الفلسطيني، فينا، فيهم، فلا توجد مسافات محدودة، صورة فنية جمالية احترافية قل نظيرها:
[رأسي رمانة الرؤيا / وقلبي قش الطريق/ فليمر الهواء من بين أضلاعي/ مرسلاً/ شهقات الراحلين/ انا شاعر تهجى شغب الطرقات طويلاً/ ولم تحتف بي اوراق الروح/ ولا أنثى القيامات/ ولم يحتف بي حلم توالد/ لحظة انتشار شاعر تمرغ في حقل / الكلمات].
انها جامعة لكل ما اراد ان يقوله ابو الهيجاء في دواوينه السبعة وبواباته السبع، وايامه السبعة، وسماواته السبع، وبحاره السبع… وولادته في الشهر السابع بين اشجار الزيتون السبع في عين الحوض النائمة في حضن حيفا.
ولنلاحظ انه في قلب المعاناة، او في خضم الرؤيا، تشتبك الأنا بالكلمات عنده، ففي البدء كان الكلمة، وكان الدخول في التجربة، لكي تفتح بيوت الشعر، وليرفع راياته ما بين الحرف والحرف، وليقرأ في كتاب العشق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا